اكتشف الرجل خطيئته بأنه قال "جسر الرئيس" دون أية ألقاب تسبق كلمة "الرئيس" كما هو معتاد، على الرغم من أن الناس يقولون، اعتياديًا، "جسر الرئيس" دون ألقاب، لكن الرجل لم يعتد على ذلك! ران صمت رهيب على الركاب جميعًا، أطرقوا جميعهم في الأرض، لا حركة، لا نأمة، بدا أن لا نفسَ يخرج منهم أيضًا، بدا الأمر كما لو أنهم ماتوا جميعًا، حتى سائق السرفيس، صمت ذلك الصمت الذي تظنه أبديًا، مع أن السائقين لا يكفون عن الثرثرة والتشاتم والتعصيب... بين الموقف والآخر كان يتوقف السرفيس دون أية كلمة، ولا حرف، وينزل الراكب بصمت كثيف... عندما وصلنا إلى "جسر الرئيس" قال السائق للرجل القروي: وصلنا يا عم، انزل. وفيما ينزل سأل: هادا جسر السيد الرئيس، المناضل؟ أومأ له السائق أن: نعم، وانطلق مسرعًا. حينها كان الرئيس هو حافظ الأسد.
لا تذكر أيُّ أرضٍ هذه
أيّةُ أرضٍ لا تملك ذاكرة طائر البشروش ؟!
وليس للعارفين بشؤون هؤلاء إلا البقاء متسمّرين، ليتأملوا دماثة وجوههم
فالبلاهة أحياناً، عدالةٌ يفرضها القدر!
هي عدالةٌ مفروضة، وفي عُرف سكّان الأقاليم المجاورة، هي عدالةٌ مستحقة
لا يمكنك إلا المُضي بلا وجهةٍ مدونةٍ على دفترٍ صغير
الوجهة هنا ضياعٌ مقصود
خلف تلك المرتفعات البللورية، ثمّة طيورٌ هالكة ...
نُقش على بضع أجنحتها، الوجهة امتحان للذاكرة
دون امتحان
قد تمضي الحياة كلّها في الهباء الريفي هذا ...
لكن ..!!
حين الخروج من هذا ...
تظهر الحياة بلونٍ جديد، ربما يماثل لونها عند سكان الأرخبيل
.... لا شيءَ يوازي
........... ابتسامةَ الشاعرِ الآن
حتى لو كانت شمساً مراهقة
في ليلٍ طويل ....!
................................................
لا شيءَ
وتتسعُ الأرجاءُ
والقادمون من العتمةِ بقلوبٍ واسعةٍ كأحلامِ الطفولة
ومرايا ضريرة؛
سيتصافحون
بكفوفٍ تتلاشى مثلما الحقيقة
ويغيبون
في غفوةِ الدهشة
دونما أسماء ...
أغلب السّوريين يبحثون عن هويّة، وعنوان، وجواز سفر، يفتقدون لكلّ تلك الأشياء.
أغلب من كان في دائرة النّظام أضحى اليوم معارضاً، وهو على صواب، فقد خلقنا لنحيا، والموت الساطع لم يعد قادماً بل نحن ضمنه وهو يلّفنا.
من كانوا يلوّحون بأعلام حزب الله صحا ضميرهم فجأة ، واعتذروا لأنّهم ضُلّلوا واعتقدوا أنّه يعمل من أجل القضّية.
ومن عملوا تحت راية الإخوان قالوا أنّه حزب سياسي عليه أن يشارك، ثمّ انقلبوا عليه مع أنّهم غرفوا من خيراته.
ومن كان في دائرة السينما والإعلام كانت معارضته فأل حسن فقد استطاع الوصول بطريقة أسرع وسعر أعلى.
أذكر كل تلك الصور وكأنها أمامي الآن، مرتبة في ألبوم صغير، ونحن نرفع كأسينا عاليا وأنا أحضنه، وهو يقاطع محمد بأن يحضر له قنينة نبيذ جديدة وهو يرفع يده إلى رف المسجلة كي يخفض الصوت، أتذكر كل حركة فيها، لم أملك أي منها، لقد قال لي صاحب محل التصوير، فيما بعد أن الفيلم احترق، بكيت كثيرا ورجوته أن يعود ويحاول مرة أخرى لينقذ صورة فقط، إلا أن الفيلم احترق بالكامل وانتهى الأمر، كنت أريد فقط تلك الصورة التي اقتربت فيها منه فقاطعني وقال المرأة شجرة يا سوزان ونهدها هو الغصن الخارج من الشجرة..
8 ــ
ضجكتُـــكِ ؛
ــ اسمُ طفلةٍ جميلة ... سوف تكبر
ويعشقها الشاعرُ
ويكتبُ عنها سبعَ حبّاتِ حنطةْ
في منقارِ عصفورٍ
يُطعمُ القصيدةَ
كي تكبر مع الطفلة
وتهرب خارج السطر
وتزوركِ ليلاً ............
في كتابة المرأة (كتابة المرأة لا الكتابة عن المرأة، وثمة فارق جوهري بين أن نكتبها أو نكتب عنها) نوعان أو نمطان من الشعراء: الأول يُفرغ كل مكنوناته العاطفية على الورق فتبدو قصيدته بالغة الرهافة والعذوبة والرقة، فيما تراه في الواقع فظّاً غليظ القلب واللسان وبالتالي تتسع الهوة بين النص والسلوك، أما الثاني فيعيش قصيدته ويتماهى معها انطلاقاً من فهمه الشعر سلوكاً ونمط حياة وأسلوب عيش وطريقة تعامل مع الوجود والكائنات، ويعلي من شأن الحيّز الأنثويّ الكامن في كل مبدع أياً كان جنسه. فانتباه الشاعر الى هذه المسألة وتصالحه معها يجعله أكثر فهماً للأنوثة ولكيفية التعامل مع حالاتها المتعددة: حبيبة، صديقة، قريبة، ندّاً، خصماً، شريكةً، الخ... مع الإشارة الى أن ثمة امرأة دائمة في لاوعي الشاعر يمكننا تسميتها امرأة القصيدة أو المرأة المستحيلة التي لا تتمثل إلا نصاً أو قصيدة. فهل امرأة الخيال أكثر إلهاماً من امرأة الواقع؟ لعل الواقع يفقدنا جميعاً الكثير من أسباب الإلهام والغواية (نتوسع في الموضوع لاحقاً).
شاحنة الموت (شاحنة النمسا التي باتت معروفة للجميع حيثُ أنّه تم العثور عليها مركونة على قارعة الطريق السريع في النمسا)؛ شاحنة الحالمين بأرض أوربا/ أرض الخلاص الدافئة ليست إلا جزءا من المأساة والتغريبة السوريّة، 71 قصّة تمت بنهاية واحدة، من الصعب عادة أن تجمع هذا الكمّ على قصة مشتركة في الحياة، لكن كم من السهل جمعها على مأساة واحدة وموت واحد.
أعرفُ على الأقلّ قصة واحدة من الإحدى والسبعين، الصديق حسين مصطفى، أعرفه حالما، وأعرفه وكأن الابتسامة شامة على وجهه، وكأنّه لا يزالُ في دمشق يجوب حواريها، ويبعثر الجغرافيا بعدها كحجرة نرد.
تلك الزّلزلة التي تهزّ البيوت المنكوبة، والتي تجعل النّاس يمشون على غير هدى هي التي سكنتني قبل عشرة أعوام. مشيت من قرب الدّار بصمت لا أرغب في الوداع. شعرت بالعاصفة تهزّني، أمشي كمن أصيب بدوّار. شعرت بالذّل يومها. اعتقدت أنّني وحيدة في ذلك الدّمار. نظرت إلى العصافير تلتقط طعامها. أدرت ظهري ومشيت. لم أنظر إلى الخلف، ولا أرغب أن أنظر الآن. . .
البعض يداهمهم الحبّ. يضعونه في الميزان، وينسفون قوانين الحياة.
في دمشق، وفي حلب، وفي كلّ الأماكن التي أحببتها. شكوت الوحدة. كنت رفيقة نفسي في السّراء والضراء.