مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح
2009-06-30
أود قبل أن أناقش في عجالة المقال أعلاه أن أوضح أنني لا أنطلق من كوني مسلما يرد على مقال فيه دعوة صريحة لترك معظم ما جاء من أحاديث للرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما كقارئ محايد يقرأ لهذا الطرف ولذاك الطرق المقابل له.
بداية يجب أن نحدد إن كان الكاتب مسلما أم غير مسلم؛ فإن كان مسلما فيتعين أن يكون مؤمنا بأن القرآن كلام الله المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام. فإذا آمن بهذا فيلزم أن يؤمن بما في القرآن. وإيمانه بالقرآن يلزمه بأن يطبق ما يدعوا إليه القرآن من أوامر ونواه. ومن ضمن النواهي ألا يؤخذ جزء من القرآن ويترك جزء. والآية تقول:" أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟" وهذا النعي على أهل الكتاب جاء بصيغة الاستنكار ، وبالتالي لا يقبل من مسلم أن يؤمن ببعض الكتاب ويطبقه، ويكفر ببعضه الآخر ويتركه. ويلزم من أخذ القرآن كله أن تأخذ بالأمر التالي:" ما أتاكم به الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا." ويلزم من ذلك أن نعرف ما أمرنا الرسول به وما نهانا عنه. ويلزم لمعرفة هذا جمع ما قاله وفعله وتركه والتحقق من أنه قاله وفعله وتركه. والا كيف نلتزم بالأمر الإلهي وقد أحرقنا الأحاديث وبددناها أو وضعناها في متحف داخل صندوق زجاجي ملحق بجرس إنذار؟
وهذا ما فعله علماء الحديث في منتصف القرن الثاني. وقد برره كثرة الوضع من الأمويين والشيعة والشعوبيين ثم العباسيين. أما قبل ذلك فكان معظم الصحابة والتابعين أحياء يستطيعون أن يكذبوا كل حديث موضوع. كما لم تكن هناك ضرورة موضوعية تستدعي تدوين الحديث.
وهنا أستاذي الكريم ينبغي أن نتوقف عند سؤال هام: هل رفض الخلفاء الراشدون تدوين الحديث أم العمل به؟
حسب مقال الكاتب الكريم رفضوا التدوين وأحرقوا الصحائف التي وردت فيها الأحاديث. حرقوا الورق ولم يحرقوا ذاكرتهم. والتاريخ الذي لم ترد روايات تكذبه يقول إنهم ظلوا يعملون بالحديث، ويستشهدون بأفعال للرسول عليه السلام، بل إن أبا بكر شن حربا لا هوادة فيها - عرفت باسم حروب الردة - لفعل كان يفعله الرسول عليه السلام وهو أخذ الزكاة . أما حين لا يوجد حديث فكانوا يجتهدون.
ويخبرنا التاريخ الذي لم ترد روايات تكذبه أن الخلفاء الراشدين كانوا يخشون من اختلاط الحديث بالقرآن ، فلا يميز الناس بين هذا وذاك، فيضيع القرآن، ويلحقه التحريف، كما حصل مع أهل الكتاب حسب زعم المسلمين واعتقادهم.
إذن لا يمكن للكاتب العزيز أن يبني على هذه الجزئية – وهي رئيسة في مقاله- لينطلق إلى الدعوة لترك معظم الحديث والاكتفاء بما يفسر القرآن منه. وهنا لا بد من ملاحظة أن الأحاديث التي فسرت القرآن كانت لا تزيد على أصابع اليدين.
أما قضية أن الرسول بشر وهو يخطئ، فهذا صحيح والقرآن قاله والرسول قاله وعاتبه في أخطائه البشرية التي لم ينتظر فيها أمرا من السماء. ولكن في هذا السياق لي ملاحظتان: الأولى هو الاستدلال الخاطئ من طرف الكاتب المحترم حيث يقول: " هو اعتراف منه بأنه يمكن أن ينسى، وبالتالي يمكن أن يخطئ"، فهل النسيان شرط ضروري للخطأ؟ وهل كل من فعل فعلا وهو ناس ترتب خطأ على فعله؟ وهل كل من ترك فعلا وهو ناس له يكون مخطئا؟
أعتقد أن الإجابة الصحيحة هي لا رابط بين النسيان والخطأ. فمن المعروف أن الخطأ ينشأ من الجهل أو الافتقار إلى المعرفة أو النقص فيها، ولهذا من يفعل فعلا دون أن يتوافق مع أصول ومبادئ هذا الفعل يكون مخطئا. لاحظ مثلا أن البنوك حين ترسل لك كشف الحساب تحرص على أن تذيله بعبارة" ما عدا السهو والخطأ" وأنت تسهو عن وضع الهمزة على الألف في "ألف" ولكنك تخطئ إذا وضعتها تحتها. فالسهو والنسيان شيء والخطأ شيء آخر.
ولكني أتفق مع الكاتب – بصرف النظر عن خطأ استدلاله- على أن الرسل والأنبياء يخطئون. ولكني أختلف معه في طبيعة الخطأ كما وصلت إلينا من مصادرها وهي أفعال الأنبياء والرسل. فالرسول عليه الصلاة والسلام أخطأ في قضية تأبير النخل. وأخطأ في الرأي الأول في مكان النزول في معركة بدر. ويرجع الخطأ الأول إلى عدم معرفته بقواعد وأصول زراعة النخل، والخطأ الثاني يرجع إلى قلة معرفته بالتكتيكات الحربية. ويدل رده على أنه رجل صادق مع نفسه ومع من حوله، فلم يدّع – وهو قادر- أن وحيا جاءه في كلا الحالين، بل على العكس نسب الأمر إلى نفسه، وعندها صححوا له "معلوماته".
وهنا رودس فلننصب خيامنا، في الأمور التي تأتي من الوحي لا يخطئ النبي، والا لكانت الأمور عويصة. وفي الأمور الدنيوية تحتمل أفعاله الخطأ والصواب وهو ما لا يفهمه السلفيون ولا يقروا به مع أنه منصوص عليه بلسان النبي عليه الصلاة والسلام. ومن ثم علينا أن نتحرى أمرين: الأول أن يكون الحديث قد ورد فعلا عن الرسول عليه السلام، والثاني ألا يتناقض متنه ونصه مع معارفنا الدنيوية الموثقة والمستقرة والراسخة. فمن غير المقبول أن يقول شخص أن الرسول عليه السلام يقول " لا عدوى ولا طيرة.. الخ الحديث" فالعدوى شيء مستقر معرفته ومثبت ولا يجادل فيه إلا من كانت جمجمته تحتوي على مخ دجاجة. كما لا يقبل التأويل فيقال لا ناهية وليست نافية لأن ما يـُزعم أنه حديث برمته يؤكد أنها نافية. وهذا يعني ألا نكتفي للتدليل على صحة الحديث بالسند بل يجب أن يكون المتن صحيحا لا يتناقض مع القرآن أو المعارف العلمية المستقرة كتلك التي تحفل بها كتب الطب والتشريح وعلم النفس الاكلينيكي.
وختاما لا أعتقد أن الدعوة الصحيحة هي أن نضع أحاديث الرسول في مجلد ونركنها في متحف ونلبس جبة ونقول نحن مسلمون ثم نفعل ما يتناقض معه، فهذا ظلم للرسول ؛ فإذا أردت أن تظلم نبيا أو مصلحا فلا تطبق شيئا مما يدعو إليه. واعتقد أن الدعوة الصحيحة لكل مسلم هي بأن يطبق ما جاء في القرآن وفي الحديث وفق مقتضيات العقل ومتطلبات العصر وبفهم كل أهل عصر لعصرهم دون – وهو الشرط- أن يخل ذلك بثوابت العقيدة ودون تحريم الحلال الصريح المنصوص عليه ودون تحليل الحرام الصريح المنصوص عليه. واعتقد أن المسلم في أي عصر غير ملزم بما فهمه أهل عصر سبقوه مهما قرب بهم العهد بالرسول عليه السلام، وخاصة أن كثيرا منهم اختلفوا في أمور كثيرة مما يعني أن فهما مختلفا كان موجودا، فأي فهم نتبع؟ ولو كان واحدا لوجدنا تاريخا إسلاميا مختلفا عما وصل إلينا.
الموضوع قابل للنقاش لمن يرغب في ذلك
08-أيار-2021
11-آذار-2015 | |
15-آب-2009 | |
28-تموز-2009 | |
مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح |
30-حزيران-2009 |
27-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |