العقلُ". شُيِّعَ إلى مَثْواهُ الأخيرِ .!.
خاص ألف
2010-09-11
"العقلُ". شُيِّعَ إلى مَثْواهُ الأخيرِ .!.
ينهارُ كُلَّ يومٍ بُرْجٌ جديدٌ في السَّماءِ، وتقومُ "نجلاءُ" بِإعادةِ بنائِهِ، ويتهافتُ النَّاسُ، وبِخاصَّةٍ الصَّبايا والنِّسوةُ، على نَبْرَةِ صَوْتِها المهموسِ العَذْبِ والدَّافئِ المُتَدَفِّقِ رِقَّةً عَبْرَ المِذياعِ؛ لِيأخذُوا قِسْطَهُمْ مِنْ نشرةِ الأبراجِ الَّتي تذهبُ بِألبابِهِمْ، نِساءً ورِجالاً، وهُمْ يُنصِتُونَ إِليها، مُنتظِراً كُلٌّ منهُمْ بِشَغَفٍ لِيأتيَ دَوْرُ بُرْجِهِ، مُتَلَهِّفاً بِاهتمامٍ وتَرَقُّبٍ إلى مَا ستقولُهُ "نَجْلاءُ".!. " شِبِّيكْ لِبِّيكْ، نَجْلاءْ بينْ إيديكْ."!.
غالباً ما تبدأُ الصُّبحيَّةُ في التَّاسعةِ إِلَّا رُبْعَاً، بعدَ إِحضارِ الماءِ، وجَلْيِ الفناجينِ وصُحونِها، إذا كانَتْ لَمْ تُغْسَلْ في اليومِ السَّابقِ. وتمرُّ الَّلحظاتُ على نارٍ هادئةٍ إلى أَنْ يقتربَ موعدُ النَّشرةِ البُرجيَّةِ، فَتَصْطَفُّ الصَّبايا، حَسَبَ تَسَلْسُلِ بُرْجِ كُلٍّ مِنْهُنَّ في النَّشْرَةِ، ويبدَأْنَ بِالإِصغاءِ إلى مُقَدِّمَةِ البرنامجِ الصَّباحِيِّ الَّذي يغزُو كُلَّ صباحٍٍ البيوتَ، والمقاهيَ، والمؤسَّساتِ العامَّةَ، والخاصَّةَ، وسيَّاراتِ الأجرةِ والخِدْمَةِ بِمُخْتَلِفِ أنواعِها. حَسَنٌ جِدَّاً: ها نحنُ الآنَ أمامَ "حالٍ تَجْمَعُنا"، لِمُدَّةِ ساعةٍ أو أكثرَ، أمامَ جِهاز المِذياعِ، تجمعُنا "الأبراجُ السَّماويَّةُ" الَّتي تأتي بِآَخِرِ التَّوِقُّعاتِ عنْ حياتِنا، وحركاتِنا وسَكَنَاتِنا، وسُلوكِنا، ومشاعِرِنا، وما نُعانيهِ مِنْ مُشْكِلاتٍ، وما يُمْكِنُ أَنْ يطرأَ مِنْ جديدٍ، عاطفيَّاً أو معاشيَّاً أو سُلوكيَّاًً. كلماتٌ قليلةٌ مَصُوغَةٌ بِشَكْلٍ مُقْتَضَبٍ، مَيْسُورِ الفَهْمِ، بسيطِ العِبارةِ، سَهْلِ الهَضْمِ. وما عليكَ إِلَّا أَنْ تُصْغِيَ بِكُلِّ جوارحِكَ، فَمَنْ يعلمُ ؟، قَدْ يحدثُ فِعْلاً ما توقَّعَتْ لكَ "نجلاءُ". فهِيَ لا تقولُ كلاماً جُزافاً.!؛ بَلْ إِنَّها تستطلِعُ حركةَ الكواكبِ والنُّجومِ، سابِرَةً أغوارَ المَجَرَّةِ، بِطاقةٍ خياليَّةٍ، ومسابِرَ عِملاقةٍ لَيْزِرِيَّةٍ، وبِرُؤْيَةٍ مُبْدِعَةٍ ، تسهرُ الَّلياليَ، وهِيَ تُراقِبُ، وتُلاحِظُ، وتُفَسِّرُ، وتُدَوِّنُ مُلاحظاتِها؛ حتَّى إذا ما تنفَّسَ الصَّباحُ، توقَّفَتْ، ثُمَّ تقومُ بإِعدادِ النَّشْرَةِ اليوميَّةِ بزمنٍ قِياسيٍّ، بعدَ جَهْدٍ كبيرٍ، وسَهَرٍ طويلٍ، ومُراقبةٍ دقيقةٍ، لِتُقَدِّمَ لِلنَّاسِ كُلِّ النَّاسِ، ما يُنَفِّسُ كُروبَهُمْ، ويُرَمِّمُ خَيْبَاتِهِمْ، ويُقَوِّي عزائِمَهُمْ، ويَشْدُدُ مِنْ أَزْرِهِمْ في مُواجهةِ عناءِ العيشِ، والحياةِ اليوميَّةِ الَّتي يَمُرُّ بها كُلٌّ مِنْهُمْ، مُتَلَقِّيَةً اتِّصالاتٍ مِنْ هُنا وهُناكَ، لِلإِجابةِ على استفساراتِ المُستمعينَ، والإصغاءِ إِلى ما يُعانُونَ مِنْهُ؛ والوَصْفَةُ السِّحريَّةُ جاهزةٌ: بِضْعُ كلماتٍ مِنْ "نجلاءَ"، تُعِيْدُ كُلَّ شَيْءٍ إلى نِصابِهِ، وتُرَتِّبُ ما اعْتَرَى حياتَنَا مِنْ فَوْضَى، ومُعاناةٍ، وإِحباطٍ، واكتِئابٍ، مُبَشِّرَةً بِالمَزيدِ مِنَ النَّجاحِ، وتَجَاوُزِ الأَزْماتِ، وتحقيقِ الانتصاراتِ، والخُروجِ بِنتائجَ باهرةٍ في الدِّراسةِ أوِ العملِ، أوْ سِوَى ذلكَ مِنَ الأعمالِ والمَشاريعِ؛ والعلاقاتِ العاطفيَّةِ أوِ الزَّوجيَّةِ المُهْتَرِئَةِ.!.
وقَدْ لا تخلُو عباراتُها أحياناً طبعاً مِنَ النًّصْحِ والإرشادِ، بِلُغَةٍ تربويَّةٍ عاليةِ الجُودةِ، تنهَلُ مِنْ كُتُبِ التَّربيةِ، وعِلْمِ الاجتماعِ، والفلسفةِ، والفَلَكِ،!. وسواها مِنَ العلومِ الَّتي تستعينُ بِها مُقَدِّمَةُ البرنامجِ، باذِلَةً خُلاصةَ فِكْرِهَا، وصَفْوَةَ تجاربِها في الحياةِ، وزبدةَ مُطالعاتِها، في سبيلِ إِسعادِ النَّاسِ، وتمريرِ يومٍ آَخَرَ بِسلامٍ وهُدوءٍ، قَدْ يعتريه أحياناً بعضُ الفوضَى، أوِ الاضطِّرابِ؛ وما ذلكَ إِلَّا – طبعاً – حينَ لا يُنَفِّذُ المُستمِعُ نصائِحَها، فالزَّوجةُ لَمْ يَعُدْ زوجُها إليها، لأَنَّها لم تُنَفِّذْ وَصِيَّتَها، وفُلانٌ لمْ ينجحْ في المادَّةِ، لأَنَّه لمْ يلتزِمْ بما قالتْهُ، وزَيْدٌ وعَمْرٌو وسِواهُمْ، مِنْ خديجةَ، إلى لينا، مِنَ العازبةِ إلى المتزوِّجةِ، مِنَ المُراهقةِ إلى الجَدَّةِ، كُلُّهُمْ لمْ يتحقَّقْ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا قالَتْهُ، لأَنَّهُمْ بِبساطةٍ لَمْ يُصْغُوا إليها جيِّداً، أوْ لأَنَّهُمْ لَمْ يُنَفِّذُوا حَرْفِيَّاً ما نَصَحَتْ بِهِ، وأشارَتْ بِهِ عليهِمْ.!؟.
" كَذَبَ المُنَجِّمُونَ، وَلَوْ صَدَقُوا." صَدَقَ اللهُ العظيمُ.
ولكِنْ أينَ المُشكلةُ، هِيَ ليسَتْ في "نجلاءَ" بِالتَّأكيدِ، إِنَّها في غِيابِ جِهازٍ يَزِنُ بِضْعَ كيلوغراماتٍ فقط مِنَ الوَزْنِ الإِجماليِّ لِجِسْمِ الإِنسانِ، يَتَرَبَّعُ في فَراغِ جُمْجُمَةٍ تقعُ أَعْلَى الجِسْمِ، تُسَمَّى الرَّأْسُ، أمَّا هُوَ فَيُسَمُّونَهُ " العَقْلُ". هَلْ تَعْرِفُونَهُ.!؟. وَهَلْ تَعْرِفُونَ أينَ ذَهَبَ.!؟. قَدْ شُيِّعَ إِلى مَثْواهُ الأخيرِ.!.
اِنتظرُوا النَّشرةَ التَّاليةَ لِلأبراجِ، مَنْ يدري.!؟. قد تتنبَّأُ "نجلاءُ" بِبَعْثِهِ مِنْ جديدٍ.!. هذا إذا كانَتْ تُرْجَى مِنْهُ فائِدةٌ بَعْدُ.!؟.
..............................
08-أيار-2021
18-تموز-2015 | |
18-كانون الأول-2011 | |
05-تشرين الثاني-2011 | |
26-تشرين الأول-2011 | |
18-تشرين الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |