قصة / حكاية أبي الغبراء
2008-01-01
يحكى أن رجلا كان اسمه أبا الغبراء.. ويحكى أن أبا الغبراء أوجس من معدته لؤما لطول مجافاة الطعام لها. ويحكى أن أبا الغبراء أحس من عضلاته وهنا لطول بعد العمل عنها. وانه أحس من جيبي سرواله التصاقا بلحمه لطول بعد الدرهم والدينار عنهما.
ويحكى أن أبا الغبراء سعى في غبراء المدينة التي يراها الزائر ترفل في ثياب النعيم. وتراقصت أمام عينيه سلع جاءت بها الجمال من الهند والصين . سعى في طول المدينة وعرضها باحثا عن عمل يشعره انه حلقة في السلسلة الآدمية. وكان من نقص مروءة معدته أن جعلته يسكب ماء وجهه على الطرقات . لكنه عاد من رحلاته تلك وقد سُرق خفاه، وأدمى الصفع قفاه، ونُظِـّف بالبصاق خداه.
ويحكى أنه كان لأبي الغبراء شيخ مُلهَم لا ينطق إلا ما يُفهَم .
فشكا أبو الغبراء لشيخه ما يلقاه من فاقة وبطالة، ومعاملة لا تخلو من نذالة رغم أنها زينت بألفاظ ذات جزالة. فقال له:" احفظ عني ثلاثا تكن أغنى الناس: عليك بالصبر ، وطاعة ولي الأمر، والسكوت حتى تبيت في القبر".
ويحكى أن أبا الغبراء نام ذات ليلة وقد وضع جيبيه ومعدته وعضلاته على يمينه، وولي الأمر وشيخه و أهل مدينته على شماله. ولما اشتعل يمينه بالثرثرة والوشوشة أو ما يسميها شيخه وسوسة، ونام شماله في أحلام خالطها العسل، رأى فيما يرى المحبحب * أن عضة الجوع أخرجت روحه، وان قبرا واسعا فتح له؛ فبات فيه وهو يحمد الله على انه قد صير ،ولزم وصية مولاه الشيخ. ثم إنه رأى نفسه وقد قام ومشى في عبقري الليل، فجاء حانوتا كان قد مر به أياما لم يردع عينيه فيها عن البحلقة فيه، و ترك دفة مركب خياله ليجنح على أمواج ما يرى من طيبات ما رزق الله غيره. تلفت حوله فلم يجد إلا ظَلاما يمسك بخناق ظَلام ،وسكونا يمد له حبل الطمأنينة . فكسر الباب وأخذ ما اشتهى من الطعام.
ولما عاد وجد الجميع نيام. فأيقظ معدته ،ودفع إليها بالطعام ،وأيقظ جيبه وحشاه بالدرهم والدينار. وضرب على عضلاته انتظارا للغد.
في الليلة التالية طلب من معدته وجيبيه أن يخلدا إلى النوم، ولا يأتيا بحركة تثير من على شماله، واصطحب عضلاته، وانطلق يجوس في المدينة بحثا عن حانوت آخر. وفعل مثل ما فعل. وصرف خاطرا مر مرور أبله أمام حكيم يقول إنه سمع همهمة وأشباحا. وعاد حاملا غير الطعام وغير الدرهم والدينار.
في الليلة الثالثة غزا حيا جديدا . وبدا أن الأبلهَ صاحبُ لب. فالأصوات التي تخيلها في ليلتيه المنصرمتين كانت حقيقة لا خيالا. فكأن المدينة تعج بالأشباح.
مشى ملتصقا بالجدران حذر المس من أشباح الليل، وعسكر في خياله أشباح النهار فازداد حذرا. ووصل إلى حانوت. مد يده بالفأس ليكسر بابه. لكن يدا قبضت على ذراعه.
" ماذا تفعل يا هذا؟"
فر الدم من وجهه، واللعاب من فمه، و أعقبته رمال جمدت لسانه، وصكت فكيه. لكن العجلة في رأسه كانت لا تزال تدور. قال له عقله إن الصوت مألوف. لكن لسانه الرازح تحت غزو رعب اللحظة انعقد.
اقترب صاحب الصوت، والصق وجهه بوجه أبي الغبراء حتى شم هذا رائحة البصل من فم ذاك الذي انفتح ليهتف بذهول:" أبو الغبراء؟!"
كان التصاق الوجه وتكرر الصوت كافيين ليهتف هو الآخر مندهشا: " جاري أبو القار؟"
قال أبو القار:" إذن فقد صرت من أهل الليل ؟ ها أنت ترانا منتشرين أكثر من أهل النهار"
فرد أبو الغبراء وروحه تنشج:
" نحن أغنى الناس!!"
08-أيار-2021
11-آذار-2015 | |
15-آب-2009 | |
28-تموز-2009 | |
مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح |
30-حزيران-2009 |
27-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |