سورية خضراء وحمص فرعها الأجمل.
تلملم سورية المدن الجريحة، تلملم الشهداء، الحارات، البيوت، الشرفات وأنجمها الهاربة، تلمّ عنواين مجهولة من أعين الراحلين حين يسرق الموت خطاهم من الطرقات، تلمّ الحنين من قلوب الصبايا الدامية، تلمّ الدفء المتساقط من صدور الأمّهات حين يتكاثر النشيج، تلملم حتى تدمى يداها وتفرّ من أحداقها الصور. العالم يغلق عينيه وأذنيه وقلبه، وحمص تصرخ تحت الحصار، وأيّ حصار؟ حصار صارت فيه السماء ثقباً جهنميّاً لآلاف القذائف العمياء والصواريخ المُبصرة، المدينة صامدة رغم كلّ هذا الجحيم الخرافيّ المحيق: الموت تحت أنقاض البيوت المتهاوية، أحد أشكال الموت، الموت جوعاً، وجه من الوجوه الكثيرة التي يباركها الحصار، الموت من تقرّح الجروح ونقص الأدوية ورفيف الطيور، الموت
الحبّ كما الثورة... تعشق الخوض فيه دون معرفة المزيد،
من يخوض الثورة لا يعشق أخبارها، بل يعشق قصفها ودويها..
لكنها أخبرتني بالكثير عنها، حتى أصبحت الثورة نشرة أخبار وقصة توضع على الرّف..
حقاً الحب ثورة نخوضها، نحضنها وتحضننا فنغيب فيها وتلمع فينا...
لا نحتاج لمعرفة المزيد عنها، يكفينا أخبارنا، وآن تتعثر وتكثر أخبارها ويكثر أقوالها وأحاديثها نتوه فيها وتتوه فينا..
يقال، أنه في سالف الأزمان حكم الشامَ ملكٌ عظيم، عادل؛ حسبما وردنا من أشعار عصره وأخباره ونوادره. المفردة الأخيرة، ربما تحيل إلى حادثة طارئة، مستطيرة، وصلتنا تفاصيلها من مصادر عدّة.
ولنقل في البدء، أن مليكنا رزق بصبيّ بهيّ الطلعة، تتفتح الورود بوجنتيه، وفي عينيه تنعكس زرقة السماء. عند ذلك، سجدَ الأبّ شكراً للربّ؛ هوَ من كان نادراً ما ينحني، إلا حينما يكون في بيت الخلاء. العفو
دعاة الفصل بين الديمقراطية والعلمانية في العالم العربي كانوا كثراً، وعلى رأسهم المفكر الراحل محمد عابد الجابري، مستندين إلى أن السيرورة التاريخية للمسلمين تحوي بذوراً ديمقراطية في حين أن العلمانية ولدت في الغرب، متجاهلين أن الديمقراطية نفسها هي ثمرة نضال غربي دؤوب، ما كانت لتثمر لولا جناحها الآخر، أي العلمانية بشقيها الفرنسي المتشدد أو الانكليزي المرن،
أحمد شندح، يدّعي أنّ أكرم قد أسرَ له طيراً (والطير في عُرف الحميماتية هو الحمام عينه)، بينما أكرم ينكرُ التُهمة من خلف الباب. اتسعت رقعةُ الحشود المكتظّة حول المكان، والاندهاش يسيطرُ على كلّ الحاضرين، حتى وصلت الأخبار الى آخر حدود الحيّ، وما هي إلا لحظات حتى تجمّع الكثير من الحميماتية المعروفين في المنطقة ومنهم (عبوسي – أبو أحمد أبو الكش – بيبي – دلكشو – مسعوده – شكريو – سماعيلكي – رياضو... إلخ).
حلب ترحب بكم؛ دخلت من ذات الباب الذي مرّ فيه الاسكندر المقدوني؛ وهولاكو؛ وبيبرس؛ والزنكي؛ والأيوبي ...إلخ؛ لم أتصور لوهلةٍ أن القافلة المؤلفة من هؤلاء ستقف على حدود المتعة البشرية بالسفك والتدمير ... أو أنها ستقودني لغربةٍ شاقة؛ لم أكابدها مُذ حييت...
سكةُ قطار؛ ترسم حدود الفكاهة، من الباب ذاته الذي أفضى لهم إن ادخلوها ...
هكذا خاطبهم، خاطب أبنائه المتكاثرين على حين غرةٍ. ستةٌ من الرجال يحومون حوله؛ يتراكضون علّهم يقنصون من ذاكرته شيئاً؛ دون جدوى ... لكن كعادة أهل الوطن جميعاً؛ يظل الأمل على مقربةٍ من الجميع؛ حتى ذاك الكهل الملطخ بغزارة الذكريات، والتي لم يعد يتعرف على شخوصها وتفاصيلها كما كان قبل برهةٍ. مضى ذاك اليوم هادئاً دون أي تجليات لمرض الكهل، الذي استحال مركزاً للكون فجأةً. تهافت الأخوة والجيران والأصدقاء، ليلقوا نظرة على كهلهم بحلته الجديدة، دون أية دراية بوقع ما يفعلونه عليه؛
المرأة الأرملة السمينة الثرثارة، التي لا تخشى شيئاً، لا أمن سوري .. ولا جيش..! كانت واقفة على الشرفة تستمع إلى الحديث.. طبعاً ، الشاب أشعل سيجارة، وانسحبَ وهو يبتسم ويشير بأصابعه على شكل دائرة عند رأسه، كناية عن جنون الرجل صاحب الدكان ..!
كانت الثورة السوريّة قد نادت بالخبز، والكرامة. لم يكن من استشهدوا يعرفون أنها ستتحوّل إلى حرب طائفية، ليس للسوريين مصلحة في خوض حرب طائفيّة. فالفقراء آلهتهم مختلفة، هم يعبدون إلهاً واحدا، يقدمون له فروض العبادة دون حروب. هم عباد الله، وليسوا أحزاب الله!
الفتيات تجبن الشوارع بحثاً عن شرفة عريس، والأهل يرتبون دفاترهم لحساب التكاليف وما سيقدم لهم من نقود الفرح... أصبحت الشوارع شواطئ بلا بحار، فكل شيء أصبح محسوباً سلفاً، لا أحد يمكنه أن يأتي ببحر إلى هذه الأمكنة ولو في كأس ماء.. لا بحر هنا ولا سفن تبحر ولا ميناء يحضن الأشرعة، فكل شيء محسوب، يحملون دفاترهم لمراجعة ما عليهم وما لهم...