لطالما حاولت جاهداً ألا أؤمن بشيء ، ولكن مع مرور الوقت أدركت ان محاولاتي تلك لم تكن سوى إيماناً من نوع آخر ، إيمان بقدرتي على الكفر بكل شيء.
********
أين تكمن الحقيقة ؟!!
لا أعلم ولربما لا أحد يعلم ، لكنها _وأكاد اجزم _ بعيدة كل البعد عن الإيمان الواعي ، واللاإيمان الواعي ، لعلها ميزة خاصة يتميز بها أشخاص دون غيرهم _اللامؤمنون و المؤمنون_ باللاوعي ، او بمعنى آخر " الواهمون" .
يبدو انني انحرفت عن النقطة الرئيسية : " الحقيقة" ، لا بد أن حديثي ها هنا اتخذ منحى آخر ، منحى البحث عن الراحة ، عن السلام _ الداخلي تحديداً_ .
**********
لعله لا يحق لي إصدار الاحكام من موقعي هذا ، لكن ألم يكونا على الدوام _ الحقيقة والسلام _ ألم يكونا مضطردين دوماً ، أي ان احدهما يوازي الآخر ، يفرزه ، ويعتاش منه ؟!!!
الحقيقة توأم السلام؟!! لعلها تكون كذلك إن أردنا مناقشة الامر من مفهوم اصطلاحي ، مفاهيمي ، لكن يصعب علينا _ أو عليَّ _ فعل ذلك ، ذلك أن المفاهيم المجردة لا قيمة لها لديَّ ، أو كل ما ليس له علاقة بي _ بكوني إنساناً _ .
رباه ، لا استطيع التوقف عن تحوير الحديث باتجاهي .
ما سبب ذلك؟!! لا أعلم ، لكن على اعتبار انني المتكلم هنا ، فإن الأمر يعنيني مباشرة ، ولا ضير في ان يحوم الحديث حولي ، أستطيع تقبل هذا _ مبدئياً _.
إذاً ، الحقيقة توأم السلام ؟!! ربما تكون كذلك ، اصطلاحياً ، مفاهيمياً ، لكن في الواقع المعاش ، الإنساني ، الحيِّ ، هي ليست كذلك ، مطلقاً .
لم؟!! الأمر يمكن فهمه ببساطة لا تحتاج الشرح مطولاً ، يكفي للقارئ تتبع خيوط الحديث حتى يكتشف الخدعة .
ابتدأت بالسؤال عن الحقيقة ، _ما الحقيقة؟!! _ السؤال المخادع ، المداهن ، المتلصص من ثقب اسفل البوابة ، ليرى الخارج الرائع ، الحرَّ : السلام؛ وهو الامر الذي ما لبثت انتقلت اليه في مجرى حديثي السابق .
أي أن الحقيقة ذريعة للوصول للسلام ، والسؤال عن ماهيتها ، إدعاء ، مداهنة لحين طرح السؤال الإنساني الأهم : أين أجد طريق السلام ؟!!
ولأن طريق السلام المتمثل بالحقيقة وعرٌ يلجأ الناس عامة لأحد طريقين ، الأول يتجلى بتقديس الحياة على اعتبارها هبةً ، فيرى معتنقوها الأشياء حقيقةً ، كل شيء حقيقي ، مدعاة للتبصُّر ، ورأس خيطٍ يقودُ نحو الأصلِ ، نحو الله وأشياء اخرى مشابهة يمكن اختزالها جميعاً بلفظة "الحقيقة"،
على ان هذا الطريق هو ما اطلقت عليه سابقاً " الإيمان اللاواعي" أي الإيمان المطلق ، الأعمى ، والخال من اللبس .
أما عن الطريق الآخر ، النقيض ، الساعِ معتنقوه لنبذ الحياة ، ولضغط الأشياء جميعاً وتكديسها في حفرة العدم واللامعنى ( لا أصل ، لا إله ، ولا حقيقة) تلكم هي الحقيقة المطلقة.
هو ذاك اللا إيمان اللاواعي ، المطلق أيضاً ، والخال من اللبس كذلك.
"الواهمون بمعنى آخر" ، لم هم كذلك ؟!! لأن كلا الطريقين بالإمكان دحضه بالآخر ، على قدر متفاوت من السهولة والصعوبة ، ولك ان تدرك التفاصيل الهائلة الجائز تحليلها في الإيمان المطلق ، والعدم المطلق.
لا شيء حقيقي ، وكل شيء حقيقي ، الضد بالضد ، رُبعا الحقيقة ، نصفها.
والنصف الآخر بيدنا ، نحن المؤمنون واللامؤمنون الواعون ، أعداء المطلق .
ولأن الوعي يستوجب الشك ، فسيظلُّ نصف الحقيقة غائباً ، والسلام بعيداً عن الإدراك.
أكاد أجزم بذلك لولا علَّتي الآنفة ، علة الكفر الواعي.