"الحبّ أن نذهب"
2009-06-08
تحية إلى أدونيس
I
نعم، "الحبُّ أن نذهب".
انطلق بنا البولمان، صباحاً، من دمشق إلى جبلة فَـ قصّابين ـ مسقطِ قلبِ الشاعر، حيث وحدها الطبيعةُ هي حارستُه الشخصيةُ! تؤرجحُ قلبَه/ الطفلَ فالعالمُ لا يني يثيرُ بكاءه. هناك، في فيلّاه المنشرحةِ كصدرِ متصوّفٍ، كان في انتظارنا. الارتباكُ جَليّاً بدا علينا نحن الضيوفَ؛ هو الشاعر له من المَهابة ما ينعقد لها اللسانُ ـ لسانُ مَن توخزُ روحَه الحقيقةُ مموَّهةً بالعشب. لكنه، ببساطته الحكيمة، سارع إلى ما نصبَه لنا الشوقُ من فِخاخٍ، حين قال: "أنا فلاح، ابن ضيعا. قولوا شو ما بدْكون". وكأنه دون المفكّرين مَهابةً مَن خَبِرَ الشمسَ والسماءَ والأرضَ (أعني الفلاح)، وإن تباينت الأدواتُ!.
ـ (أدونيس): "عفواً.. لا تدخينَ في المنزل؛ زوجتي مريضةٌ وهي الآن نائمةٌ". حريٌّ بمن يحترم ويحبُّ، تحت سقف واحد، زوجَه أن يكون كذلك مع الإنسان تحت سماءٍ واحدة ـ سماءٍ ليست، بالضرورة، مُقمِرةً دائماً. نعم، الحب أن نذهب إلى الفِناء إن أردنا تدخيناً.
بكلّ سلاسةٍ يجري ما بيننا الحديثُ، في السياسة والدين والتاريخ والجغرافيا.. نعم، الجغرافيا.. هو من الساحل السوري حيث الجبالُ عجائزُ حَنُوناتٌ و"العصافيرُ جراحٌ في الشجرة"، وحيث الرطوبةُ. فيما نحن من محافظة الحسكة حيث الجبالُ الموغلةُ أَسَافِينَ في السماء، وحيث الجفافُ. رابعُنا/أوميد.. كان سيأتي لولا ذهبَ ـ متعباً جدّاً ـ إلى أحلامه. خامسُنا/مصطفى محمّد.. كان ذهب إلى قصيدةٍ ما، من وقتها لم يعد.
لم يتردد ريدي في العزف على الطنبورة مؤدّياً، وبِلكنةٍ كرديّةٍ، ما كان لحّنَه من قصائد لـ أدونيس. أوه! إنها الجغرافيا ثانيةً، وكم تقضّ الجغرافيا مضجعي.. ها أدونيس، فيما نوشوش بعضَنا نحن الضيوفَ حول دخولنا الصالونَ ناعِلين، ينتقلُ في كلامه إلى سَجّادٍ كان وصله من الصين. ثم يعلّقُ على لوحة فنية كبيرة، يحتفي بها أحدُ الجُدُر، أو هي المحتفية بالجدار، وبأنّ فناناً تشكيلياً من "إقليم كردستان العراق"، مقيماً في أوروبا، أهداه إياها.
ـ (أدونيس): "دُعيت، قبل فترة، إلى زيارة إقليم كردستان العراق.. إلا أنني لم أستطع تلبية الدعوة. أرسلتُ أولادي؛ فالطبيعة هناك آسرةٌ. وإنهم، وبعد أسبوع، عادوا سعداء جداً. مع ذلك لم تتركني وشأني، وقتَها، الصحافةُ العربيةُ!".
......................
ـ ريبر (إلى أدونيس): صوتِ الشجر، بالليل، ما بيخوّف؟
ـ (أدونيس): بيخوّف إذا كنتْ عاشقْ.
......................................
................. ثلاث ساعات مرّت وكأنها دقائقُ معدوداتٌ. وحده، الشعرُ، كان الأكثرَ حظّاً في النقاش؛ إذ لم نتناقش بخصوصه إلا النزرَ اليسيرَ. كلُّ شيء مشبوهٌ بالشعر. (أغسطس 2008)
II
نعم، "الحب أن نذهب".
وبالفعل كان أن ذهب أدونيس إلى "إقليم كردستان العراق"، في زيارة هي الأولى له إلى هناك. لكن، لماذا كانت كلّ تلك الاحتجاجات من جانب "النقّاد" العرب على الزيارة تلك؟! لماذا الترصّدُ لِطائرٍ (لا يؤكل لحمُه) يحرّكُ الفراغَ الآسنَ من فرطِ ركوده؟! وكيف لطائرٍ أن يثير، من شاهقٍ، الغبارَ؟!.
لكأنّ أدونيس كان يرمي، من كلامِه الذي شُبّه لهم، إلى معادلةٍ مفادُها: (كفى) نبكي من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ. ولو قال هذه الأخيرةَ، كما أوردتها أنا، أَكان ينبغي عليه أن يعقّب، أيضاً، بأنّ حرف (الياء) في كلمة (نبكي) قد أخلَّ بالموسيقا الشكلية للشطر الشعريّ (على أنه من البحر الطويل) وذلك درءاً "للنقّاد" الشكلانيّين؟! "وشهدَ شاهدٌ من أهلها...".
أمّا إذا كانت الجغرافيا السياسية ـ كون الإقليم كرديّاً ـ ما دفعتْ إلى الاحتجاجات الفجّة تلك (تذرُّعاً) بما قاله أدونيس في محاضرته هناك، فما الذي تكاسَلَ الكردُ في القيام به، لمصلحة الحضارة العربية، ولم يتكاسل في القيام به العربُ أنفسُهم؟!
مركبةُ الزمن لا تني تنعطف بنا، عبثاً نتربّص بأحزمة الأمان متوخّين الحذرَ من "القوة النابذة" فيما السائقُ يغالبُ الجغرافيا والنومَ معاً. ضربٌ من الجنون أن يحتكم الواحدُ منّا إلى رَجْع صوته مستأكداً على منطوقه. وأرجو ألا أكون، في هذا المقال، محتكِماً إلى صُمٍّ؛ وإلا فهو الجنون بعينه. أدونيس لم يفقأ عينَ (أعماه) إلا بعدما نبّأه. لطالما كانت مهمّةُ الثقافة والمثقفين رَأْبَ ما يتصدّع، من الجمال، بفعل السلطويّ والسياسيّ. ماذا سيترتّب على (المثقّف) لو تصالح مع النقيض النقيضُ؟؟
الحبّ أن نذهب.
والحبُّ أن نكتب، وننتبه إلى"جذر السوسن".
[email protected]
08-أيار-2021
12-نيسان-2014 | |
02-آذار-2014 | |
08-حزيران-2009 | |
25-آذار-2009 | |
29-تشرين الثاني-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |