قِيامــةُ المطـَـرِ.!.
خاص ألف
2010-12-13
منذُ ليلةِ البارحةِ، والرِّيحُ تسوطُ اللاذقيَّةَ، صَفَعَتْها، جَلَدَتْها، ولا تزالَ.!.
طرقَتْ الريحُ كلَّ الأبوابِ، والجدرانِ والنَّوافذِ، صالَتْ وجالَتْ في شوارعِها وأزقَّتِها وحاراتِها، كنسَتْ ما طابَ لها مِنْ عُهْرِنا ومساوِئِنا، لكي يأتيَ المطرُ، فرشَتْ لهُ الطَّريقَ، والغيومُ أمسكَتْ بزِمامِ السَّماءِ، طردَتْ شمسَ النَّهارِ، واستبدَّتْ بالهواءِ؛ مَطَرٌ ... مَطَرٌ ... مَطَرٌ...!. يا لَلسيَّابِ.!.
عزفَتْ بُروقُ الليلةِ نشيدَها الوطنيَّ على إيقاعِ طُبولِ الرَّعدِ؛ حشرَ الشِّتاءُ النَّاسَ في بيوتِهِمْ، نامُوا باكراً، واستفاقُوا على ذاتِ النَّشيدِ؛ هذا السَّبتُ ثائِرٌ، وهذا النَّهارُ مُتَمَرِّدٌ، غضبٌ يهروِلُ في المكانِ، كفَى ما استبدَّتْ شمسُنا، كمْ أرهقَتْنا، ونحنُ ندفعُ كلَّ ثانيةٍ ضريبةَ صيفٍ مُتسلِّطٍ غاصِبٍ، يمتدُّ منْ أيَّارَ إلى كانونَ الأوَّلِ، منْ عامِ ألفَيْنِ وعَشَرَةٍ.
وأخيراً تستحمُّ اللاذقيَّةُ بالمطرِ، إِنِّي أرَى نهدَيْها الطَّافحَيْنِ بعسَلِ الغيابِ، وساقَيْها المنفرجتَيْنِ غَرْباً وجَنوباً، وخَصْرَها المُمْتَدَّ على طولِ الشَّاطئِ، أمَّا شعرُها، فقدْ فردَتْ خصلاتِهِ على امتدادِ الطُّرُقاتِ الَّتي تذهبُ باتِّجاهِ الرِّيف، صُعوداً إلى قِمَمِ الجبالِ.
لم تأخذْ حمَّاماً كهذا منذُ زَمَنٍ؛ لذلكَ أرخَتْ جسدَها لأنغامِ المطرِ، وزخَّاتِهِ، لعلَّها تستريحُ مِمَّا اعتراها مِنْ أوساخِ صيفٍ طويلٍ ثقيلٍ.!.
يرينُ الصَّمتُ في النُّفوسِ والأفواهِ، وحدَهُ المطرُ يتكلَّمُ، إِنَّني أسمعُهُ جيِّداً، أُصغِي إليهِ، يَخْفُتُ، يستجمِعُ قواهُ مِنْ جديدٍ، ويعودُ ليضربَ الأرضَ بقوَّةِ الماءِ الحبيسِ؛ منذُ أَنْ قَرَّرَ الكِبارُ في هذا العالمِ أَنْ يتلاعبُوا بالطَّبيعةِ على هَواهُمْ.!.
ما الَّذي حدثَ.؟. هل ظنَّ هؤلاءِ الأغبياءُ أنَّ الطَّبيعةَ كائنٌ غبيٌّ لا يفهمُ.؟.
هل ظنُّوا أَنَّ الطَّبيعةَ كائِنٌ غيرُ عاقلٍ.؟. وإذا كانَتْ تغيَّرَتْ، وباتُوا يُكيلُونَ لها الاتِّهاماتِ الفارغةَ، فَمَنِ السَّبَبُ.؟. طَوْراً تثورُ، وطَوْراً تخمدُ، تارةً تغضبُ، وأُخرَى تسكُنُ.!. لماذا.؟. أَوَعتقدُوا أَنَّها لا تعرفُ أَنْ تردَّ.؟. وأينَ، ومتَى، وكيفَ.؟.
هذا هوَ العالمُ يقدِّمُ في كلِّ يومٍ، وفي كلِّ فَصْلٍ، وفي كلِّ عامٍ، حلقةً جديدةً مِنْ فُصولِ مسلسلٍ لا ينتهي مِنَ الإِجرامِ بحقِّ الأرضِ، هذا الكوكبُ الرَّائعُ الجميلُ.!.
خرَّبتُمُوهُ أيُّها السَّفَلَةُ، سفكْتُمْ دَمَهُ أيُّها المجرمونَ، ذبحتُمُوهُ مِنَ الوريدِ إلى الوريدِ.!.
ماذا أبقيتُمْ لِلإنسانِ.؟. أيِّ إنسانٍ في هذا الكوكبِ، كي يعيشَ بسلامٍ.؟.
لا شيءَ.!. لا شيءَ.!. إلاَّ المزيدَ مِنْ غضبِ الطَّبيعةِ، وانتقامِها السَّاحقِ مِنَّا جميعاً.!.
طَمَعُكُمُ الَّذي لا حدودَ لَهُ، شَرَهُكُمْ الطَّاغي، عُهْرُكُمُ الفاجِرُ.!. ماذا فعلَتْ لكُمُ الأرضَ كي تستبيحُوا جنَّاتِها، غاباتِها، جبالَها، أنهارَها، بُحيراتِها، ينابيعَها، أشجارَها، نباتاتِها.؟؛ ماذا أبقيتُمْ مِنْ جمالِها الفاتِنِ.؟، ولماذا اقتَصَصْتُمْ مِنْها هذا القِصاصَ اللَّئيمَ، وهِيَ الَّتي منحَتْكُمْ كلَّ ما تملِكُ مِنْ جمالٍ وخيرٍ، لِتنعمُوا فيها إلى أبدِ الآبدينَ.؟.
أعودُ إلى المطرِ، لأقولَ لَهُ، صدِّقْنِي أيُّها البارُّ الطيِّبُ الكريمُ، المُشكلةُ ليسَتْ فيكَ، سواءٌ هطلْتَ أمْ لمْ تهطِلْ.! المُصيبةُ والمُشكلةُ فينا نحنُ البَشَرَ، لمْ نعُدْ نشبَعُ، لمْ نعُدْ نرضَى، لمْ نعُدْ نكتفِي، إِنَّ الحيوانَ الجائعَ يأكلُ مِنْ فريستِهِ حاجتَهُ، ويتركُ ما تبقَّى مِنْها لِغيرِه، أمَّا نحنُ، فنأكلُ، ونُخَزِّنُ ما تبقَّى لأنفُسِنا، بينَما يموتُ الملايينُ جُوعاً في هذا العالمِ الرَّديءِ؛ إِنَّنا جَشِعُونَ، أنانيُّونَ، مُجرمُونَ.!.
أعذرُكَ إِذا أطلْتَ الغِيابَ، وأعذرُكَ إِذا لمْ تهطِلْ، وأحترمُ إِرادتَكَ السَّمْحَةَ في سِقايةِ الأرضِ الَّتي انتُهِكَتْ، وسُفِحَتْ، وذُبِحَتْ.!.
لذلكَ كُلِّهِ، أشكرُكَ أيُّها المطرُ الطيِّبُ، لأنَّكَ نبيلٌ، وعفيفٌ، ومُتسامِحٌ إلى حدٍّ عظيمٍ.
واللهِ، إِنَّنا لا نستحقُّكَ، ولكنَّكَ أكبرُ مِنَّا جميعاً، أنا شخصياً، كنْتُ أنتظرُكَ على أحرَّ منَ الجَمْرِ، وهناكَ مثلِي كثيرونَ يستحقُّونَكَ، وأنتَ تعرفُهُمْ.
سأُعَزِّي نفسِيَ بفكرةٍ بَلْهاءَ، أنتَ رُبَّما تهطلُ مِنْ أجلِنا نحنُ، أبناءَكَ البارِّينَ.
شُكراً لكَ.!.
.................................
اللاذقية في 12/12/2010.
08-أيار-2021
18-تموز-2015 | |
18-كانون الأول-2011 | |
05-تشرين الثاني-2011 | |
26-تشرين الأول-2011 | |
18-تشرين الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |