تركيبة سحرية

يصادفه مطلع كل شمس كأنه منذور به. فيفسد نهاره وطرفا من ليله بمشيته التي تشبه مشية ديك فرّ من خمّه.
يراه يقلب وجهه ردهة اليمين وردهة الشمال كأنه لا يرى أحدا. يراه "يحفر" في جيوبه ، ولفائفه وكتبه ودفاتره ، ويبحث في الصيدليات عن حل أو تركيبة سحرية لهذا الذي لقدميه جذور كجذور شجرة الكينا تشرب من الأرض، وتغوص عميقا، ولساقيه أوراق أخضرها لا يموت تمص الهواء كقبلات عاشق عاد من منفى.
يراه يصرّ على أسنانه، بوجه محمر متطاول أعتقه الفرح فيعرف أنه استوطن خيارا بالقتل، فيصيح به ساخرا:
" بــاقــون هنـــا باقــــون
والمُخـْرَجون منا عائدون."


ما حجزني

بين رام الله - حيث أعمل - وبين قريتي – حيث أقطن - ثلاثة حواجز عسكرية كخطايا لا تـُقبل معها توبة.
عند الحاجزين الأول والثاني – خارجا من القرية – أخرجت من جعبة عمري ثلاث ساعات سفحتها للجنود مع كثير من هدهدة التحفز اليومي في عضلاتي لسحق أحدهم، وشاغلتها بالحديث مع ابن قريتي الواقف أمامي يعد حصى الوادي من تحتنا.
عند الثالث رفضوا إلا إذا قلت أرجوكم.
استغرقني البحث في محفظتي وكتبي ومعاجمي وذاكرتي عنها ساعة وهبتها من عمري دون ندم هذه المرة؛ إذ ما زلت شابا، ورصيد ساعات كهذه في بنك عمري لا ينفذ.
وانتهى بحثي بأن كتبت لنفسي إجازة هذا اليوم.


لخبطة

هل كان الزي هو ما أنقذني من اللبس حين صفعني رجل الأمن و"شلوتني" واذاق هراوته من طعم ظهري ومؤخرتي و فخذيّ يوم المظاهرة في جامعة بير زيت ضد الفرن الموقد لغزة؟
هل هو ما شل يدي المعتادة على قذف الحجارة؟
ربما ، لكن من يضمن ألا يحدث اللبس مستقبلا، إذا صار الزيّ موحدا؟!

مفتاحي ليس معي

مفتاح بيتنا في قريتي المدمرة بالقرب من مدينة يافا المحتلة ليس معي ، فبيتنا المدمر أيضا لم يكن له قفل؛ إذ لم نكن نغادره وقريتنا لم تعرف اللصوص من قبل.
وكواشين الأرض وجدت قبرها أيضا في ذات البيت.
"إذا لماذا ستعود؟"
سأل ابن الميتة .*
فأجبته:" لأن حجرات بيتنا مرسومة على خريطة جيناتي."


استجابة

أفقت على دمعة حارة لزجة خائفة مستنجدة. فتحركت بشهامة ونخوة ورجولة لأكفكف الدمع من عينيه، وأمسحه عن خديه، لكن يدي كانت مغلولة، ورجلي مشلولة، ولم يكن من شيء يتحرك فيّ إلا لساني.
فقلت للمسجد الأقصى معتذرا: "حسبك أن قلبي معك."


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كانوا يطلقون على اليهودي في قريتنا لقب "ابن الميتة"

* قاص ومترجم أردني له أربع مجموعات قصصية منشورة