آلــةٌ موسيقيَّةٌ واحــدةٌ تكــفي.!.
خاص ألف
2011-01-18
أشقرُ، عيناهُ زرقاوانِ، متوسِّطُ الطُّولِ، هامسُ الكلماتِ، يدخلُ بخفَّيِّ أرنبٍ، يكادُ لا يلمَسُ الأرضَ، كأنَّهُ هبطَ مِنَ السَّماءِ إلينا، نحنُ – طلاَّبَ الصفِّ السَّابعِ – في إحدى ثانويَّاتِ اللاذقيَّةِ، في أواخرِ ستِّيناتِ القرنِ المنصرمِ منَ الألفيَّةِ السَّالفةِ.!.
يُجيدُ العَزْفَ على قلوبِنا أكثرَ مِنْ إجادتِهِ العزفَ على جملةٍ مِنَ الآلاتِ الموسيقيَّةِ الَّتي كانَ يُحْضِرُ في كل درسِ موسيقا إحداها إلى الصفِّ، وبعدَ أنْ ينتهيَ مِنْ درسِ الجانبِ النَّظريِّ: (الصُّولفيجِ، والعلاماتِ الموسيقيَّةِ وسواها.)؛ يُخصِّصُ أكثرَ مِنْ نصفِ الدَّرسِ ليعزفَ لنا لحناً مِنْ أحدِ المَقاماتِ العربيَّةِ الجميلةِ: (سيكا – نَهاوَنْد – عَجَمْ – حِجاز – رَسْت...)، فنَنْعَمُ بحصَّةٍ تُزيلُ كَرَبَ الفيزياءِ، وقنوطَ الرِّياضيَّاتِ، وكَلْكَلَ اللغةِ العربيَّةِ عَنْ كواهلِنا، ونخرجُ مِنْ درسِهِ محبورينَ مُنْطَربينَ.!.
يتجوَّلُ بعينَيْهِ على استحياءٍ، لا يُرَكِّزُ نظرَهُ أبداً لحظةً واحدةً في اتِّجاهٍ واحدٍ، إلاَّ أنَّهُ بينَ الفينةِ والأُخرَى كانَ يرمي سهامَ عينَيْهِ خَطْفاً وبتركيزٍٍ - خافِضاً جبينَهُ قليلاً - على أحدِ الطَّلبةِ، كنْتُ واحداً مِنْهُم.!. عندَ اختبارِ الأصواتِ وترديدِ الأناشيدِ والأغانِي الَّتي علَّمَنا إيَّاها على مدَى الفصلِ الدَّرسِيِّ الأوَّلِ، كنْتُ مِنَ الَّذينَ اختارَهُمْ وزميلاً آخرَ لِيَ في الصفِّ، لنُغنِّيَ منفرِدَيْنِ أو معاً ما حفظنَاهُ: (أناشيدَ وطنيَّةً – أغانيَ قديمةً – قصائدَ – مُوَشَّحاتٍ – قدودَ حلبيَّةً.)؛ فصِرْتُ عندَهُ مِنَ الطلاَّبِ المتميِّزينَ، وأحاطَني برعايتِهِ وعنايتِهِ، وشاركْتُ في العديدِ مِنَ الحفلاتِ على مستوى المدرسةِ أو مدارسِ اللاذقيَّةِ في مُناسباتٍ وطنيَّةٍ أو قوميَّةٍ، أُغَنِّي أمامَ الجُمهورِ المُحتَشِدِ، بحضورِ المُحافظِ وأمينِ الفرعِ، ومدير التَّربيةِ ومسؤولِي المُحافظةِ.
وكانَ يتلقَّى مِنَ الجميعِ شهاداتِ الامتيازِ والشُّكرِ والامتنانِ على ما بذلَهُ مِنْ جُهْدٍ في إنجاحِ الحَفْلِ، وكنْتُ وزميلي في ذلك الزَّمنِ مِنْ أكثرِ الأصواتِ المعروفةِ في المدينةِ بجمالِها وقوَّتِها، والمُبَشِّرةِ بمستقبلٍ باهرٍ لها.!.
آلــةٌ موسيقيَّةٌ واحِــدةٌ تكــفِي.!.
لمْ أكنْ أملِكُ آلةً موسيقيَّةً واحِدةً، وكنْتُ أحلُمُ بأَنْ أعزِفَ على "الميلوديكا" أو "العُودِ" أوِ "الكَمانِ" أوِ "الأَكُّورديون."؛ لكنَّني لمْ أستطعْ أَنْ أمتلكَ واحدةً منها، فوضْعُ أبي، ودَخْلُهُ المحدودُ، وهوَ المُعيلُ الرَّئيسُ والوحيدُ للأُسرةِ، لمْ يكُنْ يسمحُ بشراءِ آلةٍ أعزفُ عليها.
الفرصةُ الوحيدةُ الغاليةُ الَّتي أَمْكَنَنِي الحُلُمُ بها، ما وَعَدَنا بِهِ مُعَلَّمُ المُوسيقا: (المتفوِّقونَ ستتِمُّ إعارتُهُمْ آلةً موسيقيَّةً لمُدَّةِ أسبوعٍ بالتَّناوبِ، ليعزِفُوا عليها في بيوتِهِمْ.!!!.).
فرصةٌ غاليةُ وثمينةٌ كنْتُ مستعدَّاً لِعَمَلِ أيِّ شيءٍ لِتحقيقِها.!.
حضَرَتِ الفرصةُ إِلَّي على طَبَقٍ مِنْ ذَهَبٍ، عندَما أخبرَني زميلٌ ليَ في الصفِّ، كنْتُ أحبُّهُ كثيراً، وأقضي أغلبَ الوقتِ في الباحةِ معهُ، نتحادثُ ونلعبُ؛ أخبرَني بأنَّ أستاذَ المُوسيقا – هذا الإنسانُ الرَّائعُ -، يدعُونِي وإيَّاهُ إلى بيتِهِ، ليأخذَ كلٌّ مِنَّا آلةً موسيقيةً يعزِفُ عليها؛ لمْ أُصَدِّقْ، طِرْتُ مِنَ الفَرَحِ.
كانَ يومَ جمعةٍ، اقتربَ الفصلَ الدَّرْسِيُّ الثَّاني مِنْ نهايتِهِ، التقيْتُ بزميلي، وتوجَّهنَا معاً إلى بيتِ المعلِّمِ الَّذي يقعُ في أحدِ أحياءِ اللاذقية القديمةِ المعروفةِ.!.
كنْتُ أحثُّ الخُطا، وأحلُمُ باللحظةِ الَّتي سيُسَلِّمُني فيها الآلةَ، وكَمْ سيكونُ فرحِي عارِماً حينَ أدخلُ إلى البيتِ، والآلةُ في يدِي، وأُرِيها لأُمِّيَ وأَخَواتِيَ، وكُمْ سَيُسْرَرْنَ بِرؤيتِي وأنا أعزِفُ لهُنَّ بعضَ المقاطعِ الَّتي تدرَّبْنا عليها في المدرسةِ.!.
وصلْنَا إلى البيتِ القديمِ، نافذتانِ كبيرتانِ تُطِلاَّنِ على الزُّقاقِ المُتَفَرِّعِ مِنَ الشَّارعِ الرَّئيسِ، يتوسَّطُهُما بابٌ خشبيٌّ، دَقَّ زميلي على البابِ بالكَفِّ الحديديَّةِ المُثَبَّتتةِ على دَرْفَةِ البابِ اليُمنَى، فُتِحَ البابُ بعدَ ثَوَانٍ. دخلْنَا، فإذا المعلِّمُ يرتدِي بيجامتَهُ مُرَتَّباً، يستقبلُنا بحَفاوةٍ وتَرحابٍ فائقَيْنِ.!.
صالونٌ كبيرٌ مُعْتِمُ لا مِصباحَ مُضَاءً فيهِ، إلى اليمينِ بابُ غرفةٍ مُغْلَقٌ، وإلى اليسارِ دعانا إلى غرفةٍ صغيرةٍ تهبِطُ إليها بدَرْجَتَيْنِ، جلَسْتُ على كَنَبَةٍ كانَتْ في مُواجهةِ الصَّالونِ، وجلسَ زميلي على كَنَبَةٍ مُقابلةٍ قُربَ بابِ الغُرفةِ.
رانَ الصَّمتُ، ونحنُ في حضرةِ معلِّمِنا الطيِّبِ الجميلِ، "معلِّمِ المُوسيقا"، قامَ وذهبَ باتِّجاهِ الصَّالونِ، غابَ قليلاً، ثمَّ عادَ، وفي يدَيْهِ ثلاثةُ كؤوسٍ صغيرةٍ، وزُجاجةٌ يلمعُ فيها سائِلٌ أصفرُ؛ فتحَ القِنِّينةَ، وصَبَّ لِيَ ولزميليَ ولنفسِهِ، وقالَ: " تفضَّلُو، دُوقُو ما أطيَبُو، هادا شراب الموز.". كانَ السَّائلُ لَزِجاً، لمْ أرَ مثلَهُ في حياتِي.!.
شربَ زميلي، وشرِبَ المعلِّمُ جالساً قربَهُ، لمْ أمُدَّ يدِي إلى كأسِي، نظرَ إليَّ بعينَيْهِ الزَّرقاوَيْنِ، وبابتسامةٍ مكتومةٍ طلبَ منِّي أَنْ أشربَ، أخذْتُ الكأسَ، ورشَفْتُ منْهُ قليلاً، أعجبَنِي طَعْمُهُ اللذيذُ، بعدَ دقيقتَيْنِ، انتهَى مِنَ الكأسٍ الأُولَى هُوَ وزميلِي؛ فَصَبَّ ثانيةً في كأسَيْهِما؛ كنْتُ أنتظرُ أَنْ يقومَ على الفَوْرِ، بعدَ أَنْ قامَ بواجبٍ الضِّيافةِ، ويُحْضِرَ لنا الآلتَيْنِ الموسيقيَّتَيْنِ، لِنأخذَهُما ونذهبَ؛ لكنَّهُ لمْ يفعلْ، سَأَلَنا عنِ الدَّرْسِ، وقُرْبِ موعدِ الامتحاناتِ الأخيرةِ، واستعدادِنا لها، تحدَّثْنا في الأمرِ، ثمَّ قالَ لي: اِنتظرْ قليلاً، واشربْ، سنأتي بعدَ قليلٍ، كي نُحضِرَ الآلاتِ، أخذَ زميليَ معَهُ، دخلا معاً إلى الغُرفةِ المُقابلةِ لي، كنْتُ أرَى طَرَفَها مِنْ زاويةِ البابِ المُفْضِي إلى الصَّالونِ مِنْ حيثُ كنْتُ جالِساً.
اِنتظرْتُ، وبدأَ التَّشوُّقُ والإِثارةُ تأخذانِ مَأْخَذَهُمَا مِنْ نفسِي، وأنا متحرِّقٌ لرُؤيةِ الآلاتِ، بدَأْتُ بهَزِّ رُكْبَتَيَّ وقدمَيَّ بحركةٍ لاشعوريَّةٍ، كعادتِي عندَما أكونُ مُثارا أو مضطرباًً؛ مضَتْ أكثرُ مِنْ خَمْسِ دقائقَ، لمْ يعودَا، صَمْتٌ مُطْبِقٌ يسودُ في البيتِ الكبيرِ، لا يكسرُهُ إلاَّ صوتٌ مُتَقَطِّعٌ مِنْ أولادٍ يلعبُونَ في الخارجِ، أوْ نِداءٌ مِنْ جارةٍ لِجارتِها في أحدِ البيوتِ المٌجاورةِ.
تأمَّلْتُ ما حولِيَ جيِّداً، عُدْتُ إلى الوراءِ قليلاً، وبحِسٍّ فِطْرِيٍّ رأيْتُ نفسِيَ أتساءَلُ:
كيفَ عرفَ زميلِي بيتَ المعلِّمِ.؟.
إِذَنْ، هُوَ يعرفُهُ مِنْ قَبْلُ.!.
إِذَنْ، هُوَ جاءَ إلى هذا البيتِ مِنْ قَبْلُ.!.
يا إِلَهي، كيفَ لَمْ أنتَبِهْ إلى ذلكَ.؟.
سَرعانَ ما أدرَكْتُ أَنَّ شَغَفِيَ بالآلةِ المُوسيقيَّةِ أفقدَنِي صوابِيَ، فلمْ أنتبِهْ إلى ذلكَ.
لماذا لمْ يُسَلِّمْنَا الآلاتِ في المدرسةِ.؟. لمْ يتوقَّفِ الدَّوامُ بَعْدُ.!؟.
وبدأَ سَيْلُ الأسئلةِ يجتاحُني، وكلَّما تقدَّمْتُ خطوةً فيهِ، غرقْتُ في شُعورٍ مُبْهَمٍ غامضٍ بالخوفِ.!.
أينَ ذَهَبَا.؟. ولماذا لمْ يعودَا بَعْدُ.؟. لقدْ تأخَّرا كثيراً.؟. أينَ الآلاتُ الموسيقيَّةُ.؟.
وقفْتُ، اِستجمَعْتُ شتاتَ رُوحِيَ الَّتي تبعثرَتْ في أركانِ المكانِ، شقَّتْ حِزْمَةٌ مِنْ نورِ الشَّمسِ الغرفةَ الواطِئةَ الهامدةَ، وتكسَّرَتْ على دَرْجَتَيْهَا؛ صعَدْتُ على رُؤوسِ أصابعِي، واقتربْتُ مِنْ بابِ الغرفةِ المُغلقةِ، نظرْتُ مِنْ ثُقْبِ المِفتاحِ، سمعْتُ تأَوُّهاً، وصريرَ السَّريرِ، يمتزجانِ في لَحْنٍ جنائزيٍّ مُنْتَظَمٍ لا يُوصَفُ، كانَ المعلِّمً فوقَ زميليَ، نصفُهُ الأسفلُ عارٍ، يعلُو وَسَطُهُ ويهبِطُ؛ صُعِقْتُ، وشَهَقْتُ، فكَتَمْتُ على الفورِ صوتِيَ، أصابَنِي رُعْبٌ، تسارَعَتْ دقَّاتُ قلبِي، وأحسَسْتُ بِهِ يكادُ يخترقُ صدرِي.!!.
تقدَّمْتُ مِنْ بابِ البيتِ على مَهَلٍ، فَتَحْتُهُ، وخرجْتُ، صفَعَتْنِي الشَّمسُ بسِياطٍ مِنْ لَهَبٍ، عَشِيَتْ عَيْنَايَ، وضعْتُ كَفِّيَ فوقَ حاجِبيَّ، ومشَيْتُ لا أعرفُ أينَ أنا، وماذا أفعلُ.!.
كالتَّائهِ وصلْتُ إلى بيتِنا، فتحَتْ لِيَ البابَ أمِّي، ولحظةَ رأيْتُها، ارتمَيْتُ بينَ يَدَيْهَا مُتَهالِكاً، أمسكَتْ بِيَ، رفَعَتْنِي، وساقَتْنِي إلى السَّريرِ، وهِيَ تُولوِلُ، وتدعُو اللهَ: "شِبَكْ يا إبنِي، يا الياسْ شِبَكْ، عْيُونْ أمَّكْ.؟.". لمْ أُجِبْ بكلمةٍ، وانفجرَتْ ينابيعُ الدُّموعِ ساخنَةً من عينَيَّ اللتَيْنِ دَفَنْتُهُما في مخدَّةِ السِّريرِ.
ذهبَتْ أُمِّي مُلتاعَةً مُرَوَّعَةً، أحضرَتْ لِيَ كأسَ ماءٍ، سقَتْنِي، وهِيَ تَرْبُتُ على رأسِيَ، وترجُونِيَ أَنْ أقولَ لها ما حدثَ؛ هدأْتُ قليلاً، ثمَّ استرخَيْتُ، عُدْتُ إلى رُشْدِي، وقلْتُ لأُمِّي: "ما في شِي، تزاعَلْت أنا ورفيقي. نعمْ، زعِلِتْ منُّو كتير.؟" سألَتْنِي عنِ السَّببِ، وهلْ في الأمر ما يستأهلُ كلَّ هذا الحزنِ والبُكاءِ، لمْ تصدِّقْنِي؛ وعادَتْ ترجُونِي مِنْ جديدٍ أَنْ أقولَ لها شيئاً يُبَرِّدُ قلبَها الَّذي انفطرَ لرؤيتِي في هذه الحالِ.
لمْ أُجِبْهَا، ونِمْتُ، نِمْتُ وأنا خائرُ القِوى، خَطَفَنِي ملاكُ النَّومِ بِتُؤَدَةٍ، لعلَّهُ يُنقذُنِي ويطردُ مِنْ نفسِي وذاكرتِي ذلكَ المشهدَ الرَّهيبَ.!.
عندَما أَفَقْتُ، فكَّرْتُ مَلِيَّاً في الأمرِ، فكَّرْتُ أَنْ أرويَ لأُمِّيَ ما حدثَ، وأذهبُ وإيَّاها إلى مخفرِ الشَّرِطَةِ، لنُبْلِغَهُمْ عمَّا حدثَ. لكنَّني سرعانَ ما تراجَعْتُ، فماذا لوْ لَمْ يُصَدِّقُوني، واحتجزُوني، وألقَوِا القبضَ على المعلِّمِ وزميلِي، وحقَّقُوا معهُمُا، و...و...؛ ثمَّ كيفَ سيكونُ موقفُ زميلي الَّذي أُحِبُّ منِّي عندَما أكونُ السَّببَ في فَضْحِ أمرِهِ أمامَ أهلِهِ والنَّاسِ، تُرَى هل سيُسامِحُنِي.؟.
تُهْتُ في لُجَّةِ الأسئلةِ مِنْ جديدٍ، ثمَّ تبخَّرَ كلُّ شيءٍ، حضرَ شيطانُ الصَّمْتِ، وغلَّفَ فَمِيَ، وكَبَّلَ لِسانِيَ. لمْ أعُدْ قادِراً على العَزْفِ. لا أُريدُ آلةً موسيقيَّةً مِنْ أحدٍ. لا أريدُ أَنْ أرى زميليَ، كيفَ سأذهبُ إلى المدرسةِ في اليومِ التَّالِي.؟.
لمْ أقُلْ لأحدٍ حَرْفاً واحِداً عمَّا حصلَ، واكتفَيْتُ بالابتعادِ عَنْهُ، لمْ أعُدْ قادِراً على رؤيتِهِ أوِ اللَّعِبِ معَهُ أو التَّحدُّثِ إليهِ.
اِنتهَى العامُ الدِّراسِيُّ، وجاءَتِ العطلةُ الصَّيفيَّةُ، اِنتقلْتُ بعدُها إلى مدرسةٍ أُخرَى، وفارَقْتُ زميلي إلى الأبدِ.!.
معلِّمُ المُوسيقا، كانَ يسيرُ في المناسباتِ الوطنيَّةِ والقوميَّةِ نافِخاً في البُوقِ على رأسِ رَتْلٍ مِنْ عازفِي الآلاتِ الموسيقيَّةِ النُّحاسيَّةِ مُسْتَعْرِضاً أمامَ الجمهورِ، وهُوَ يجوبُ الشَّوارعَ الرَّئيسةَ في اللاذقيَّةِ كالطَّاووسِ.!.
مضَتِ الأيَّامُ والسِّنُونُ، وَقَعَ في الفَخِّ أخيراً، وعرَفْتُ أَنَّهُ سُجِنَ وشريكاً لَهُ، لُوطِيٌّ آخرُ. قضَى فترةَ السَّجْنِ، ثمَّ خرجَ، عندَما كنْتُ أراهُ في الشَّارعِ صُدْفَةً، كانَ يُطْرِقُ رأسَهُ في الأرضِ، لا يجرُؤُ على النَّظَرِ في عَيْنَيَّ.
تُوُفِّيَ إِثْرَ إصابتِهِ بمرضٍ خبيثٍ في القضيبِ، وعندَما قرأْتُ ورقةَ نَعْيِهِ في زاويةٍ مِنْ أحدِ شوارعِ اللاذقيَّةِ الرَّئيسةِ، قرأْتُ عبارةَ: " بعدَ حياةٍ مليئةٍ بالصَّلاحِ والتَّقوى .... انتقلَ إلى رحمته تعالى... فلان بن فلان ....فلنفسه الرحمة... !!!".
اشترَيْتُ قَلَماً أسودَ عريضاً مِنْ أقربِ مكتبةٍ، وجُبْتُ كُلَّ الشَّوارعِ الَّتي وَجَدْتُ فيها أوراقَ النَّعْيِ، مَحَوْتُ مِنَها هذهِ العبارةَ كاملةً، إنتقمْتُ لِزميلِيَ الَّذي أحبَبْتُهُ، ولا زِلْتُ أحِبُّه، وحزِنْتُ عليهِ كما لمْ أحزَنْ على أحدٍ في حياتِي.!
آَلَــةٌ موسيقيَّةٌ واحــدةٌ تكــفي يا أُمِّــي. تكـفِي يا أبِــي.!!؟
........................................
اللاذقية في 7/1/2011.
08-أيار-2021
18-تموز-2015 | |
18-كانون الأول-2011 | |
05-تشرين الثاني-2011 | |
26-تشرين الأول-2011 | |
18-تشرين الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |