Alef Logo
يوميات
              

سِــرُّ أزرقِ المَــاءِ.!.

الياس توفيق حميصي

خاص ألف

2010-11-27

غرقَتْ ربَّما، ولِمْ لا تغرقُ، هيَ أبحرَتْ بنفسِها في هذا الخِضَمِّ، ربَّما أغراها ذلكَ الأزرقُ المُوارِبُ، نعمَ، الأزرقُ لونٌ مُغْرٍ، ملتبِسٌ، مُداهِنٌ، مُتَوارٍ، مُزَيَّفٌ. لكنَّهُ "الأزرقُ"، هلْ بإمكانِكَ أنْ تخترعَ لوناً كالأزرقِ، يكونُ أكثرَ صِدْقاً وشفافيَّةً وصلابةً مِنَ الَّلونِ الأزرقِ الَّذي نعرفُهُ.؟.
لونُ السَّماءِ، لونُ البحرِ.!!. لونُ النَّهرِ، السَّاقيةِ، الجَدْوَلِ، البُحيرةِ.
الماءُ، نَعَمْ، الماءُ، السِّرُّ يكمنُ في الماءِ، أمَّا الهالةُ الزرقاءُ المُخادِعَةُ الَّتي تُلَوِّنُ صفحةَ السَّماءِ، فما هِيَ إِلاَّ انعكاسُ الضَّوءِ الَّذي يرتَدُّ مِنَ الشَّمسِ، مُحاصَراً بطبقةِ الأوزونِ، والغلافِ الجَوِّيِّ. لهذا يبدُو أزرقَ، يبدُو أَنَّهُ يتحلَّلُ مِنْ طيفِ الألوانِ، وينفردُ بالسَّماءِ وحدَهُ دونَ سِواهُ مِنَ الألوانِ، هُوَ لونٌ ساحِقٌ، حيادِيٌّ، وأنانِيٌّ جِدّاً.!.
أمَّا الماءُ فهُوَ أكثرُ ضَراوةً وخِداعاً مِنَ الهواءِ، هُوَ الآخَرُ يتباهَى بِلَوْنِ الأزرقِ الَّذي ما إِنْ تَحْبِسَهُ في وِعاءٍ حتَّى يستحيلَ بِلا لَوْنٍ، وهُوَ في الأصلِ بِلا رائحةٍ، ولا طَعْمٍ. أَلَمْ تسمَعْ بأحدِهِمْ يقولُ لآَخَرَ: "لا لونَ لكَ، ولا طَعْمَ، ولا رائحةَ.!.". هذا يعني أَنَّهُ إِمَّعَةٌ، أوْ مُخاتِلٌ، أوْ مُزَيَّفٌ، أو مُخادِعٌ، أوْ خبيثٌ؛ فهَلْ يُعْقَلُ أَنْ تكونَ جميعُ هذهِ الصِّفاتِ تتمثَّلُ في الماءِ.!. الماءُ الَّذي بِهِ نغتسِلُ مِنْ أوساخِنا، ونتطهَّرُ منْ رِجْسِ هذا العالَمِ المُتَّسِخِ حتَّى القَرَفِ.؟. هَلْ يُعْقَلُ أَنْ يكونَ الماءُ الَّذي بِهِ نستحِمُّ كذلكَ، سَواءٌ في بحرٍ، أوْ نهرٍ، أو ساقيةٍ، أو بُحيرةٍ.؟.
لا.!. لا يُعْقَلُ أَنْ يكونَ الماءُ بِلا طَعْمٍ، ولا لونٍ، ولا رائحةٍ، إِنَّ لِلماءِ طعماً ولوناً ورائحةً، أنا شخصيّاً أشعرُ بِطَعْمِهِ بدرجةٍ عاليةٍ مِنَ الحساسيَّةِ.!. وأرَى لونَهُ جيِّداً، أزرقَ، أوْ لازوردِيّاً، أوْ رَمادِيّاً، أوْ بُنِّيّاً، أوْ أخضرَ، صيفاً، خريفاً، شتاءً، وربيعاً.
ليسَ لِلماءِ لونٌ واحدٌ، بلْ عدَّةُ ألوانٍ لا يُمْكِنُ حصرُها، هوَ يأخذُ لونَ ما تُريدُ، هلْ تنسَى أنَّهُ عاكسٌ مِثالِيٌّ لكلِّ ما يُحيطُ بِهِ، إِنَّهُ وَفِيٌّ لكلِّ ما حولَهُ، أُنْظُرْ إلى لوحاتِ عباقرةِ الفنِّ الَّذينَ رسمُوا الطَّبيعةَ، أَلَمْ تَرَ كيفَ أَنَّ الماءَ يعكِسُ ما فوقَهُ، أوْ بِجانِبِهِ، أو مُوازِياً لهُ بشكلٍ رائعٍ ومُبْهِرٍ، وأَنَّ الانعكاسَ هذا قدْ يرفعُ درجةَ إِتقانِ الفنَّانِ لِلَوْحَتِهِ في المشهدِ الطَّبيعيِّ، ويُعطيها قيمتَها الحقيقيَّةَ، مِنْ حساسيَّةِ الفنَّانِ لهذا الانعكاسِ المُرْهَفِ الَّذي يجعلُ مِنَ الماءِ الحاضِنَ الأُمَّ لكلِّ ما في هذا الكَوْنِ.؟.
هلْ نَسِيْتَ أنَّكَ جِئْتَ مِنْ بُحيرةٍ صغيرةٍ جدّاً، غمرَتْكَ بحنانٍ وحبٍّ، وأنتَ جنينٌ في رَحِمِ أُمِّكَ.؟.
هلْ نَسِيْتَ أَنَّ التَّراشُقَ بِالماءِ طقسٌ جميلٌ عندَ الكثيرِ مِنْ شُعوبِ الدُّنيا، يستمتعُونَ على مدَى ساعاتٍ، كِباراً وصِغاراً بألعابٍ مائيَّةٍ يتراشقونَ بِها، مترافِقاً ذلكَ بأصواتٍ وصُراخٍ وانبساطٍ وبهجةٍ؛ فينتعشُ الجميعُ.؟؛ وينتهِي الَّلعِبُ بالماءِ حينَ تفرغُ الرُّوحُ مِنْ أدرانِها، تلكَ الَّتي عَلِقَتْ بِها مِنْ ينابيعِ الشَّرِّ والفسادِ والخرابِ الَّتي أرهقَتْنا جميعاً.؟.
هَلْ هناكَ شعورٌ أجملُ مِنْ أَنْ تُلقِيَ بجسمِكَ المُنْهَكِ في فِراشِ مائيٍّ، يُهَدْهِدُكُ حتَّى كأنَّهُ يمتصُّ منكَ كلَّ مراراتِكَ، وأوجاعَكَ وهمومَكَ، فتغدُو حُرّاً طليقاً، ولو لِوَقْتٍ قصيرٍ.؟.
وَلَكِنْ.!. إيَّاكَ والعبثَ معَ الماءِ.!. إِيَّاكَ والاستهتارَ بِهِ.!. لأنَّهُ لا يعرفُ مُزاحاً حينَ الجِدُّ.!.
هَلْ رأيْتَ منظرَ البحرِ الهائجِ، حينَ تكنسُ أمواجَهُ الرِّياحُ، وتجلدُها بسياطِها الغاضبةِ، أَلَمْ تَرَ الموجَ وهُوَ يفِرُّ أمامَ عجلاتِ العاصفةِ.؟. أيُّ قوَّةٍ في الدُّنيا يُمكِنُ لها أَنْ تأمرَهُ بالسَّكينةِ والهدوءِ، إِلاَّ أَنْ يأخذَ حقَّهُ مِنَّا جميعاً.!. هُوَ لا يعرفُ المُزاحَ، ولا العَبَثَ ولا الاستهتارَ. عليكَ أَنْ تحترِمَ الماءَ، وإِلاَّ.!!!!!.
أنتَ مِنَ الماءِ جئْتَ، وما تُرابُكَ إِلاَّ بِدْعَةً، طينُكَ جافٌّ خاوٍ مُتَشَقِّقٌ فارغٌ، لولا الماءُ.!. أنتَ كُلُّكَ ماءٌ، فانتبِهْ إِلى أَلاَّ تَجِفَّ. إِنتبِهْ إلى أَلاَّ تفقدَ الماءَ الَّذي فيكَ.!.
مطرٌ خفيفٌ يَبَلُّ قامتِي، وأنا أمشِي وحِيداً تحتَ سَحابةٍ خَريفيَّةٍ وحيدةٍ.
أقفُ مُقابِلَ البحرِ. تخرجُ مِنْ صدرِي رسالةٌ لا أعرفُ ما تعنيهِ. لكنَّنِي أشعرُ بِها تقولُ لَهُ: أُحِبُّكَ أيُّها البحرُ.!. شكراً لأَنَّكَ عمَّدْتَنِي ذاتَ يومٍ في مائِكَ. أنا الآنَ أكثرُ تناسُقاً مع السَّماءِ، والهواءِ، والنَّاسِ.
إِلــى لقـــاءٍ.!.
.............................
اللاذقية في 13/11/2010.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حبيبتي

18-تموز-2015

(اِنْتِصَارُ البَرْدِ على النَّهارِ)

18-كانون الأول-2011

الَّلاذِقِيَّــــةُ ... هَلْ تَعُودُ.؟.

05-تشرين الثاني-2011

اللقــاءُ الأخيــرُ.

26-تشرين الأول-2011

البيضة الأقوى.!.

18-تشرين الأول-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow