قصة قصيرة / قانون النهار في تموز
2009-08-15
من أعمال سعديكن
كان يوم جمعة أصلع الرأس تنعكس الشمس عن أبعاده المرئية خالقة نذرا مبكرة بجحيم لا يطاق. هكذا تموز وإلا فلا!
قلت للمتدرب الذي بدا لي وجهه كثوب غسلته يدي امرأة ساخطة:" لنذهب إلى ساحة الفحص."
وقلت له وهو يصعد بالسيارة شارعا ضيقا: "في هذه الساحة سيحاولون مفاجأتك بطلبات غريبة ليكتشفوا مهارتك الحقيقية في القيادة."
قال: أعرف. إنها المرة الرابعة ..
قلت ضجرا: لا تقلق. معي لا تقلق. كل من خرج معي يوم الجمعة في ساحة الفحص عاد ومعه الرخصة.
قال بعد خمس دقائق:” لست قلقا. دبرت واسطة.”
وقال بعد أن أثخنته صمتا:" سأدفع له عشرين دينارا فقط."
أوقفته في مرتفع.
قلت له أن يحل مبدل السرعة.
وقلت:" بريك وكلتش، ثم بنزين وكلانش، ثم انطلق."
وقلت :"حذار من رجوع السيارة إلى الخلف ولو سنتمتر واحد."
لم يفلح قبل الرابعة. وما يزال وجهه كفوطة رضيع ملقاة في سلة مهملات.
درنا في الساحة حتى رأيته هناك ينظر إلينا. خمسون مترا كانت تفصلنا.
قلت للمتدرب: "طر بسرعة من هذا الشارع. "
وقلت : "ادخل من هذا الزقاق."
وقلت: " من هذا الشارع الفرعي أيضا."
عدة شوارع بين البيوت أسفل الجبل أسلمتنا للشارع القريب من شركة المياه ثم المسلخ، ثم التحقنا بركب السيارات المتجهة إلى مدينة الزرقاء. عند الإشارة الضوئية درنا مع المنعطف بعد أن رأينا الرجل الأخضر لا يتوقف عن الايحاء بأنه يمشي، فقفلنا عائدين إلى أقدم جبال عمان؛جبل الجوفة.
قلت والبعوض والفرح يماحك حنجرتي " أضعناه، ولن يمسك بنا."
بعد عشر دقائق كنا في منطقة تدريبنا المعتادة حين رن هاتفي النقال.
صوت صاحب المدرسة أجش، نهيق حمار عند الغضب وحين يفرح:"أين أنت؟"
كان غاضبا!
نظرت حولي بسرعة. كنا في الخلاء. حولنا جبال مكشوفة العورة، وطرق سوداء معبدة حديثا. مكان مناسب جدا للتدريب. قلت: "في البيت!"
طبعا كذبت!
أعرف أن الكذب حرام. لقد نشأت في بيت يعتبر أنه لولا أحمد بن حنبل لعبد الناس عقولهم. لكني عندما كبرت وتزوجت وفتحت بيتا، فهمت بشكل عام أن الكذب حرام في كل الأمور إلا لإنقاذ النفس أمام الزوجة وأمام صاحب العمل، وأمام الشرطي. ولم أتمكن حتى اليوم من الإمساك بالخيط الذي يربط بين هؤلاء الثلاثة. ولكني أعتقد أن السبب - ربما - في أنك لا تستطيع مناقشة أيا منهم بالمنطق والعقل. أقول ربما .. لأن الخيط من هواء ويفلت من يدي.
النهيق ثقب أذني ثانية:" هل دربت اليوم؟"
إنه صاحب العمل تلقى اتصالا من شرطي برتبة عالية. بيك . مفتش انضباط مدربي السواقة. باختصار أنقذت نفسي.
قال له زهدي بيك إنه رآني أدرب في منطقة ممنوعة، وأدخن في سيارة تدريب وارتدي قميصا أصفر وليس رماديا. وقال إنه لا يعرف ماذا بقي من تعليمات لم أنتهكها.
قلت للمتدرب عند باب بيته إن موعدنا غدا صباحا وأكدت عليه ألا يقلق فقد كان وجهه مثل تنكة صفيح شبع الأولاد لعبا بها.
صباح السبت كان كالمرحوم أخيه جمعة أصلع الرأس مبشرا بجحيم لكل العصاة على الأرض حتى من لم يفعلوا شيئا بعد.
إنه قانون النهار في تموز.
تلقفني صاحب المدرسة بإشارة من يده أن اقترب. كان النقال على أذنه، والابتسامة على شفته وتمتمة تنزلق من على لسانه: معك حقك يا بيك. أكيد غلطان. لا. لا يجوز. أكيد غلطان. تريد أن تكلمه. دعني أرى إن كان قد جاء. يوم السبت يتأخر المدربون بعض الوقت. صحيح. مدللون يا بيك. سأتصل بك حين يأتي.
أغلق الجهاز. في عينيه اشرأبت النظرة التي تعقب إنقاذ الذات.
" يريد أن يعرف من هذا المدرب المستهتر الذي يظن نفسه في صحراء خالية من البشر والقوانين والعين الساهرة. يريد أن يعرف أي نوع من البشر أنت." ونهق. ضحكتي خرجت كصوت بخاخ قاتل للذباب والصراصير.
" قل له إن لي عائلة، راتبي لا يكفي. عمره عشرة أيام فقط ، ثم يتركنا نترحم عليه ونقضي بقية الشهر نقرأ قصيدة "أمحلت".
" لمن هذه القصيدة؟ لم أسمع بها من قبل؟"
" يعني يا أبا راجي أنت سمعت بشعر العرب كله وفاتتك هذه؟ إنها لصعلوك مثلنا اسمه الشنفرى."
" ما علينا، لن يقتنع زهدي بيك. أنت وضعت المدرسة في موقف حرج"
" لم أكمل بعد. قل له إنني استغل يوم الجمعة، وأدرب بالسيارة - دون علم المدرسة -الطلاب الذين سيفحصون في اليوم التالي حتى أستفيد خمسة دنانير أنفقها على الأسرة وان لم افعل ذلك جاعوا يوم الجمعة، والشهر تموز كما تعلم. هذه الحجة قد تنقذ المدرسة على الأقل!"
حين أقفل الهاتف كان وجهه يشع كلمبة توفير الطاقة. " يا أخي لا أعرف من أين تخرج بهذه الحيل والحجج؟ لقد قال إنه متأثر لحالك، وأكد أنه إذا رآك تدرب يوم الجمعة لن يهتم ولو كنت مخالفا للباس المدربين أو أي مخالفة أخرى سيقنع نفسه أنه لم يرك أبدا، ولكن له شرطا واحداـــــــــ"
قاطعته بلهفة:" ها؟ قل! ما هو؟"
" ألا تدرب في منطقة الفحص!"
دخل المتدرب. وجهه ما يزال متجعدا كأنه نام عليه.
" قلت لي ألا أقلق وأنا معك"
" ماذا حدث؟"
" الواسطة اعتذر. قال لي بأنه لا يعرف أحدا في الحقيقة."
جحيم يزفر في الخارج . لا شيء يكسر غلواء هذا الحر. إنه قانون النهار في تموز.
08-أيار-2021
11-آذار-2015 | |
15-آب-2009 | |
28-تموز-2009 | |
مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح |
30-حزيران-2009 |
27-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |