قصة / سجود
2007-01-08
خاص ألف
جباههم التصقت بحافتي الطريق حاجبة شمس الأصيل ولم يعد ير منهم سوى أعجاز جامدة تنبئ عن قحط القرن الثامن الهجري وبرودة جبال مونغوليا. سجدوا جميعا إلا واحدا كان ينظر بإنبهارشديد إلى موكب الخان الأعظم.
لوكان في عصرهم سيارات للمواكب لسمع الجميع صوت الكوابح وهي تزعق كامرأة فقدت وحيدها ولخمست وسدست في الشارع موقعة عشرات الضحايا. ولكن الموكب الخاني
كان مجرد هودج
على جذعي شجرة يحملها بضع عبيد فيما تحيط به الجند مشيا على الاقدام وقد توقف الموكب
فجاة ولكن دون صوت وذلك حين اشارت الجارية الحسناء وهي تغطي فخذيها العاريين وترفع رأس جلالته عن صدرها وتشير الى الرجل الواقف كالفزاعة في حقل من السنابل الحبلى ببذورها.
اشار الخان الى الحرس فاوقفوا الرجل الذي اخذ يمسح التراب والدم عن وجهه وينفض ملابسه بعد شحطه على الارض للمثول الى حضرة الخان.
ساله الخان وهو يغالب عاطفتين : الغضب من هذا الوقح قليل اللياقة قليل الاحترام قليل الحياء الذي قطع عليه خلوته مع جاريته في قارعة الطريق إذ الناس سجود، ولو فعل كثير فعلته فلن يتسنى لجلالته التمتع بنهديها بعد اليوم. والثانية الخوف من أن يبدو عليه علامات الضعف إذا سامحه وعفا عنه فيستغلها الطامعون في ملكه.
لمَ لمْ تسجد مثلهم؟
سؤال قديم قدم إبليس لكنه الآن جديد :
أنا غريب.
ولكنك في مملكتي. وفي مملكتي يسجد الجميع.
أنا غريب في مملكتكم ومن قوم لا يسجدون إذا مر بهم موكب الخان وهو على كل حال يمر مسرعا كمن يمر من أرض خسف.
ولكنك يا هذا في مملكتي وليس بين قومك.
ولكني غريب في مملكتك وليس لي فيها شيء ولا يجوز علي ما يجوز على شعبك. أنا يا سيدي كامريكي خارج بلاده مع الفارق بالطبع.
انت تهذي . في مملكتي يقتل من يعصون الخان. افصلوا راسه عن جسده واطعموا جسده لكلاب القصر.
خر الرجل ساجدا ثم نهض. ساله الخان وقد بدت علامة الارتياح على وجهه:
ها انت تسجد ايها الغريب. أما كان أجدى لو فعلتها دون خوف.
لم اسجد لخوف يا سيدي بل لأنني من قوم يسجدون إذا أمر الخان بقطع رؤوسهم فيدعون عليه أن يموت كميتتهم.
اهتز الخان وصرخ في الحرس : خذوه وعذبوه عذابا شديدا ثم اتركوه يموت. اياكم أن يشرب ماءا أو يأكل طعاما اريد أن يموت كالسردين المجفف.
فخر الرجل ساجدا. هذه المرة لعب الأمل كثيرا في ساحات قلب الخان وساله وهو يغالب وقاره: هل عدت الى رشدك الآن؟ أم تدعو علينا "يا ناكر الجميل"؟
قال الرجل بهدوء ناسك: لم افقد رشدي ايها الخان. سجدت لأن هذا آخر شيء يفعله الواحد من أبناء قومي إذا حكم عليه الخان ظلما بالموت.
أطلقوا سراحه واطردوه من مملكتنا و رافقوه حتى الحدود ولا تسمحوا لأحد من قومه بالدخول الا بتاشيرة مختومة مني شخصيا.
خر الرجل ساجدا. فسأله الخان وهو يشد لحيته غيظا:
لماذا سجدت الان. كل اسباب السجود التي اخترعها الملوك والانبياء انتهت فماذا بعد؟
سجدت شكرا لله الذي أذهب عني السوء وسيعيدني الى أهلي ووطني سليما وقد ظننتني كمعتقلي بعض البلدان الذين لا يعودون أبدا ولا يطالب بهم أحد.
لا تطردوه واعطوه ما يشاء من القصور والأراضي والفلل والدواب والجواري وقد انعمنا عليه بلقب "أتابك" ومنعنا ان يسأله احد إشهار ذمته ومنحناه حصانة حتى بعد موته.
سجد الرجل. فأغشي على الخان ساعة قام بعدها وقد تبدد كل ما عليه من وقار:
يا ابن الزانية ما يجعلك تسجد الان؟
غلبني كرمك يا مولاي فصرت من أهل مملكتك وواحدا من رعيتك ونلت ما يناله عند قومي من يمصون دم الشعب ويسرقون قوته ويسودونه ويدوسونه أفلا أسجد احتراما لجنسيتي الجديدة؟!
ايها "الأتابك" إن لك لسانا يغريني بالسجود لك ولكن الخان الأعظم هنا لا يسجد الا للخان الأعظم في روما فاخف لسانك في حنجرتك فهو يغريني أيضأ بأن احتفظ به بين الأشياء النادرة المحببة إليّ .
ثم أشار الى الموكب لينطلق واستدار بسرعة الى الجارية خاشيا أن يكون نهداها قد سجدا أيضا.
08-أيار-2021
11-آذار-2015 | |
15-آب-2009 | |
28-تموز-2009 | |
مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح |
30-حزيران-2009 |
27-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |