بصيمة بالعشرة
2009-06-27
كلما سمعت أو قرأت أحدا يقول " أبصم لك بالعشرة" على أي موضوع يصيبني الحلمبص فورا. يبدأ الحلمبص في أعلى قمة دماغي ثم يسير كالنمل على القشرة بالضبط، وينزل إلى مركز السيطرة على اللسان فيتدلدل لساني، فأطمْئنُ نفسي أن هذا اسمه دهشة مع أنه نوع من الانفقاس والبله نتيجة لصدمة (تروما بالإنجليزي) سببتها البصمة ذات العشرة رؤوس التي يهديها من لا يفهم لمن لا يفهم إلا لغة البلشتة ( تعريبا لكلمة بولشيتينغ من بولشيت الشهيرة في الأفلام الأمريكية) يعني الكلام الفارغ في باطنه المليء في ظاهره.
وفي لحظات الصدمة اسأل نفسي: يا ولد يا نعيم، إيش اللي بيخلي الواحد أو الواحدة يبصم لواحد غيره بالعشرة؟ هل في الموضوع تنويم مغناطيسي؟ أم دماغ أعلن التفليسي؟
هل كل موضوع يطرح للموافقة يحتمل الصحة 100%حقا بحيث يحظى بالعشرة أصابع مع بصماتها؟
فرد علي الود نعيم وقال: مستحيل.
إذن هناك مشكلة .
وفجأة ، وكنت مستلقيا فقعدت، وكنت قاعدا فوقفت، ثم جلست. وعلى وجهي قترة ، وهذا يحدث عندما يتوقف الحلمبص عن العمل نهائيا، ويتدفق الادرينالين الصناعي( أنا أتناول حبوب صناعة صينية لزيادة سرعة الجملة العصبية لكن مفعولها لا يدوم انتم تعرفون مشاكل الصناعة الصينية) في الفص الأيسر من دماغي، ويبزغ الجواب للمشكلة على شكل شرارة كتلك التي تنتج عن شورت كهرباء أو كونتكت – لا تدققوا كثيرا هذه كل معلوماتي في الكهرباء .
المشكلة ليست تحديدا في الأصابع العشرة نفسها بل في صاحب الأصابع.
من المعروف أن جسم الإنسان غالي عليه. فلو جاءك شخص وقال أعطيني عينك أو رجلك أو يدك فستعتبره مؤجرا للطابق الأعلى من جسمه ( يعني مجنون) وتقول له ربنا يشفيك، أو قد تعتبره من عصابات سرقة الأعضاء فتزعق زعقة خائفة تتبعها الراجفة طلبا للشرطة وعليك أن ترجو الله أن لا تأتيك شرطة الآداب.
ولأن كل قطعة من الجسد عزيزة، فإن الأصابع أيضا عزيزة وخاصة على الكاتب ؛ فبها يمسك القلم، وبها يضرب على لوحة المفاتيح، وبها يكتب آراءه بكل شكل ولون.
وأصابع الرسام النحيلة الدقيقة عزيزة عليه فبها يمسك الريشة، ويحول مشاعره إلى تكوينات لونية غاية في الروعة.
ولهما فيها مآرب أخرى بالطبع كلحسها بعد الأكل مثلا واستعمالها لتفريغ طاقة مفاجئة في الأماكن المزدحمة مثلا.
ولهذا فالأصابع شيء رائع ومميز ومهم للإنسان الحر المفكر الحساس.
الأصابع محترمة يا خلق.
الأصابع نعمة الله علينا.
وأعظم ما في الإصبع البصمة التي ميز الله بها كل مخلوق عن الآخر.
ركز معي.
أنت تعرف أنه لا توجد بصمة تضاهي بصمة أخرى في الكون.
من ناحية يدل هذا على عظمة الواحد الأحد الذي يستطيع- وغيره لا يستطيع – أن ينوع إلى ما لا نهاية في الشيء الواحد المتشابه (أي أن يوجد المختلف في المتشابه ولا أعرف لماذا يذكرني هذا بكتاب أدونيس (الثابت والمتحول) مع أني لم اقرأه خشية أن أقتنع بما يقول وأبصم له بالعشرة؟!)
ومن ناحية أخرى البصمة تميزك عن غيرك.
الآن تخيل أن شخصا ميزه الله عن غيره بالبصمة فأعطاها هذا لغيره بسهولة ويسر واستهتار. ومش بس كده: أعطاه العشرة.
ويقول له بكل غباء : أبصملك بالعشرة.
يا شيخ اتلهي. أنت تعتبر البصمة شيئا تافها. لو كانت تافهة لما ألقي عتاة المجرمين بسببها في غياهب السجون. ولما قبلها الشهر العقاري، ولما قبضت راتبك عن طريق الصراف الآلي.
فيا أيها الذين يبصمون بالعشرة،
لا تكونوا كتلك الحشرة،
فرحت بأرجلها الأربعة وأربعين
ومشت بسرعة إلى الكمين
فداستها أرجل الحاقدين
وقال أصحابها:
إن هي إلا حشرة
حشرة قذرة.
وختاما، كلي أمل أن نعطي بصمة واحدة فقط لمن يستحقها يقينا، وأن نحتفظ بالتسعة الأخرى لتشكل كفين قادرين على صفعه إن زعزع ثقتنا فيه وطلعنا حمير.
نعيم الغول
كاتب أردني
حالِف
08-أيار-2021
11-آذار-2015 | |
15-آب-2009 | |
28-تموز-2009 | |
مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح |
30-حزيران-2009 |
27-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |