نَضَبَ القَذْفُ... فَانْتَحِرْ.!.
خاص ألف
2011-03-01
على قَدْرِ الحصارِ الَّذي يفتكُ بكَ، تنالُ حصَّتَكَ منْ نزيفِ الدِّماءِ.!.
لا شيءَ الآنَ أقربُ إلى نفسِكَ منْ خسارتِها، فابتَعْ ما شئْتَ منْ "زنابيرِ الموتِ" المداهمِ البلادَ، وَالْعَقْ ما طابَ لكَ منْ دماءِ الأبرياءِ الَّذينَ سلبْتَهُمْ أحلامَهُمُ الصَّغيرةَ في أنْ يكونَ لهُمْ مرَّةً قرارٌ وحيدٌ أخيرٌ.!.
تناهبْتَ خيراتِهِمْ على إيقاعِ الفجورِ المدمِّرِ، وصلبْتَ شعبَكَ المحتَضَرَ تحتَ خيمتِكَ الواهيةِ، حلبْتَ ناقتَكَ البهيمةَ لبناً صافياً، فلمْ تُشْفِكَ منْ عروقِ السُّمِّ الَّتي فاضَتْ بهِ أعماقُ روحِكَ الخرقاءِ، سلَّمْتَ، واستسلَمْتَ، ورضخْتَ لأسيادِكَ الكبارِ المتربِّصينَ بجبروتِ طاعتِكَ العمياءِ، كيلا تُفرِّطَ بكرسيٍّ تعفَّنَ تحتَ مؤخِّرتِكَ المخرومةِ.!.
لمْ يبقَ لكَ إلاَّ الانتقامُ، لأنَّكَ رأيْتَ بأمِّ عينِكَ كيفَ سقطَ جناحا الطُّغيانِ، وأنتَ في الوسطِ، تئنُّ تحتَ ضرباتِ القدرِ الجديدِ، هيَّأْتَ نفسَكَ لعَصْفِ الملحمةِ الَّتي هبَّتْ عليكَ عَمْداً لا صُدْفةً، لتفتحَ دفترَ حسابِكَ الأخيرَ، هُنا على الأرضِ، قبلَ أنْ تفتحَ السَّماءُ لكَ دفاترَكَ النَّتِنَةَ، وأنتَ العارفُ أنَّ المستقَرَّ في جهنَّمَ لامحالةَ.!.
لا هنِئْتَ بما كَنَزْتَ، وما هَرَّبْتَ، وما سرقْتَ، وما نَهَبْتَ، المسافةُ بينَ مَعِدَتِكَ والجوعِ صحراءٌ بلا حدودٍ، وأنتَ الآنَ غيرُ قادرٍ على هضمِ لقمةٍ بمعدةٍ تنهشُ لحمَها، وشتَّانَ ما بينَ الهناءةِ والسَّكينةِ، وما بينَ نَهَمِكَ الفاجرِ للسَّفكِ والقتلِ، وكيفَ لا تفعلُ، وأنتَ كنْتَ ربَّعْتَ نفسَكَ – يا وائِدَ الثَّورةِ – على عرشِ الفناءِ والوهمِ والعدمِ، وابتكرْتَ أسماءَ لا تليقُ إلاَّ بالمعتوهينَ والمأفونينَ والمجرمينَ.!.
أتساءلُ إنْ كانَ عقلي لا يزالُ في مكانِهِ، هُنا في حضنِ جمجمتِي، أتساءلُ إنْ كنْتُ لا أزالُ أعقِلُ، إنْ كنْتُ لا أزالُ أتنفَّسُ كما كنْتُ أفعلُ، أنظرُ في يدَيَّ، وفي كفَّيَّ، وفي أصابعِي، أنظرُ في المِرآةِ لأتأكَّدَ إِنْ كانَ لا يزالُ لي شكلُ إنسانٍ، أنتَ الَّذي يشبهُني في الخُلْقَةِ، هلْ أنتَ مثلِي.؟، هلْ أنا مثلُكَ.؟، هلْ جئْتَ إلى هذا العالمِ مثلِي.؟، هلْ حَمَلَتْ بكَ أمُّكَ تسعةَ أشهرٍ كما تحملُ كلُّ النِّساءِ اللائي فقَدْنَ فلذَّاتِ أكبادِهِنَّ على يدَيْكَ الآثمتَيْنِ.؟؛ هلْ رضعْتَ منْ صدرِها.؟، هلْ كنْتَ ضابطاً في الجيشِ.؟، هلْ أنتَ "قائدُ الثَّورةِ.؟"، أيَّةُ ثورةٍ كانَتْ تلكَ الَّتي حملتْكَ إلى عرشِ السَّحْقِ والإلغاءِ والتَّكبيلِ، والتَّنكيلِ والتَّجزيرِ والفَتْكِ بكلِّ ما هوَ خَيِّرٌ وطيِّبٌ ونبيلٌ في بلادِ "عمرِ المختارِ".!.
تتحدَّى الزَّمنَ لتنالَ المزيدَ منَ العمرِ المديدِ، على طريقةِ الفاجراتِ.!. لماذا.؟. لأنَّكَ بتَّ عاجزاً عنِ الاعترافِ بأنَّ الزَّمنَ لا يمكنُ أنْ يوقفَ عقاربَهُ الزَّاحفةَ إلى وجهِكَ المنفوخِ، لتزيلَ الخطوطَ عنْهُ متوهِّماً أنَّكَ ما زلْتَ في ريعانِ الشَّبابِ.!.
مثَّلْتَ ما يكفي منَ المسلسلاتِ الهزليَّةِ الَّتي تصلحُ أنْ تكونَ أُنموذجاً تُدرِّسُهُ أكاديميَّاتُ العالمِ في فنِّ الكوميديا.!.
وللجرذانِ حكايةٌ أخرى أفدحُ، وأكثرُ مأساويَّةً، أنتَ تراها في يقظتِكَ وفي مناماتِكَ، تحيطُ بكَ منْ كلِّ جانبٍ، تحاصرُكَ، تشكِّلُ جيوشاً منَ الرُّعبِ والضَّغطِ النَّفسيِّ الَّذي لا يستطيعُ أحدٌ منْ علماءِ النَّفسِ أنْ يسعفَكَ الآنَ في الخروجِ آمِناً منْهُ؛ ومنْ متاهةِ عقلٍ خرَّمَتْهُ القضماتُ والنَّهشاتُ الَّتي تنهالُ على كلِّ نقطةٍ في جسدِكَ وروحِكَ وعقلِكَ ونفسِكَ.!.
تُرى هلْ يستطيعُ "فرويد"، أوْ "يونغ"، أو "أَدْلِرْ" الآنَ أنْ يقدِّمُوا لكَ نصيحةً تنقذُكَ ممَّا أنتَ فيهِ.؟. أنتَ تنزفُ نِفْطاً.!.
قرأْتَ، ونصَّبْتَ نفسَكَ وصيَّاً على الثَّقافةِ والمثقَّفينَ، أمَّا المتسوِّلونَ منهمُ الَّذينَ دجَّنْتَهُمْ على مدى أربعةِ عقودٍ، فقدْ نالُوا منْ عطاياكَ السَّخيَّةِ ما نالُوا، ليكتبُوا عنكَ وعنْ جنونِكَ، فيُظهرُوكَ – وهمْ يسخرُونَ منكَ – بطلاً صنديداً اجترحَ المعجزاتِ في مشاريعَ موءُودةٍ في مهدِها، فأنتَ القائدُ القوميُّ والأمميُّ الَّذي يريدُ أنْ يقودَ العالمَ بنظريَّاتٍ وأطروحاتٍ أقلُّ ما يُقالُ فيها إنَّها شهادةٌ لا لَبْسَ في جنونِ عَظَمَةِ صاحبِها.!.
عقودٌ أربعةٌ أو يزيدُ، وأنتَ – أبو جهلِ العربِ -، صبغْتَ بلادَكَ بلونٍ واحدٍ، يتبرَّأُ منكَ، لأنَّكَ جعلْتَهُ لونَ الظُّلمِ والقهرِ والجبروتِ والسَّفاهِ والنِّفاقِ والوهمِ والسَّطوةِ والتَّجبُّرِ والتَّكبُّرِ والرِّياءِ والكذبِ والتَّملُّكِ والتجويعِ والتَّباهي الفارغِ؛ والتَّطبيلِ والتزميرِ، وصدَّقْتَ أنَّكَ بإشارةٍ منْ إصبعِكَ تستطيعُ أنْ تلوِّنَ البلادَ برمَّتِها بنقطةٍ منْ مدادِ جنونِكَ الَّذي تجاوزَ الحدودَ الإقليميَّةَ والدَّوليَّةَ، فغدَوْتَ باستحقاقٍ وجدارةٍ "ملكَ ملوكِ أفريقيا"، وإمبراطورَ الأباطرةِ، وطاغيةَ الطُّغاةِ، واستسلَمْتَ لأضغاثِ أحلامٍ مرضيَّةٍ سقيمةٍ أودَتْ بكَ إلى الجحيمِ.!.
الشَّعبُ الَّذي صبرَ، وسكنَ، وتجمَّلَ بالحِلْمِ أكثرَ منَ اثنينِ وأربعينَ عاماً، وكانَ ذاتَ يومٍ – في نظرِكَ - شعباً أبيَّاً صامداً شَهْماً وفياً مخلصاً شجاعاً، هذا الشَّعبُ الَّذي لا يزالُ كذلكَ رغمَ عهرِكَ وفجورِكَ، ها هوَ اليومَ – لقولِهِ كلمةَ حقٍّ – يتحوَّلُ في عقلِكَ المخبولِ إلى قطعانٍ منَ الجُرذانِ. وخرجْتَ عليه مهدِّداً متوعِّداً، مزمجِراً صاخِباً، مؤنِّباً موبِّخاً، سابَّاً شاتِماً، نسِيْتَ فضائلَهُ عليكَ أيُّها المأفونُ، وما ذلكَ كلُّهُ إلاَّ لأنَّهُ أرادَ أنْ يقولَ فيكَ كلمتَهُ الَّتي اختنقَ بها عُقوداً.!
جيشُ الجرذانِ هذا الَّذي وصفْتَهُ في لحظةِ جنونِكَ التَّاريخيَّةِ، هوَ الَّذي سيعرفُ كيفَ يقتصُّ منكَ ذاتَ يومٍ قريبٍ.!.
أرسلْتَ كلابَكَ الشَّرسةَ الَّتي درَّبْتَها أفظعَ تدريبٍ على النَّهْشِ والعضِّ، سلَّطْتَها على شعبِكَ ضباعاً نهمةً للدِّماءِ، لينتقمُوا منْهُ شرَّ انتقامٍ، فنزلُوا فيه تقتيلاً وقصفاً وتقطيعاً.!.
شعبُكَ يعِي جيِّداً أيُّها البطلُ الصِّنديدُ.!. (يا قائدَ الفاتحِ الجديدِ في السَّابعَ عَشَرَ منْ فبراير)، يا ملكَ ملوكِ أفريقيا الَّتي تتبرَّأُ منكَ، أنَّ للحريَّةِ ثمنَها، وأنَّ المسيرةَ الَّتي بَدَأَها لا رجعةَ فيها، إلاَّ بانتصارِ الثَّورةِ؛ فعُدَّ عدَّتَكَ للرَّحيلِ، لكنْ لا تبتعِدْ كثيراً، لأنَّكَ مطلوبٌ حيَّاً أو مَيْتاً. حتَّى ولوِ اختبأْتَ في أقصى المجرَّةِ.!.
ستنتصرُ ثورةُ ليبيا، بإرادةِ شبَّانِها ورجالِها، وكبارِها وشيوخِها ومثقَّفيها، بأطفالِها ونسائِها، ستنتصرُ لأنَّها تعرفُ جيِّداً أنَّكَ لمْ تنصِفْها، وأهنْتَها هيَ الأخرى عندَما وصفْتَ أهلَها بما لا يليقُ بالنَّاسِ في بلدِكَ العصيِّ على الخضوعِ أوِ الرُّكوعِ، قدْ يكونُ الثَّمنُ أكبرَ بكثيرٍ ممَّا دفعَ الشَّعبُ، لكنَّ النِّهايةَ باتَتْ قريبةً، قريبةً جدَّاً.!!!.
أراهنُ أنَّكَ تتناولُ كلَّ ساعةٍ وكلَّ يومٍ كميَّةً منَ المخدِّراتِ الفاخرةِ، لا الحبوبِ، لتقدرَ أنْ تنالَ ساعةً منْ نومٍ مضنٍ تهاجمُكَ فيه الكوابيسُ، لأنَّكَ في أعماقِكَ مرذولٌ وملعونٌ ومُطارَدٌ، "الجرذانِ" تطاردُكَ أنتَ، ولنْ تستطيعَ مبيداتُ العالمِ أجمعَ أنْ تنقذَكَ منْها.!.
إشربْ كأساً منْ دماءِ الأبرياءِ قبلَ أنْ تتناولَ وجباتِكَ اليوميَّةَ منْ لحومٍ طازجةٍ شوَيْتَها بقنابلِكَ.!.
"خريفُ البطريركِ"، قرأْتَها، ما سيُكْتَبُ عنكَ يوماً، سيجعلُ "غارسيا ماركيز" يعتذرُ منْ "بينوشِيهْ".!.
الأخضرُ يُعيدُ الآنَ اعتبارَهُ، ويقدِّمُ أوراقَ اعتمادِهِ لألوانِ قوسِ قزحٍ متبرِّئاً منْ أخضرِكَ الملعونِ إلى الأبدِ.!.
..........................
اللاذقية في 26/2/2011.
08-أيار-2021
18-تموز-2015 | |
18-كانون الأول-2011 | |
05-تشرين الثاني-2011 | |
26-تشرين الأول-2011 | |
18-تشرين الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |