Alef Logo
يوميات
              

مـا قبـلَ النِّهايـةِ.

الياس توفيق حميصي

خاص ألف

2011-02-15

هلْ تعرفينني أيَّتها البهيَّةُ.!. أنا أقفُ عندَ حدودِ الشَّاطئِ الممتدِّ منْ أوَّلِ الشِّريانِ إلى نهايةِ الأزرقِ؛ وحيداً كنورسٍ ضلَّ طريقَه إلى البحرِ، في قلبِ عاصفةٍ هوجاءَ.!.
مرَّتْ بكاملِ رشاقتِها ترشُّ الدَّربَ بالياسمينِ، وفاحَتْ في مساماتِ روحِي، مسكٌ تعمَّدَ بالدَّمِ المتسلِّلِ منْ أصابعِ الشَّمسِ الهاربةِ.!.
هلْ هذي هيَ.؟. تلكَ الصَّبيَّةُ الَّتي توحَّدَ في عينَيْها وهجُ الإلهِ، وظلامُ الحكايةِ، أمْ إنَّها رجعَتْ إلى مغارةِ الفرحِ المخبَّئِ في جرارِ الماضي.؟.
مسكونةً بالرَّغبةِ الأولى، نحَّتْ جانباً مِنْ صخرةِ الوجعِ المقيمِ فوقَ شلاَّلِ الضُّلوعِ، وانهمرَتْ على رملِ الشَّواطئِ كالمجنونةِ، تبكي حنيناً صاخباً يجتاحُ أروقةَ الدُّهورِ.!.
لمْ تحتسِ جرعةً منْ حليبِ الشَّمسِ، ولمْ تلبسْ غناءَ طفولتِها الباقيةِ في دنانِ الكبرياءِ المقتولِ عندَ سفوحِ جبالٍ تتأوَّهُ منْ غسقِ القتلِ المعتَّقِ في حناياها، تقدَّمَتْ منْ حنينِها، وأمسكَتْ بطرَفِ غصنٍ تدلَّى منهُ زرُّ أملٍ يناديها؛ رجعَتْ خطوتَيْنِ إلى الوراءِ، كي تتيحَ للصِّغارِ الوافدينَ إلى عصيرِ البيلسانِ، وصرخَتْ منْ غورِ ذاكرةٍ يغلَّفُها الضَّبابُ: إنِّي هنا.!.
جحافلُ الزَّمنِ المريرِ تنصَّلَتْ منْ زهرةٍ نُصِبَتْ على عودٍ في محيطِ الصَّحارى دليلاً إليها، وهيَ تنصتُ لإيقاعِ الرُّوحِ المحصَّنِ بالغناءِ.!.
يا صبيَّةُ، لا تنزلي إلى وجعِي، فقدْ بتُّ هائِماً منذُ عقودٍ بينَ الغمائمِ الَّتي نُهِبَتْ على مرأَىً منَ الغِيلانِ، تحصدُ ما تبقَّى منْ رحيقِ الموتِ في هذه الدُّنيا، رهينةٌ أنتِ بينَ موتي وموتي، أنا الباحثُ عنْ لقمةِ صدقٍ في هذا الخرابِ.!.
عبرَتْ شريطَ الدَّمعِ والدَّمِ المتورِّدِ في وجناتِها، أسرجَتْ خيلاً بلونِ الحلمِ، تناولَتْ حبَّةً منْ بقايا حنطةٍ تُحتَضَرُ، ركبَتْ على حزنِي، وأشارَتْ للسَّحابِ أنْ يسرقَ ما تبقَّى منْ سراجِ القمرِ.!.
عندَما همَّتْ بالهبوبِ، نهضَتْ جبالٌ منْ غضبِ الأنقياءِ إلى ملعبِ السَّماءِ، قطفَتْ عناقيدَ لمْ يمسَسْها سوءُ الضَّمائرِ المنتفخةِ بالرَّمادِ، لبسَتْ آخرَ ما تأخَّرَ منْ ندائِي، ورحلَتْ قبلَ الَّليلُ يُضرِمُ الأسودَ في قلبِ العراءِ.!.
غمسَ الصَّمتُ ريشَهُ في نارِ المحالِ، مرَّ على أسرَّةِ الأطفالِ، تأمَّلَ ما تركَتْهُ أيَّامُهُمْ منْ عهرِها، علاماتٍ مرقَّمةً يشغلُها الأغبياءُ.!.
أيَّتها الصَّبيَّةُ.!. اِنتظريني، لمْ تلتفِتْ إليَّ، لمْ تسمعْنِي، لمْ تُعِرْني انتباهاً، فتأكَّدْتُ أنَّها غرقَتْ في قلبِي كما أشتهي، تلكَ الَّتي أحبُّها حتَّى يفيقَ الزَّمنُ منْ سُباتِ الأشقياءِ.!.
تلكُمُ الأرحامُ لمْ تعدْ تصبرُ على حكمِ الطُّغاةِ، والأجنَّةُ شكَّلَتْ فريقاً يأخذُ شكلَ نَسْرٍ أسطوريٍّ عظيمٍ.!.
عادَتْ فتاتي منْ بستانِ خيبتِي، وأينعَتْ فيَّ منْ جديدٍ ربيعاً أخضرَ، ضمَمْتُها بحرقةِ روحِي، وشكوْتُ لها ضعفِيَ ومرارتِي في اقتلاعِ الوقتِ منْ عمرِي.!. نسِيْتُ أنْ أقرأَ على مسامعِها بعضَ أشعارِي، فاستنفَرَتْ كملاكٍ جميلٍ، رَبَتَتْ على كتفِي، أخذَتْ بيدِي، وساقَتْني إلى حيثُ يرسمُ الَّلونُ تفاصيلَ الخلاصِ الأتي.!.
قلْتُ: أموتُ، لمْ يعدْ منْ فرصةٍ لأقضيَ بينَ أحضانِها مرَّةً أخرى كما أشتهي، لكنَّها انتبهَتْ إلى عاصفةِ حزنِي، وأمرَتْني أنْ أشربَ منْ كأسِها، لأثوبَ إلى رشدِي، فشرِبْتُ.!.
عادَتْ إلى مشارفِها، هناكَ في الأفقِ البعيدِ القريبِ، بثوبِها الفضفاضِ المُلامسِ للشُّروقِ، اِبتسمَتْ لي، سامحَتْني على ضعفِي واعتيادِي المُضِيَّ في أشراكِ الهواجسِ والغروبِ نحوَ حتفِي.!.
اِنحنَيْتُ لها، قبَّلْتُ ظِلاًّ دافئاً عندَ قدمَيْها، ونظرَتُ ناحيةَ الشَّمسِ، فرأيْتُها تبكي، عرفْتُ أنَّ الحينَ يخلعُ أسمالَهُ، وأنَّ المصيرَ يجمعُ أوساخُهُ، كي يُفْلِتَ منْ نرجسِ العقابِ.!.
مرَّ عصفورٌ، زقزقَ كمَنْ يُحَيِّينِي، ردَدْتُ التَّحيَّةَ دمعةً، ركبْتُ على أوَّلِ حلمٍ، وقصدْتُ بيتَ أمِّيَ الأخيرَ، قبَّلْتُ حِجارتَهُ، ورجَوْتُها أنْ تستمرَّ في الدُّعاءِ لِي، لأنَّني أخشى على أحفادِها أنْ يغدرَ القدرُ البهيمُ بهِمْ.!.
اِرتعشَتْ ضلوعيَ منْ بَرْدِ الفرحِ، لمْ أستطعِ الرَّكضَ في ذلكَ الشُّعورِ النَّبيلِ، تحرَّكَتْ في ضفافِ روحِي منْ جديدٍ سقسقاتُ ماءٍ عذبٍ، فشربْتُ حتَّى ارتوَيْتُ.
ها أنذا، يا حُلوتِي، أراكِ، مالَتِ الغشاوةُ عنْ عينَيَّ، لمْ أعدْ أحتاجُ أنْ أُولَدَ أكثرَ منْ مرَّتَيْنِ، وُلِدْتُ فيكِ مرَّةً أُخرَى، أنا الآنَ أحملُ اسماً مختلفاً، وملامحَ لمْ تعهدِيْها، فهَبينِي لحظةً كي أقبِّلَ قدمَيْكِ.!.
.............................
اللاذقية في 10/2/2011.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حبيبتي

18-تموز-2015

(اِنْتِصَارُ البَرْدِ على النَّهارِ)

18-كانون الأول-2011

الَّلاذِقِيَّــــةُ ... هَلْ تَعُودُ.؟.

05-تشرين الثاني-2011

اللقــاءُ الأخيــرُ.

26-تشرين الأول-2011

البيضة الأقوى.!.

18-تشرين الأول-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow