هستريا الجسد!!!!!
2006-09-12
الجسد الانساني صانع الاسئلة الازلي ومكمن سرانيته الغائرة ،هو الكينونة الاولى التي انكشفت على المجهول والطبيعة والمعرفة والموت ، وهو الساحر القديم الذي ادرك سر النار وسر اللذة وتلمس رعشاتهما البكر .. هذا الجسد يحيلنا دائما الى لعبته المقدسة في الغواية ، حيث المراودة والافتراس !!يحرضنا على الخطيئة النبيلة ويكشف لنا اسرار صنائعه في اغواءات ألقرابة والحوار والمزاج.
ازاء هذه الحضورية والطقوسية الباهرة، يبدو الجسد وكأنه بنية كليانية خالصة، له مرجعياته في الانطولوجيا وفي المكان !!وفي صناعة خطاب الجنسانية الباعث على استحضار رمزية الانوثة وشفراتها عبر ترسيمة ثنائية المقدس/المدنس، وثنائية الكفّ والاندفاع !! وفي اقتراح نصه المضاد النافر من تاريخ قمعه المكين المحكوم عليه باللاوجود كما يقول فوكو... هذا التوصيف يجعله امام شخصانية العرض دائما، اذ هي الباثة للشفرة ، مثلما هو الجسد ذاته الجوهر في الخصب و المركز في الوصال والاستيهام ، ولعل ادوار الجسد ومستوياته تلك تتحول في السياق الى صلات متشابكة لها مراكز وسلطات واقنعة عرض متعددة ، وهو ما يجعله التحدي الاكبر لكل مفاهيم العقل وثوابته كما تراه سوزان سونتاج ..
لقد كانت ثقافة الجسد مركزا ايروسيا في جوهر نظرية الخلق ، وهذا ما جعله مصدر الاثارة القديم الباعث على انتاج تلك العلاقات المنسوجة الصلات للسلطة والمعنى والقناع ،، ليس لان الجسد حامل اللذة ،بقدر ماهو الحامل السسيوثقافي الذي تتجوهر عنده المقولات العقلية واللغوية وانماط الاستعراض و التي جعلته في نوبة من السيولة والجريان ،،اذ تبدو هذه الاستعراضية اشبه ما تكون رغبة عميقة في تفكيك تاريخ الصمت الجسداني واعادة انتاج نصه الاحتجاجي في سياق علاقات قرابية اخرى واكثر تمثلا ل(جريان وسيولة) الجسد !!!!تبدأ من شيوع ثقافة الجنسانية المعاصرة في المناهجيات الجديدة( غير القهرية كما هي عند فرويد ولاكان) التي جاءت مع كتابات سيمون ديبوفوار ورولان بارت وميشيل فوكو وجاك دريدا ،، وتنتهي بثقافة الاستعراض التي تحولت في الفنون الاوربية المعاصرة الى صناعة خالصة لها نظمها الانتاجية والتسويقية ، ولعل نموذج مثل مادونا وشاكيرا يمثل خرقا لسياقات العرض المألوفة في تقديم اللوحات الجسدية التي تحتشد بها علب الليل ،اذ يمثل العرض هنا نزوعا الى توليدات في فكرة المراودة ذاتها كنسق لا يمكن السيطرة عليه لانه يقدّم جسدا متعاليا !!!! وهذا النزوع ارتبط ايضا بآليات العرض التي أخذت تقدمها الكليبات الغنائية كنوع من صناعة النص الاغوائي الذي يحمل في جوهر احتجاجا عميقا لتاريخ المسكوت والمقموع عنه في ثقافتنا الجسدانية في اغلب افلام هوليود وغيرها والذي امتد الى الاغنية العربية الجديدة في نمط انتاجها للكليبات الغنائية !!فنماذج مثل نانسي عجرم وأليسا وروبي ووهيفاء وهبي ومروة وغيرهنّ لاتنتمي الى تاريخية تقديم الجسد في سوق الرقيق القديم !!
فالجسد هنا يملك ايهاما في سلطة المكان والعرض مع وجود عزلة اباحته للعامة ،فضلا عن انه جسد تأويلي يقدم لنا رؤيته للمعنى المضاد للمعاني المبذولة والمتداولة كجزء من ثقافة التابو وثقافة الوصايا التي جعلت الجسد نصا ثقافيا مملوكا لمؤله وليس نصا طبيعيا !!
فنموذج نانسي عجرم بطفولته وعفويته واثارته يأ خذ طابعا هو اقرب للطبيعة التي لايحدها المعني او يقدمها التاويل ، ففكرة العرض الطبيعي تقوم على اساس صناعة الجسد باعتباره نصا شهوانيا تصوغه تقنيات العرض بالطريقة التي تحرض الحس والغواية وجاذبية التلقي/ المشاهدة،
وكذلك نموذج اليسا الاكثر استخداما لنصي الصورة واللغة ، اذ تأخذ صورة الانثى/نموذجها طابع كامل الغواية عبر ربط هذه الصورة مع ايهامية اللغة التي تصنع لها بخصوصية فائقة يمتزج فيها مهارة العرض/ النص الاغوائي مع مهارة الصوغ الايحائي/ نداء الانثى/ بوحها/ اعترافها ،وهذا يدخل في لعبة اعادة انتاج الجسد الاستعراضي عبر الايهام به خارج المكان القديم ،سوق الرقيق/ بيت الحريم / الجواري/ المبغى/ الملهى/ علب الليل.. كما ان نموذج هو اقرب الى الفجاجة الاستعراضية الذي يمثله نموذج المطربة روبي يعكس الجانب الايروتيكي في عرض النص الجسداني وفق صياغة تدخل في اطار تعويضي مباشر ،اذ يعمد صانع نصها الى توليف العرض الجسدي على شكل رسالة الى اعمار معينة والى امزجة مرضية تؤمن بالعرض المباشر كنوع من التعويض الايهامي المقابل لسايكولوجيا الحرمان والاحباط والفشل ..واعتقد ان النص (الروبوي) هو النص الاقرب الى ما يمكن ان نسميه بالهستيريا الجنسانية !!!
ان محور الثقافي/ الجسدي الذي شاع في ادبياتنا المعاصرة مع كتابات فوكو حول الجنسانية ومع طروحات نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي يمثل نوعا من التمرد على تاريخ الفحولة وتاريخ العرض الذكوري التاريخي ،وهذا المحور رغم كل التابوات والتدنيسات التي تجد فيه خطابا في اعادة انتاج الخطيئة ! الاّ انه يعزز فاعليته في ثقافتنا المعاصرة ليس كخطاب تنويري وانما كمنظور اشكالي متفرد تنعكس تأويلاته وقراءاته على الكثير من انماط المتداول الثقافي باعتبار ان فضاء الجسد هو مادة الحبس والتحريم في سياق الكثير من الثقافات والمعتقدات ،وان التعاطي معه نصوصه في المشاهدة/ العرض وفي القراءة يجعلنا نؤشر معطيات الوعي وانعكاساتها على البرامج الحداثوية التي تضع هاجس الصناعة الصورية مادتها الجوهرية ،وهذه الصورة لايمكن ان تكون نصا في التأثير دون الجسد باعتبار هذا الجسد النص المكشوف والنص المؤّول والنص الذي يصنع متلقيه ...
08-أيار-2021
29-تشرين الأول-2006 | |
12-أيلول-2006 | |
06-أيلول-2006 | |
12-تموز-2006 | |
22-أيار-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |