من يوميات الفتى العربي
2006-08-08
خاص ألف
مهداة إلى سيّد المقاومة
(1)
عزيمة
اتصل بصديقه الأديب الذي يرقد منذ سنة في المستشفى والذي لم يؤجرقلمه يوما، والذي ترك لدمه "مثاقفة" المرض الخبيث.. اتصل ليقول
له كما في كل مرة "بالعزيمة تطفئ نار."
التنين قبل أن يحرق/ يكوي وعيك فتعود لبيتك". وسمع الجواب ذاته"العزيمة أميرة نائمة تنتظر فارسها ليوقظها ويقتلا التنين معا
بعد مشاهدته لجندي من لواء الغولاني الصهيوني يبكي وآخر ممدداً على بطنه إثر رصاصة لم تجعله ينعم بلحظة هرب ممتعة من أرض المعركة قرر أن يتصل بصديقه الأديب في البيت؛ فقد انتصر الدم على السيف.
(2)
إذن من السيّد
لم استحم منذ الثاني عشر من تموز. العرق تحول إلى دبق ألصق ثيابي بجسدي. لم أخرج للعمل. تعللت بأني متوعك رغم أن صحتي البدنية أفضل من صحة ثور. لم أقرأ شيئا خاصة الجرائد كي لا أسقط في شرك أقلام " هل تريدون منا أن نحارب؟!" المأجورة.
لم أكتب قصصي التافهة، ووفرت على نفسي الغضب من القائها في صفائح الزبالة من قبل محرري الصحف وأقتنعت ألا مندوحة من الاعتراف بضحالة موهبتي. لم اتحدث مع زوجتي عن أخبار الجيران. لم نجتر الحديث عن مستقبل ابنتنا بعد التخرج من الجامعة: هل نحملّها نير الزوْج أم نير العمل؟! لم نتبادل الخوف حول أجرة المنزل وقسط السيارة. لم احفل حتى بالتمييز في الوظيفة والشارع والجامعة ولا التشكيك في الانتماء لدواعي الأصل والفصل.
كنت فقط أذنا وعينا وأمامي شاشة ومحطات عربية اللسان اكتشفت انها جميعا محطات غير صديقة. على الشاشات غير الصديقة كان هناك مشاهد ربما من ستالينغراد الى يمينها "يهوه" اله اسرائيل الجبار الذي اعترف بابتسامة صفراء أن لا شغل له الا قتل الأغيار وتقبيل أقدام شعبه المختار. كان يتحدث الى المذيعة الغبية في المحطة العربية غير الصديقة التي اعتادت أن تنهي حديثها دائما بعبارة "شكرا جزيلا لك". كان يشرح متوعدا بأنه جعل عاليها سافلها لأنه لم يعد يحتمل الاطفال الذين يرفعون في كل مناسبة إشارة النصر. " شكرا جزيلا لك يا رب اسرائيل ". تودعه المذيعة الغبية بابتسامة.
هربتُ من "يهوه" الرهيب الذي صار صاحب بيت في تلك المحطات بقلب يتقطع من عدو لا اشاهد إلا أقدامه الساحقة، وشقيق لا أشاهد إلا نمرة بسطاره المصنوع في بلد اسمه أمريكا.
في الثامن والعشرين من تموز رأيت دبابات محترقة وجنودا ممددين وجرحى على نقالات ومروحيات تتنظر كشخص يدافع الأخبثين ان يؤذن لها لتفر كهارب من طاعون عمواس. وصدقوني رأيت " يهوه " وقد شق ثيابه وجدع أنفه وخبط على صدره .كان يبكي كأي "وليّة" تولول على حليلها و"يدعو" على "السيّد" .
بالماء البارد استححمت وجلست وزوجتي ساعات نلنلم ما فات من حكايات طرقت ابوابنا فوجدتها موصدة وانتظرت ان نفتح لها فلم نفعل حتى أذن السيّد.
(3)
ابراهيم وحسن
سالوني بدهشة مُزجت باستنكار:" يا إبراهيم لم تطيل النظر في السماء." قلت :"سقيم وتائه وضال. أنتظر من يهدين."
انشق الظلام الكئيب عن نجم موشح بالأحمر ومناجل ومطارق ينضح أملا يداعب قلوب المعذبين. فقلت هو ذا من سيهيدين." لكنه أفل . قلت :" أنا لا أحب الآفلين".
جاءت الشمس وقد بدت كعروس تفيض بهاءً يعمي البصر ويذهل العقول ويحير الألباب.وحدها تربعت في كبد السماء؛ توزع دفأها أو تلهب بحريقها. أرخت جدائلها الذهبية على حواشي صدري، وطلبت أن أفك قيودي، وأنخلع من جذوري، وأصاحب الرياح موسميةً كانت أم سَموماً ما دامت من لدنها. شغلتني سًويْعاتٍ بروعة حسنها ورعافة قدها وطول غنجها ورقة دلالها، واركبتني على سروج اشعتها فارسا يحارب كل من يريد ان يحجبها عن العالم. لكنها ايضا افلت عني وتركتني في الظلام محترقا بالرغبة واعدة إياي بأن تعود. ولم تدر أني لا أحب الآفلين. فأنشدتها : "ما أنت والوعد الذي تعدينني إلا كبارق سحابة لم تمطر"
سقيم وتائه وضال. أنتظر من يهدين .
هذا ما ظللته وهذا ما ألجأني إلى غار الانتظار حتى سمعت هاتفا أن يا إبراهيم قد جاءتك الرؤيا فلم الالتحاف بالخوف والعتمة وقمر السيّد يسطع على التخوم التي احترقت بالقنابل العنقودية وعلى أرواح الرضع التي سكرت بخمر اليورانيوم المنضب فتوسدتْ التراب الى غير رجعة. هذا حسن. الشاطر حسن. السيد حسن يراوغ دليلة المحتالة، ويدق عنقها في حيفا وطبريا وصوته الواثق يرجف القلوب في الملاجئ المحصنة فيما بعد حيفا.
استعرت من الارض شموخها فأعارتني وما بخلت عليّ، وأعطيتها باطن قدمي منتصبا فما خذلتني كامرائها . انتصبت ماردا خرج من قمقمه منتظرا النداء المقدس. صدقت الرؤيا وعرفت من يَهديني، فكان "داري التي عرفتها لأيا بعد توهم".
(4)
وفاة
مع طلوع شمس كل يوم مبدلة مشارقها أدفع الخطا لأشتري جريدة من البقالة الوحيدة التي تحفل ببيع الصحف كما تحفل ببيع الكولا لأكتشف بقلب كسير أن إسمي لم يذكر هذا اليوم أيضا في صفحة الوفيات.
اليوم بدأت على غير العادة بمطالعة المانشيت الرئيسي الذي كان يقول" قوات الاحتلال تتراجع في الجنوب، والحرب تدخل مرحلة ما بعد حيفا" وتحته "اندحار جيش العدو عن قرى بنت جبيل ومارون الراس وعيترون" وتساءلت إن كان عليّ أن ابحث عن اسمي هذا اليوم أيضا. هل سأجد اليوم ما لم أجده منذ ولدت؟ أجل ترددت ثم وضعت أمري في "صينية" العمل المستعجل؛ ققلبت الأوراق بسرعة منطلقا نحو صفحة الوفيات وشهقت : اسمي كان مكتوبا بالبنط العريض وعلى كامل الصفحة.
" انتقل إلى الرفيق الأعلى
أبو عرب المهزوم
عن عمر يناهز عمر النكبة قضاها في الخوف من العدو والصديق والشقيق وولي الأمر وفي اللجوء والتفرق والايمان بالسلام العادل والشامل."
(5)
يدي ما عادت جلادي
بعد ان يستريح الجلاد من الجلد غير المنتظم لا عددا ولا قوة ولا أمدا كان يرمي السوط في وجه أحدنا ويطلب منه أن يسوط رفيقه بكل قوة وإلا قطع عنه الماء والهواء والكهرباء والغاز والكاز والملابس ووضعه في غرفة الجرذان.
كان هذا أول أيام الحبس. ثم لم يعد يطلب. فقد عرف كل منا دوره وصار يجلد رفيقه بقوة وقسوة احيانا. وكان آخرنا حين لا يجد من يجلد يسوط نفسه حتى يخرج الدم واللحم. وكلنا مر عليه يوم كان فيه آخرنا.
اليوم وقفت يمامة أبي فراس الحمداني كعادتها على شباك الزنزانة. لم يسألها احد "أيا جارتا هل تشعرين بحالي" وذلك لأنها لم تكن تنوح. كانت ترفرف.قالت عندي البشرى. " هُزمَت الروم في أدنى الأرض."
كان السوط ينتظر اليد لتجلد. لكن اليد كتبت على السوط بالدم النازف من الظهر والصدر:
" يدي ما عادت جلادي!!"
هل تصدقوني إذا أقسمت بكل الأيمان المغلظة إننا لم نر الجلاد من ساعتها.
08-أيار-2021
11-آذار-2015 | |
15-آب-2009 | |
28-تموز-2009 | |
مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح |
30-حزيران-2009 |
27-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |