فتافيــتُ محليـَّة.!.
خاص ألف
2011-03-08
سلَّةُ مهملاتٍ.
كانَتْ في الثَّامنةِ منْ عمرِها، اشتريْتُ لابنتي "ليالٍ" قطعةَ بسكويتٍ منْ دكَّانٍ يقعُ مقابلَ سينما دمشقَ المهجورةِ منذُ سنواتٍ. ، لم يعدْ أحدٌ يرتادُ دورَ السِّينما المتعدِّدةِ في اللاذقيَّةِ، أُفرِغَتْ بصمتٍ وبعَمْدٍ تامٍّ منْ مرتادِيها وعشَّاقِها.!.
قشَّرَتْها، وبدأَتْ تقضمُ وتأكلُ منْها، ورمتِ الغلافَ على الأرضِ، وقفْتُ، نظرْتُ إليها، وقلتُ لها: "يا ليال، ما بيصير هيك، رميتِ الورقةَ على الأرضِ."، فنظرَتْ إليَّ متعجِّبةً، ثمَّ انحنَتْ، والتقطَتْها، قلْتُ لها : "أنظري، هناكَ على العمودِ يوجدُ سلَّةُ مهملاتٍ، ستضعينَ الورقةَ فيها."، ردَّتْ طائعةً: "نعم بابا.".!.
وصلْنا إلى العمودِ الَّذي كانَ يبعدُ عشرينَ متراً عنَّا، وقفَتْ مقابلَ السلَّةِ المثبَّتةِ على العمودِ، رفعَتْ جسمَها، ووقفَتْ على رؤوسِ أصابعها، ورمَتْها في السلَّةِ، وهيَ فرحةٌ، فإذا الورقةُ تسقطُ منَ السلَّةِ على الأرضِ، كانَتِ السلَّةُ بلا قاعدةٍ، نظرَتْ إليها مندهشةً، وقالَتْ لي: "شفتْ يا بابا.!.". ضحِكَتْ، وضحِكْتُ، وحملَتْها منْ جديدٍ، لنبحثَ عنْ سلَّةٍ أخرى بقاعدةٍ، لنلقِيَها فيها.!.
الفُـــرْنُ.
الفرنُ الوحيدُ القريبُ منْ بيتِنا، نشتري كلَّ يومٍ منْهُ حاجتَنا منَ الخبزِ. ثلاثُ كيلواتٍ تكفي سبعَ أنفسٍ، قدْ يزيدُ أحياناً رغيفٌ أو رغيفانِ أو ثلاثةٌ، ترميهِمْ أمِّي في سلَّةِ القمامةِ، لأنَّ الخبزَ الطريَّ يكونُ حاضراً منذُ الصَّباحِ الباكرِ في اليومِ التَّالي، قبلَ أنْ نُفيقَ منَ النَّومِ، تأخذُ أمِّي طبقاً صغيراً منَ القشِّ، وتحضِرُ الخبزَ، تتركُه يجفُّ قليلاً، ثمَّ تلفُّهُ بقطعةِ قماشٍ نظيفةٍ، لنأكلَ منْهُ كفافَ يومِنا.
لم يكنِ الخبزُ، كما هوَ اليومَ، ولمْ تكنِ الأفرانُ الصَّغيرةُ المنتشرةُ في المدينةِ تمتلكُ الأدواتِ الَّتي توفَّرَتْ فيما بعدُ، ولمْ تكنْ تنتجُ الكميَّاتِ الَّتي تنتجُها أفرانُ اليومِ، وكانَ الميزانُ هوَ الحَكَمُ الفيصلُ بينَ المشتري والفرَّانِ، ولمْ يكنْ منْ مجالٍ للغشِّ في بيعِ الخبزِ لأيِّ إنسانٍ، فالفرَّانُ يزينُ الخبزَ أمامَ عينيكَ، وتطمئنُّ إلى أنَّكَ تأخذُ طلبَكَ منْهُ دونَ زيادةٍ أو نقصانٍ.!.
الشُّركاءُ الوحيدونَ الَّذينَ كانُوا يزعجُونَنا همُ الجرذانُ، فكثيراً ما كنَّا نراها بينَ أكياسِ الطَّحينِ، تتسلَّلُ منْ هُنا أوْ هناكَ، أوْ تمرُّ على عجلٍ منْ بينِ أرجلِ العمَّالِ، لتغيبَ في أغوارِ المكانِ الَّذي يؤمِّنُ لها جُحوراً آمنةً، وغذاءً طافِحاً، فتسرحَ وتمرحَ على هواها، وكأنَّ شيئاً لم يكنْ.!.
كنْتُ أستغربُ وجودَها بينَ أكياسِ الطَّحينِ، وكيفَ لا يقومُ صاحبُ الفرنِ أوْ عمَّالُ المكافحةِ في البلديَّةِ بمكافحتِها، وهيَ تندسُّ في أهمِّ مادَّةٍ يتناولُها المرءُ في بلدِي، الطَّحينُ الَّذي منْهُ يُصنَعُ الخبزُ.
كنَّا نراها أحياناً، تخرجُ وتدخلُ منْ تحتِ بابِ الفرنِ، وقدْ يحدثُ أحياناً أنْ يقومَ بعضُ الصِّبيانِ بملاحقتِها، وقتلِ بعضِها في الشَّارعِ، ثمَّ يهلِّلُونَ فَرَحاً باصطيادِها والتَّمكُّنِ منْها، فهيَ عدوٌّ لدودٌ يقاسمُهُمْ كلَّ شيءٍ، حتَّى الخبزُ الَّذي بهِ يقتاتُونَ.!.
كثيراً ما كنْتُ أنظرُ في رغيفِ الخبزِ، وأتساءلُ فيما إذا كانَ قدْ مرَّ عليهِ فأرٌ أوْ جُرَذٌ، أشعرُ للحظاتٍ بأنَّني لسْتُ قادراً على أكلِ لقمةٍ منْهُ، ثمَّ تتدخَّلُ معدتِي، وأتذكَّرُ منظرَ بيتَ النَّارِ المتوهِّجَ، والنَّارَ الَّتي تطهِّرُ كلَّ شيءٍ، لا خوفَ إذنْ، كُلْ، لا تخشَ شيئاً، إنسَ الأمرَ، وأقسمُ الرَّغيفَ وآكلُ.!.
الجرذانُ أيضاً خلقَها اللهُ، ومنْ حقِّها أنْ تأكلَ، هيَ ضارَّةٌ بالإنسانِ، فما الحكمةُ منْ خَلْقِها.؟، سؤالٌ لمْ أجدْ إجابةً عليهِ حتَّى الآنَ، إلاَّ أنَّ اللهَ يريدُ أنْ يزعجَ الإنسانَ، وأنْ يوفِّرَ لهُ أسبابَ انتقالِ الأمراضِ، وعلى رأسِها الطَّاعونُ والكَلَبُ وسواها، لماذا.؟. ليتكاثرَ الناسُ، ثمَّ ليتناقصُوا. ربَّما هيَ حكمةُ التَّوازنِ الَّتي يبدو أنَّ الأرضَ تحتاجُ إليها، كي تضمنَ هيَ الأخرى لنا أنْ نعيشَ بتوازنٍ، يُعفي الأرضَ منْ أعباءِ تكاثرِنا وإطعامِنا جميعاً، فتتحمَّلُ ما يفوقُ طاقتَها.!.
كلمةٌ أخيرةٌ، لوْ قُدِّرَ لأيٍّ منَّا أنْ يطَّلعَ على الأماكنِ الخلفيَّةِ الَّتي يتمُّ فيها تحضيرُ المأكولاتِ والحلوياتِ بأنواعِها المختلفةِ، لتُعرَضَ بعدَها في محلاَّتٍ راقيةٍ، تظهرُ فيها هذهِ المنتوجاتُ نظيفةً شهيةً مزيَّنةً ومبهرجةً ومزركشةً وملوَّنةً في أبهى الصُّوَرِ؛ لوْ حدثَ ذلكَ، تُرَى هلْ ستتناولُونَ بنَهَمٍ كما تفعلونَ ما تشترُونَ بأغلى الأسعارِ منْها.!.
"صحّتينْ".!، "كلُوا منْ طيِّباتِ ما رزقناكُمْ.". لا تهتمُّوا، لكنَّني سأطرحُ سؤالاً أخيراً:
هلْ مِنْ عاقلٍ أو عالمٍ أوْ حكيمٍ يقولُ لنا ما سببُ تفشِّي الأمراضِ الخبيثةِ بهذا الشَّكلِ الفظيعِ في بلدِنا.!؟.
.................................
08-أيار-2021
18-تموز-2015 | |
18-كانون الأول-2011 | |
05-تشرين الثاني-2011 | |
26-تشرين الأول-2011 | |
18-تشرين الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |