للثلج أوهامه أيضا
2008-02-01
اليوم الأول
التصقت أنوفهم بزجاج الشبابيك ترقب المقطوعة الموسيقية التي تعزفها السماء، و تتساقط ألحانها قطعا بيضاء يلاحق بعضها بعضا حتى تقع على الأرض منتظرة ما تبقى من الحان لتكتمل سيمفونية الفرح تهلل وجه أبي محمد وغمغم "موسم خير إن شاء الله" .
ومن وراء نافذة بيت مجاور ، هتف أبو سالم وهو يستمع إلى أنباء تعليق الدراسة و الدوام في المؤسسات، وإلى النصائح بالبقاء في البيوت :" نرتاح يوما ثم نعود .. الثلج بشرنا بالخير ".
وفي بيت قبع منزويا بوحشة في آخر الشارع، سرت رعشة في قلب امرأة شابة وحيدة ، وهي تلاحق بنظراتها زخات الثلج ، وترفع بصرها إلى السماء ،وتهمس ،و بياض الثلج ينداح في ثنايا صدرها " الثلج .. الثلج .. لعلها العلامة بأن توبتي قبلت!"
اليوم الثاني
التصقت أنوفهم بزجاج الشبابيك ترقب تساقط الثلج وقد ازداد غزارة ، وسد الطرقات ، وتراكم على الأسطح، و تشربته الأسقف حتى دلفت .
تذكر أبو محمد محل " النوفوتيه" ، و الديون المتراكمة ، و الفواتير غير المسددة ،والشيكات التي أعيدت من غير رصيد،و التي ستعاد . غمغم ورئتاه تلاحقان الأوكسجين الذي فر من الغرفة فجأة " أنا بحاجة لكل يوم .. لكل ساعة ".
ومن وراء نافذة بيت مجاور ، نظر أبو سالم إلى السماء ؛ فتسلل لونها الرمادي القاتم إلى صدره. أطلقت زوجته ملاحظة بأن الغاز والكاز و المؤونة قد نفدت جميعا ؛ فانفجر كبركان حبيس " أتشربون الكاز والغاز . ليس في جيبي ما يكفي لبقية اليوم ، الجراج مغلق .. الطرقات مغلقة ، أنا خلقت للشقاء وليس للراحة ".
في البيت الذي قبع منزويا بوحشة في آخر الشارع رن جرس الهاتف . ترددت قليلا ثم رفعت السماعة . جاءها صوت هادئ مألوف، ذكرها بصوت صنارة تلقى في بحيرة تبحث بتعب وأمل عن السكون :" أصحيح ما سمعناه ؟ يقولون انك تبت ؟! مبارك .. العقبى لنا .. ما رأيك لو أجلتها قليلا ؟! يعني حتى تحصلي على الصور "إياها" !! أنتظرك في المكان نفسه !"
اليوم الثالث
أشرقت الشمس ،وصفا الجو ،واشتاق زجاج النوافذ للأنوف التي كانت تتلصص على الثلج . حمل كل رجل من رجال الحي رفشا ، و انطلقوا خارج بيوتهم يجرفون الثلج بغضب مكتوم .. ومن البيت الذي يقبع بانكسار في آخر الشارع ، خرجت المرأة الشابة وسارت في الطريق الطويل مشية أسير متعب .. نظرت إلى الأفق البعيد منتظرة موسما ثلجيا آخر يغسل الصور القديمة و يمحوها .
و على حواف الشوارع تكوم الثلج ، واختلط بآثار عجلات السيارات فغاب بياضه ، و أدار الجميع ظهورهم له منتظرين بفارغ الصبر أن يذوب إلى غير رجعة.
08-أيار-2021
11-آذار-2015 | |
15-آب-2009 | |
28-تموز-2009 | |
مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح |
30-حزيران-2009 |
27-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |