نجيب محفوظ// موت صانع الحكاية !!
2006-09-06
خاص ألف
قد يبدو موت نجيب محفوظ طبيعيا وخاضعا لقانون الفيزياء البشرية ،وقد يبدو مثيرا عند البعض ومحرضا على الكتابة ،لاننا حريصون دائما على الاحتفاظ بالحياة ،، وان حضور الموت هو مفاجىء أبدا ،لذلك بكى الباكون بحرقة وناح النائحون وحتى الذين لم يلامسوا عوالم نجيب محفوظ الاّ كونه ظاهرة ثقافية مصرية اكثر مما هي عربية !!!
ان الكتابة بافراط عن الموتى هي ظاهرة شرقية بعمق ،لان العقل الشرقي يؤمن بصناعة الخلود الظاهراتي ، رغم ان نجيب محفوظ من اكثر الكتاب الذين اشبعوا كتابة ، واكثر الكتاب القريبين
من الذائقة التقليدية كونه الحكواتي الاول وكونه الاكثر مهارة في نقل الموروث والثقافة الشعبية المصرية الى الذائقة العربية !!فضلا عن كونه احد الشهود الكبار على (القرن السياسي) اذ ولد محفوظ في بداية القرن العشرين ومات في بداية القرن الواحد والعشرين ! وكأن المسافة ما بين موته وحياته قرن من المخاضات والتحولات والصراعات والصناعات الفكرية والسردية ،واعتقد ان زمن نجيب محفوظ لم يكن زمنا تقليديا !! فهو لم يكن جمهوريا بالمعنى الثوري للجمهوري ،ربما كان اقرب للشخصية المحافظة التي تكتفي بالرصد والمراقبة ،وهذه الممارسة الباربوسية جعلته يصنع حيوات وشخوص يحملهم افكاره الواقعية والاحتجاجية ،واظن ان هذه الشخوص كانت متجوهرة حول مواقف معينة ،لم يشأ الروائي الكبير ان يجد لها تخريجات ايديولوجية لكنه وجد لها مجالات حكواتية ونفسية ومناخات يمكن من خلاله ان تصنع لها ومكانا حلما ،وحتى موقفا !! فبطله الثوري في الثلاثية ،وحتى بطله في القاهرة الجديدة لم يكن بطلا مؤدلجا او حزبيا ،بقدر ماكان بطلا اجتماعيا يتمثل روح طبقته ذات المزاج الثوري الرومانسي ، وحتى بطله المتمرد في اللص والكلاب او السمان والخريف وغيرها لم يكن الا بطلا ثقافيا ،اصطنع له مزاجا متمردا على اجواء نفسية ولم يكن منخرطا في التحولات العميقة التي كان يعيشها المجتمع المصري..
ان محفوظ الروائي والصنايعي الماهر يحتفظ بخاصية المراقب الدقيق ، والباحث في سرانية الزمن والمكان عن النبض الحميم لحيواته وشخوصه ،ولعل سعة التفاصيل وتعدد الشخصيا ت واتساع مستوياتها البنائية دليل على ذلك ،واظن انه القائل ، ان كثرة شخصيات الثلاثية وطبيعة الزمن الاشكالي والمتراكب الذي تتحرك فيه جعلني اصنع لكل شخصية ارشيف خاص لكي اتابع حركتها ونموها في الزمن الروائي !!
كما ان نجيب محفوظ المثقف والباطني السياسي ،جعله في مرحلة ما بعد الرواية الرمزية ان يصنع لنا فضاء روائيا آخر يختلط فيه الواقعي الاجتماعي مع الواقعي السياسي ، خاصة في روايات حب تحت المطر ،الكرنك والتي صنعت لنا ابطالا قلقين هم نتاج التشوهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع المصري بعد انهيار هالة الدولة الرومانسية الابوية ،
لم ينحز نجيب محفوظ للقضايا العربية بشكل واضح ،وظل فضاؤه المصري هو الاثير لديه في تلمس هواجس الانسان وتحولاته ،ولعل اية قراءة معمقة لروايات نجيب محفوظ نكتشف هذا المزاج الخاص في صناعة الشخصية المركزية المصرية باعتبارها شخصية تتقارب فيها مكونات الشخصية الفرعونية والشخصية الاسلامية ، وأكد ذلك محفوظ ذاته في كلمته اتي القاها خلال فوزه بجائزة نوبل حينما قال ان سليل حضارة عمرها سبعة الاف سنة هي الحضارة الفرعونية وسليل حضارة عمرها الف واربعمائة سنة وهي الحضارة الاسلامية ،اذ امتزجتا هاتان الحضارتان في مشروعه الثقافي ..
ان روايات نجيب محفوظ مدرسة واسعة، تعلمنا فيها مهنة الحكي والسرد وكيف لنا نحن الذي تورطنا بمهنة الكتابة ان نصنع جملة روائية رشيقة وموحية ،وادركنا من خلال رواياته التعرّف على عوالم خاصة وسرية لشخصيات مركبة في المجتمع المصري ، الاب القاسي والهش من الداخل ، السياسي الانتهازي ، المرأة الحالمة والمنكسرة والضحية ، البطل الاجتماعي والثقافي ، عوالم الراقصات/ العوالم ،شجون الحارات والعوامات والاسواق وابطاله البرجوازيين الصغار وانحيازه الوجداني والتصويري لهم ،وكذلك ابطاله الاحتجاجين والبهاليل الذي قدمهم في روايته ثرثرة فوق النيل ،والتي تعد من ابرز الروايات الاحتجاجية في الادب العربي،
ان موت نجيب محفوظ يعيدنا اسئلة الى المربع الاول ،هل مات اخر الواقعيين في ثقافة لغتنا العربية ؟ وهل مات زمن ثقافي عربي اكتملت دورته مع نهاية نجيب محفوظ؟
ازاء هذه الاسئلة ،ثمة من يقول اننا بحاجة الى ادب ثقافي يعيد تلمس الشخصية العربية في مكانها ومحنها وتحولاتها المرعبة وطبيعة شخوصها وانماط حياتهم وثقافاتهم وامزجتهم ومرجعياتهم ،ويمنحنا لذة الانصات الى اصوات هذه الشخصيات وهي تتشكلن في صناعة سردية او صناعة مرآوية ..وهي رغم محلياتها الخالصة الاّ انها تحمل مبررها في ان يكون الادب جزءا في صناعة الحياة او حتى في تأمل هذه الحياة ، فاذا كان غائب طعمة فرمان قد قدّم لنا الشخصية البغدادية في حدود معينة ، وان نجيب محفوظ قد قدّم الشخصية المصرية / القاهرية وبشكل اكثر تفصيلا ، فاننا نبحث من جديد ورغم كل السرديات التي اخذت بتلابيب الوعي والذائقة ،عن عالم روائي حكواتي يدخل في لعبة المدونة والاثر ،وربما يترك لنا احساسا باننا لا نمشي في الفراغ !!
08-أيار-2021
29-تشرين الأول-2006 | |
12-أيلول-2006 | |
06-أيلول-2006 | |
12-تموز-2006 | |
22-أيار-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |