إبداعات: ما بعد الحرية الجنسية استشراف ما سيسود على ما هو سائد
2007-09-12
منذ بدايات ما يعرف بالنهضة العربية اقتصرت المناداة بحق المرأة في الخروج إلى الشارع وطرح الحجاب والتعليم والاختلاط بالرجل . ثم تدرجت الفكرة حتى وصلت إلى المطالبة بإعادة
النظر في وشطب مقولات مثل " الجنس حرام خارج إطار العلاقة الزوجية" " تعدد العلاقات الجنسية مرفوض" " الشهوة الجنسية عيب ويجب الخجل منها والحد من طغيانها بالعفة والزواج".
بتنا نقرأ الآن أعدادا أكبر من الكتب والمقالات وفي كافة الوسائل الإعلامية وعلى رأسها الانترنت تصب في هدف واحد: إعادة الاعتبار لشهوة الجسد بصفتها معطى إنساني لا يتم التعامل معه بمصطلحات كالعيب والحرام، ولا يجوز الوقوف في سبيلها بالكبت والقمع من خلال حلول كالزواج ترعاه المؤسسة الكبرى وهي المؤسسة الدينية.
إنه إعادة تأهيل لفكر المجتمع (الإسلامي تحديدا) كي يتخلى عن هذه المقولات وينطلق إلى براح التقدم، ويدخل في العصر الذي سبقتنا إلى الدخول إليه أمم الأرض كافة.
وقوام هذه الدعوة هو إعطاء الحرية الجنسية للشباب والشابات خاصة والرجل والمرأة عامة لإطفاء شهوتهم الجنسية حين تمتد ألسنة لهبها إلى كافة أنحاء الجسد مزمجرة تطلب تهدئتها بأي أسلوب يراه طرفا العلاقة الجنسية مناسبا دون تدخل من الخارج (المجتمع ، الدين، الأخلاق ، الدولة) ولا من الداخل ( الإحساس بالذنب والخطيئة والضمير والحس الخلقي ) وبقناعة تخرج منهما فقط دون إيلاء أدنى اعتبار لكل ما يقف عائقا أمام شهوة الجسد من دين وعادات وتقاليد.
في هذه المقالة لا يسعى الكاتب إلى مناقشة معقولية ما يطرح من هذا الفريق ولا في معقولية ما يطرحه مناقضوه. فطروحات هذا الفريق تنطلق أساس من أن الحرية كل لا يتجزأ، وحرية التصرف بالجسد بأي صورة – عدا الانتحار ربما عند البعض- ضرورية لتحقيق مفهوم الحرية الكامل والمطلق، كما تستند أيضا إلى أن المناوئين للفكرة يعيشون تناقضا كبيرا بين إيمانهم ورغباتهم ويدفعون الناس إلى الخروج من التناقض بصورة تحايلية كأشكال من ممارسة الجنس تحت مظلة شرعية/ إسلامية ( زواج المتعة ، المسيار)، كما يصبون جام غضبهم على الإسلام (تحديدا الإسلام مع أن الديانة المسيحية على الأقل تحارب الإباحية والانحلال وتحرم الزنا) الذي يمنع الاختلاط، ويفرض الحجاب على المرأة، ويأمر الرجل والمرأة بغض البصر ،ويقمع الشهوة الجنسية . وعلاوة على ذلك يربطون بين التخلف الحضاري وانحطاط نظرة المجتمع إلى المرأة والجنس بصفته الإطار الرئيسي لعلاقة المرأة بالرجل، ويعتبرون أن شرط التقدم هو تحرير المرأة من قيودها التي يفرضها الدين والمجتمع لصالح الرجل والتخلص من المجتمع الذكوري والعودة به إلى المجتمع الامّوي ( كما المجتمعات البدائية في مرحلة الصيد والالتقاط)، وتحرير المجتمع من العادات والتقاليد والدين، والاعتراف بنسبية الأخلاق بما يعني رفع المعوقات التي تعيق تقدم المجتمع . يضاف إلى ذلك الدعوة إلى تحرير عقل الرجل أيضا وتذويب غروره ونرجسيته وعقدة تفوقه على المرأة.
وحين تتحقق المساواة بين المرأة والرجل وتشيع الحرية الجنسية دون ضوابط من خارج إطارها الفيزيقي يصبح المجتمع وأفراده أحرارا حقا ، لا يوصفون بالتخلف حتى لو كانت علاقات الإنتاج لديهم متخلفة وحتى لو كانوا أميين لا يقرأون ولا يكتبون . فتقدم المجتمع وحضارته تقاس بمدى الحرية الجنسية التي يتمتع أفراده بها.
وكما قلنا ليس من شأن هذه المقالة أن تناقش أو تجادل في معقولية وصلاحية هذا الطرح بل تنزع إلى وضع كيان افتراضي لمجتمع تسود فيه الحرية الجنسية كما ينادي بها هذا الفريق واستشراف ما سيؤول إليه حال المرأة والرجل والمجتمع بعد تحقق هذه الحرية. ويؤكد الكاتب هنا بكل يقين أن كثيرا من الافتراضات التي سيضعها قائمة وموجودة في الواقع في كافة المجتمعات ومن ضمنها – وربما أكثرها تلك التي تطبق الإسلام تطبيقا جزئيا أو التي جعلت من الدين مهنتها الدائمة ( كرجال الدين المسيحي الذين انقطعوا للدين فقط ) فظواهر مثل الزنا بين غير المتزوجين والخيانة الزوجية وتعدد العلاقات الجنسية للرجل أو المرأة والسحاق واللواط وممارسة الجنس جماعيا Orgy party وسفاح المحارم منتشرة في كل مكان على هذه الأرض ولكن بصورة غير معلنة وغير معممة . كم يؤكد أن المؤسسة الدينية تنجح بصعوبة في عدم بروز هذه الأنماط وشيوعها ، ونجاحها هذا غير مرشح للدوام أمام المد الجارف للحسّانيّات على حساب الروحانيات بسبب تغذية الرأسمالية العالمية لنمط استهلاكي يتطلب هذا التغليب.
الجنس مشاع. الجنس للجميع. أتركوا لأجسادكم حرية التعبير عن شهواتها
بهذه العبارات تفاجأ عند دخولك لمدن المستقبل حيث يبدأ تطبيق الحرية الجنسية تطبيقا كاملا. هناك مبدأ واحد يتفق عليه الجميع. كل فرد حر في إشباع رغبته الجنسية بالصورة التي يراها محققة لأكبر قدر من اللذة مع أي شخص ذكرا كان أم أنثى. لا حدود ولا قيود سوى حد أو قيد واحد : رغبة الطرف الآخر المشارك في العملية. إذن يسري هذا المبدأ سريانا شبه مطلق ما دام الجميع راض وقابل وما دامت إرادة الطرفين منعقدة على هذا الأمر ويتوقف سريانه إذا أكره طرف الطرف الثاني على الدخول في العملية رغما عنه.
في أسرة مستقبلية تقليدية تتكون من رجل وامرأة وابنهما أو بنتهما أو الاثنين معا أو رجل ورجل وابنهما بالتبني أو امرأة وامرأة وابنهما او بنتهما بالتبني تكون العلاقة الجنسية حرة تماما وعلى النحو التالي:
الرجل يمارس الجنس مع زوجته .. مع ابنته .. مع أخت زوجته مع ابنه .. مع أخي الزوجة ومع أي شخص خارج نطاق الأسرة.
المرأة تمارس الجنس مع زوجها .. ابنها .. ابنتها .. أخيها .. اختها .. الخ. ومع أي شخص خارج نطاق الأسرة.
وكذلك يفعل الابن أو البنت.
وكذلك يفعل كل أفراد المجتمع.
ويجد الجميع أن هذا الفعل متعدد الأطراف يحقق منافع جمة:
الكبت الجنسي غير معروف بتاتا وربما يقرأون عنه في كتب التاريخ .
ولم تعد هناك حاجة لبيوت الدعارة ولا للعاهرات ولا للقوادين ( وهؤلاء القوادون بالمناسبة يشكلون قوة لا يستهان بها في عصرنا هذا مع تمكنهم من لباس ثوب الشعراء والقصاصين والروائيين وكتاب المقالات في مواقع التحريض على الحرية الجنسية وصحفها ومجلاتها ومحطاتها الفضائية).
زال خوف المرأة من التقدم بالعمر والوصول إلى حالة تجد فيها نفسها غير مرغوب بها جنسيا من زوجها أو غيره فستجد في ابنها وأخيها وأبيها ملاذا جنسيا آمنا. فالابن لن "يهون" عليه أن يرى أمه محرومة من الجنس ولن يبخل عليها بما يشبع رغبتها وكذلك الأخ أو الأب وسيعتبر عدم نجدتها نقصا في المروءة والنخوة وربنا يفكرون به كوضع لا يتفق مع صلة الرحم؟!
تخلص المجتمع من قضايا الفساد وشبكات الدعارة التي ينخرط فيها كبار المسؤولين .
اختلاط النسب لم يعد مشكلة مع وجود فحص الدي إن إيه DNA الذي يستطيع أن يحدد هوية الأب الوراثية.
ولكن المشكلات الإنسانية لا تنقضي . ففي المقابل:
قد لا تنجح الأم أو الأخت أو العمة في وسائل منع الحمل وتحمل من الابن أو الأخ أو ابن الأخ الخ مما يرتب مشكلات وراثية .
قد يكتفي الأب بابنه ويجد لذته معه ومع ذكور آخرين وعلى الأم أن تبحث عن رجل آخر أو رجال آخرين. وهنا تنتفي الحاجة إلى وجود العائلة وتتكون عائلة ذكورية أو نسوية أو ينحل المجتمع ككل.
قد تكتفي البنت بأخيها والعكس صحيح .
وقد تستطيب معاشرة والدها وتنافس والدتها التي لا ترغب في غير زوجها مما يرتب نزاعا وصراعا بين الأم وابنتها يولد الحقد والكراهية وربما الجريمة.
قد يشعر أفراد كثيرون بالسأم من علاقة جنسية بشرية ويتجهون إلى الغريب والشاذ في الممارسة مع الحيوانات والأطفال.
مع تفاقم هذه المشكلات ستعود أقدم المهن في التاريخ إلى الظهور. فالقيد الأساسي المتمثل بضرورة توفر الرغبة والإرادة لدى طرفي العلاقة سيضغط بشدة حين لا تتوفر مثل هذه الإرادة وهنا لا بد من دفع المال للحصول على ما يطفئ الشهوة الجنسية التي تثور ولا تجد من يلبيها بالقنوات العديدة التي يفتحها مجتمع الحرية الجنسية.
على أن المشكلات الواردة أعلاه قد تجد حلا من المجتمع الذي يستطيب الانحلال والتفسخ وسهولة الحصول على الإشباع الجنسي بطرق عديدة. لكن هناك مشكلة لا حل لها؛ وسبب تعذر هذه المشكلة هو أنها تأتي مع الإنسان بالوراثة، ولا تكتسب من البيئة، ولا يتم تعليمها، وبالتالي يستحيل قمعها وإن أمكن إخمادها لظروف معينة وخاصة. هذه المشكلة تتلخص في كلمتين اثنتين لا ثالث لهما : غريزة التملك.
إن رغبة الإنسان الفرد الجارفة إلى اعتبار شخص آخر أو شيء آخر له دون العالمين شيء معروف ومشاهد ومنظور ومثبت منذ أبكر مراحل الطفولة. وما الغيرة والحسد والاغتصاب إلا مظاهر لفشل تحقق الرغبة في التملك. وإذا تطورت هذه الرغبة تطورا شاذا تسمى بالأنانية المفرطة. فالشخص الأناني هو شخص يحب امتلاك الأشياء والاستئثار بها دون غيره.
وفي مجتمع الحرية الجنسية الكاملة سيكون هناك من يرغب في الاستئثار بأنثى دون غيره من الذكور ويكون مستعدا للقتال والقتل والذبح من أجلها وقد يصل الأمر إلى قتلها هي كي لا تكون لغيره . و الأمر نفسه ينطبق على المرأة التي تعيش في أتون الرغبة في امتلاك الرجل.
هذه الغريزة مشاهدة أيضا لدى الحيوانات باستثناء الخنزير. وبما أن مجتمع الحرية الجنسية الكاملة مجتمع حيواني بحت من زاوية العلاقات الجنسية فسينطبق عليه كثير من السلوكات الحيوانية الجنسية.
وحيث أن مشكلة الأفراد الجنسية لم تحل بصورة شاملة فسوف يظل هناك نسبة معينة في كل مجتمع تعاني وسيظل هناك حاجة إلى دور البغاء والعاهرات والغانيات وسيظل هناك حاجة للأدب الإباحي والأفلام الإباحية – جنبا إلى جنب مع المثيرات الجنسية كالكافيار والأغذية البحرية والفياغرا والجرجير). ومع وجود الألم والحسرة واللوعة يقول المجتمع :" كأنك يا أبا زيد ما غزوت"، و"يا دقن التيتي مثل ما رحت جيتي". ويبدأ البحث عن حل وسيجد حكماء ذلك العصر بعد أن تخرس ألسنة دعاة الحرية الجنسية والانحلال الخلقي وحقوق الشواذ وإطلاق قيم الجسد وتغليبها على كل شيء ، سيجد الحكماء حلولا تقدمية تنقلهم إلى الأمام وسوف يقترحون ما يلي:
لحل المشكلات الوراثية الناتجة عن سفاح المحارم يمنع على أفراد المجتمع إتيان المحارم إلا إذا تيقنوا تماما من أن الممارسة لن تؤدي إلى الحمل ولن تخلق مشكلات بين الأم والبنت أو الأب والابن الخ. ولا تتم دون تصريح من الدولة وتقديم مبررات كافية بعدم إمكانية البديل "الطبيعي".
لحل مشكلة تقدم المرأة في السن تتعهد الدولة بعمليات تجميل وشد وجه وصدر لكل رعايا الدولة من الإناث كي يبقين جميلات ومثيرات لأزواجهن وعليهن أيضا أن يحافظن على هذا الجمال كي لا يضيع المال العام هباءا ولا تزيغ عين الزوج ، كما تتعهد الدولة بتقديم العلاجات المقوية جنسيا للذكور حتى لا تشكو النساء.
السيطرة على النفس بمحاولة تجنب المثيرات الجنسية التي تجعل الإنسان دائم السعي لإشباع حاجته الجنسية ومن ذلك غض البصر عن مواطن الإثارة وتشجيع النساء على الملابس المحتشمة مقابل مكافآت تسمى " بدل ملابس محتشمة".
عدم السماح بتعدد النساء للرجل الواحد أو الرجال للمرأة الواحدة وتشجيع الطلاق حين يمل أي الطرفين من الآخر مع تعديل المناهج بحيث يكون الطلاق أمرا مقبولا لدى الأطفال والكبار على السواء ولا يؤدي إلى نتائج سلبية على نفسية الأطفال.
إعادة الاعتبار للأسرة بكيانها التقليدي: رجل + امرأة + أطفال.
فتح مصحات لعلاج الشاذين والشاذات الذين يمكن علاجهم وإعادة تأهيلهم نفسيا ومن لا يمكن علاجه يوضع في بيت ويرتب له نفقة ويمنع من الاختلاط بالأسوياء .
إعادة تأهيل أفراد المجتمع بحيث تصبح النظرة العاطفية من طرف إلى آخر مانعا للتسبب بأي أذى له ؛ فالرجل يمتنع عن إقامة علاقة مع أي امرأة أخرى غير زوجته كي لا يؤذيها وتفعل هي الشيء نفسه وينظر الواحد منهما إلى الفعل ذاك على أنه سلبي ولا يتفق مع المروءة والشهامة وهذا يعنى إعادة الاعتبار للجانب الأخلاقي للممارسة الشرعية وغير الأخلاقي للممارسة غير الشرعية.
دعم الشباب ماديا ومعنويا للزواج المبكر مع تقنين الحمل إلى ما بعد إكمال المراحل التعليمية .
والحكماء سيتوصلون إلى قاعدة هامة:
التقدم الحضاري لا يدخل في تكوينه الحرية الجنسية ولا الشذوذ الجنسي ولا الارتداد الى المرحلة الحيوانية.
التقدم الحضاري يأتي بجهد جماعي يقوم على الارتقاء بالعقول والجوانب الروحية.
التقدم الحضاري هدفه رخاء الإنسان والمجتمعات وليس رخاء فئة من الرأسماليين الذي يتاجرون في سبيل "الربح" بالدين والأخلاق والرجل والمرأة والطفل .
التقدم الحضاري هو تحقيق الهدف الأسمى لوجود الإنسان على الأرض : أن يكون صورة الله على أرض الله من خلال عبادته أولا وتحقيق العدل والرخاء للجميع ثانيا.
وقد يسمي بعضهم هذا بالإسلام
08-أيار-2021
11-آذار-2015 | |
15-آب-2009 | |
28-تموز-2009 | |
مناقشة مقال" لكي نصل بالإسلام إلى القرن الثاني والعشرين" للأستاذ سحبان السواح |
30-حزيران-2009 |
27-حزيران-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |