الحياة والمصروف والحكومة بين المعارضة والموالاة
2009-06-17
الحياة مسرح من وجهة نظر الشاعر الإنجليزي شكسبير كما عبر عنها في قصيدته"العالم ليس إلا مسرحا، وما نحن إلا ممثلين". أيامها كانت حياة شكسبير لا تنفصل عن المسرح. وكل يغرف من البئر الذي في ساحة بيته. تبدأ مراحل الحياة - وهن سبع وفق ما ذهب إليه شكسبير- بالرضيع، ويكون الإنسان في هذه المرحلة عاجزا تماما، ويعتمد اعتمادا كليا على العالم من حوله ممثلا في أمه ومربيته. ثم يكبر فيصبح طفلا يكره المدرسة وسيرتها، ويمشي إليها كمن يساق إلى الشنق، لكنه في المرحلة الثانية هذه يمثل فجر الإنسان وبراءته. في الثالثة يصبح صاحبنا صبا عاشقا ولهانا ضربه الحزن لاستحالة الوصال مع محبوبته، فتراه يرفع عقيرته بالقصائد الغنائية الرقيقة من مثل:
يا ليل الصب متى غده أقيام الساعة موعده
رقد السمار وأرقه أسف للبين يردده
تنقضي هذه المرحلة بجراحها ومآسيها مع دخوله مرحلة الجندي الذي ينافح عن سمعته، ويكون مستعدا للتضحية بالغالي والرخيص ( لك أن تتخيل أنه قد يبيع أمه) لأجلها، لكنه يمتاز أيضا بحدة المزاج (دمه حام)، وله قلب من صخر، لا يثقبه مقدح الرحمة. في المرحلة الخامسة يصبح قاضيا حكيما يصل بذكاء وفطنة إلى المواد القانونية الصحيحة التي يستند إليها في إصدار أحكامه، كما إن له من التجربة والخبرة ما يؤهله لإسداء النصح للمتخاصمين بأن يفضوها سيرة؛ فقد ذاق الأمرين في حياته إلى الحد الذي لا يريدهم فيه أن يذوقوا ما ذاق؛ والصلح خير عند من يفهمون. ثم يدلف الإنسان في سادس المراحل إلى مرحلة العجوز المتهدم - تذكرني كلمة يدلف ببراكيتنا(حجرة من الصفيح) في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين التي ما كان أحلى على قلب ماء المطر من الدخول علينا من ثقوب سقفها ويطشطش على رؤوسنا وفراشنا- فتراه بنظارات وعكاز، وينكمش جسمه بحيث يغدو (قد الكبشة أو الكمشة في بعض الأقطار العربية)، ويصبح صوته رفيعا كصوت فأر حشر في زاوية وضغط عليه ببوز الحذاء. في السابعة وهي الأخيرة يعود العجوز إلى مرحلة الرضيع ؛ فتراه لا يعي ما حوله ( لكي لا يعلم من بعد علم شيئا) وقد خسر كل شيء ماديا ومعنويا، وبهذه المناسبة أنصح من يتمنون طول العمر بأن يقتطعوا من مداخيلهم شيئا لشراء وتخزين الفوط لتلك المرحلة حيث لن تكون هناك إرادة تتحكم في أي عضلات، لا أبلغنا الله تلك المرحلة.
كان لي خال داهية أريب يحب الحكي كما تحب الشاة مضغ العشب واجتراره، وكان وكان أميا لا يفك الخط ، ولم يسمع بشكسبير ولو سألته عنه لقال لك" أنا أعرف البشكير وليس شبسكير" لخالي هذا نظريته في الحياة لا تقل وجاهة عن نظرية شكسبير. كان يرى الحياة حديقة حيوان والإنسان فيها يتقلب من نوع إلى آخر حسب مرحلته العمرية. تبدأ المرحلة الأولى عنده بمرحلة الأسد وهي منذ اليوم الأول حتى الخامسة وفيها يأمر فيطاع ويطلب فيؤتى له بكل شيء . بعد ذلك تأتي مرحلة الغزال وتستمر من الخامسة حتى الزواج( كان في زمنه يفترضها في سن العشرين أو أقل )، وفي هذه المرحلة يلهو ويلعب، لا يحمل هم دنيا ولا عذاب آخرة، ولا يفكر بمسؤولية أبدا. ثم تأتي مرحلة الحمار، وتمتد من أول زواجه حتى يأتيه العيال. في هذه المرحلة يحمل مسؤولية البيت على ظهره أو عاتقه إن شئت، ويحمل إليه كل ما يستطيع دون مناقشة تماما كالحمار الذي تحمل عليه كل شيء فلا يعترض ولا يحزنون. بعدها يدخل في مرحلة الجمل. وهي مرحلة يكثر فيها الأبناء، وتزداد مسؤولياتهم وأعباؤهم، فيتحمل كل ذلك بصبر الجمل وعزيمته مدركا أن كل هذا منوط به؛ ولهذا يمنح وسام "جمل المحامل" في احتفال غير رسمي وغير مهيب تقيمه مجموعة من المهمشين في المجتمع كماسحي الأحذية والمتقاعدين وكتاب الدرجة الثالثة من أمثالي. ثم ينحدر في المرحلة الأخيرة إلى مرحلة السعدان أو القرد. حيث يصبح أضحوكة للكبير والصغير، يتلهون به تارة حين يبكي صغارهم أو يأتيهم ضيف غير مرغوب به، ويرمونه هنا أو هناك كقطعة أثاث قديمة مضطرون لابقائها لأنهم ابخل من أن يتخلصوا منها ،ولعدم وجود مكان مخصص للكراكيب في البيت.
أما أنا – العبد الفقير إلى الله - فلي في الحياة وجهة نظر مخالفة أساسها المصروف الذي قطع فقرات ظهري؛ مصروف الجيب أقصد. الحياة عندي مقسمة إلى ثلاثة أقسام. المرحلة الأولى وتمتد حتى يعمل الإنسان ويصبح منتجا، وفيها يأخذ الإنسان مصروفه ممن حوله؛ من أبيه ومن أمه ومن جده وجدته، وحتى من عابر السبيل من ذوي النوايا "الحسنة" مع هكذا فئة. في الثانية يعطي المصروف لمن حوله، وفي الثالثة يعود فيأخذ المصروف ممن حوله بالمليح في القليل من الأحيان وبالزجر والبهدلة وأمر المحكمة في كثير من الأحيان . وتقاس عظمة الإنسان عندي بالمرحلة الثانية؛ فكلما طال أجل منحه المصروف لغيره صار أعظم وأجل، وكلما قصر صار أدنى وأذل.
ولكن هناك شيء آخر لم يذهب إليه شكسبير وخالي؛ إنه تطبيق هذه النظريات على حياة الحكومة في العالم الثالث. وأعتقد أن المعارضة والموالاة لكل تطبيقها في هذا الشأن.
المعارضة تقول إن الحكومات لم تبلغ أبدا مرحلة الحمار ومن بعدها الجمل، ولا مرحلة منح المصروف، بل تظل "تبرطع"( عامية محرفة ربما من ترتع حيث فخمت التاء للوجاهة والفشخرة، وزيدت الباء لنفس الأسباب) في مرحلة الغزال وأحيانا كثيرة- ولأتفه الأسباب- ترتد إلى مرحلة الأسد.
أما الموالاة فتعتقد أن الحكومات بحكم طبيعتها الديمقراطية، وانتماءاتها الطبقية، واعتمادها في بقائها على توجهها نحو الشعوب قفزت عن كل تلك المراحل، واستقرت في مرحلة واحدة ألا وهي مرحلة الحمار، ولهذا ترى الوزراء كالحمير يعملون، ولكنه شعب جاحد لا يشكر العاملين المخلصين.
08-أيار-2021
11-آذار-2015 | |
15-آب-2009 | |
28-تموز-2009 | |
مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح |
30-حزيران-2009 |
27-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |