هلوسات
خاص ألف
2011-03-15
ما زلْتُ أرزحُ تحتَ وطأةِ هذا القلبِ المعتَّقِ بالنَّبضِ الحزينِ، أمرّرُ عينيَّ على قسماتِ الخرافةِ الَّتي انتهبَتْ أرواحَنا. يأتي الصَّهيلُ مُبارَكاً، ويضمُّني صوتُ أمِّي بشالٍ منْ صوفِ حنانِها، فأركضُ كالمعتوهِ في برارِي الحياةِ المُستباحَةِ أنوارُها.!.
على كرسيٍّ عاجيٍّ، وعلى قمَّةِ جبلٍ منْ جماجمِ المَوْتَى، جلسَ يتربَّعُ عرشاً أبدعَ في تطريزِهِ طغيانُ الملوكِ: "كاليغولا" العصريِّ، ها هوَ يستبيحُ كلَّ المنافذِ والأبوابِ، يدخِّنُ سيجارَهُ الكوبيَّ على إيقاعِ مخرِّفٍ آخرَ منْ زمنٍ أخرقَ، تشهدُ عليه أدغالُ ذقنٍ تركَها على مرِّ العمرِ شاهدةً على موتٍ بطيءٍ، تبرَّدَ فيهِ لحمُ الإنسانِ وعظمُهُ بالجليدِ في أقصى معاقلِ الطُّغيانِ، في بلادٍ كفَّنَها الأبيضُ، فستانُ زافافِها ينعقُ اليومَ تحتَ وطأةِ ريحٍ عاتيةٍ، ويطيرُ نُتَفاً في أرجاءِ المعمورةِ، منذِراً بأنَّ العُرسَ لمْ يكنْ على قدِّ رجاءِ "بوشكين" أو "دويستويفسكي"، وما زالَ "شوبانُ" يرتِّلُ على مسامعِ الحياةِ معزوفةَ الخوضِ في خلاصِ الروحِ.
ضرباتُ القدرِ في سمفونيَّةٍ خامسةٍ لِـ"بيتهوفنَ"، تقدِّمُ أوراقَ اعتمادِ الوجودِ الصَّارمِ القدريِّ الغاشمِ، حينَ يستبدُّ القهرُ بالرُّوحِ البشريَّةِ، فيُرديها، وتختلجُ اللحظاتُ بطعناتٍ ضاريةٍ، لا تُبقي للموتِ دليلاً على سطوتِهِ وانهمارِه إلاَّ بضعَ صرخاتٍ يتلُوها على أجسادِنا هولُ الصَّلاةِ الَّتي أتقنَ سردَها قساوسةٌ أو رهبانٌ أو شيوخٌ، أتَوا منْ عثراتِ التَّاريخِ الأعمى، ليُعيدُوا الكرَّةَ في تكريسِ الولاءِ والعبوديَّةِ لأرواحِ الَّذينَ خُلِقُوا، ليكونُوا عبيداً لملكٍ أو طاغيةٍ أو أميرٍ أو سلطانٍ.!.
يتردَّدُ في أنحاءِ الدُّنيا أنَّ الشَّرقَ بدأَ يتلمَّسُ طريقَهُ إلى حكاياتٍ أخرى غيرِ تلكَ الَّتي روَتْها لنا "شهرزادُ"، وقفَ الغربُ مشدوهاً أمامَ تسونامي جديدٍ، لمْ يعهدوا له سمات أو ملامح من قبل، جُنَّ جنونُهُ وهوَ يرى المشهدَ العربيَّ في أفريقيا يطوي ملاحمَهُ القديمةَ كلَّها، وينسجُ منْ صوفِ قهرِ الحضارةِ طقساً جديداً، لا يكونُ فيهِ السَّيدَ الأوحدَ والأكبرَ هوَ النِّفطُ الَّذي انتحرْنَا فيهِ، ويصفِّقُ رغمَ أنفِهِ لدروسِ الرَّقصِ على جمرِ دمائِنا، وعلَّمَنا ألاّ نتستيقظَ إِلاَّ محمولينَ على أكتافِ الجوعِ إلى مثاوينا الأخيرةِ.!.
المسرحيَّةُ لمْ تكتملْ فصولُها بعدُ، فالمشهدُ الأوَّلُ كانَ قصيراً مُباغِتاً دراماتيكيَّاً، أمَّا المشهدُ الثَّاني فكانَ أطولَ عارماً مزهراً، عنيداً صارخاً، وانتهى باستعادةِ النَّشيدِ الخالدِ لأمَّةٍ عرفَتْ كيفَ تشقُّ طريقَها إلى الماءِ في قلبِ الصَّحارى المحيطةِ بها.!.
المشهدُ الثَّالثُ كانَ بطلُهُ "ماكبثُ" الجديدُ، تبرَّأَ "شكسبيرُ" منْهُ لأنَّهُ لمْ يكنْ يريدُهُ أنْ يكونَ دمويَّاً إلى هذهِ الدَّرجةِ، غبيٌّ ربَّما كانَ "شكسبيرُ" حينَ ظنَّ أنَّ "ماكبثَ " العربيَّ لا يمكنُهُ أنْ يفعلَ ما فعلَ.!. لمْ يكنْ يعرفُ الفرقَ الشَّاسعَ بينَ دمٍ إنكليزيٍّ ودمٍ عربيٍّ، كانَ ربَّما يظنُّ أنَّ لونَ دمِ العربيِّ ليسَ أحمرَ، كما ظنَّ زنابيرُ أمريكا منْ بنِي جلدَتِهِ في دماءِ الهنودِ الحمرِ الَّذينَ ذُبِحُوا وقُطِّعُوا وفُرِمُوا وأُكِلُوا، بشهادةِ "منيرِ العَكْشِ": " أمريكا والإباداتُ الثَّقافيَّةُ"، " لعنةُ كنعانَ الإنكليزيَّةُ".!.
ينتظرونَ، مَنْ يدري، ربَّما يكونُ الدَّمُ العربيُّ أكثرَ قوَّةً وطاقةً لاستخدامِهِ في تشغيلِ محرِّكاتِهِمْ ومعاملِهِمْ ومصانِعِهِمْ.!. وها هوَ تسونامي اليابانَ – معَ حزنِي العميقِ - يدكُّ معاقلَ المفاعلاتِ النَّوويَّةِ الَّتي انفجرَتْ، وتهدِّدُ العالمَ بأسرِهِ بكارثةٍ نوويَّةٍ أُخرَى بعدَ "تشيرنوبيلَ".!.
خزِّنُوا ما شئْتُمْ منَ الصَّواريخِ الحاملةِ للرُّؤوسِ النَّوويَّةِ المدمِّرةِ، وخزِّنُوها، مَنْ يدري.؟. قدْ تُناديكُمْ أجسادُ ودماءُ آدميِّينَ في القادمِ منَ الأيَّامِ، لتحصدُوها في مواسمِ قتلٍ وتدميرٍ، يبقى لكُمْ فيها وجبةٌ واحدةٌ وأخيرةٌ: أدمغتُكُمُ المَشْوِيَّة؛ السرُّ يكمنُ في أنَّكم فخَّخْتُمْ أُمَمَكُمْ وبلادَكُمْ، مثلَما فخَّخْتُمْ ولغَمْتُمْ هذا العالمَ الجميلَ، فلمْ تتركُوا مِنْ خيارٍ آخرَ، فإمَّا القتلُ أوِ القتلُ. ولكنَّكُمْ لمْ تطرحُوا بعدُ على أنفسِكُمْ سؤالاً في غايةِ البساطةِ: مَنْ يبقى.؟، أنتمْ أمْ همْ أم نحنَ.؟. سأجيبُكُمْ باطمئنانٍ جائرٍ : لنْ يبقى واحدٌ منْكُمْ، إنْ عاجلاً أو آجِلاً، فالمسرحيَّةُ تتصاعدُ أحداثُها بإيقاعٍ دراميٍّ وتراجيديٍّ لمْ يعرفْهُ تاريخُ المسرحِ في حياتِهِ.!.
هلوساتٌ، هواجسُ، تُرَّهاتٌ ربَّما في نظرِ كثيرينَ، لكنَّني أرى جيِّداً أنَّ المسرحيَّةَ ستنتهي ذاتَ لحظةٍ، كغيرِها منَ المسرحيَّاتِ الَّتي هجرَها النَّاسُ إلى التِّلفزيونِ والنِّتْ وسواهُما منْ عوالمَ افتراضيَّةٍ، فعلَتْ فعلَها بالتّأكيدِ في عالمٍ باتَ مفتوحاً إلى حدِّ الانغلاقِ التامِّ على الذَّاتِ الذَّائبةِ في كوابيسَ وهميَّةٍ غامضةٍ، ومفخَّخةٍ لتنالَ منْ كلِّ ما هوَ جميلٌ وحيويٌّ وبهيجٌ فيما تبقَّى منْ فتاتِ الحضورِ النَّبيلِ للإنسانِ على الأرضِ.
هيِّئُوا أنفسَكُمْ للرَّحيلِ، وتفرَّجُوا، فالمشهدُ اليومَ باتَ يستحقُّ أنْ نُلغِيَ رحيقَ الحياةِ فينا.!.
.............................
اللاذقية 15/3/2011.
08-أيار-2021
18-تموز-2015 | |
18-كانون الأول-2011 | |
05-تشرين الثاني-2011 | |
26-تشرين الأول-2011 | |
18-تشرين الأول-2011 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |