Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

ويليم بتلر ييتـس.. من الرمزية إلى الحداثة / ترجمة وإعداد:

عبد الكريم بدرخان

2010-04-20


ولد الشاعر الإيرلندي ويليم بتلر ييتس (William Butler Yeats) في دبلن عام 1865، كان والده (جون) رساماً شهيراً، وبالرغم من ولادة شاعرنا في عصر الثورة العلمية، وفي عزّ الثورة الصناعية، إلا أن ميوله الروحانية ظهرتْ منذ نشأته، إذ كان ييتس مولعاً بالأساطير الشعبية الإيرلندية، وقد استخدمها كثيراً في شعره، ومؤمناً بالفلسفات الشرقيّة الباطنية كالبوذية والهندوسية والصوفيّة، وفي العشرين من عمره ساهم ييتس بتأسيس (جمعية دبلن للحكمة) وكانت تدرّس فيها الفلسفة الهندية.
في الثالثة والعشرين التقى بالممثلة والناشطة السياسية (ماود جونيه) فأحبّها كثيراً، وكتب لها كثيراً، لكنها تركتْهُ ورفضتْه مراراً، وبعد سنواتٍ قام مع أصدقائه بتأسيس مسرح (آبي) الشهير في دبلن، وفي عام 1917 تزوّج من (جورجيا هايدليس) ورزق منها بطفلين.
كان ييتس عضواً في مجلس الشيوخ الإيرلندي (1922-1928)، وقد عمل جاهداً على إحياء التراث والثقافة الإيرلندية في مواجهة الغزو العسكري والسياسي والثقافي الإنكليزي، إلا أنه بقي من دعاة المقاومة السلمية، وهذا الموقف قد يكون من تأثير الثقافة الهندية عليه.
في عام 1923 حاز ييتس على جائزة نوبل للآداب، واستمرّ بالكتابة إلى أن توقف قلبه في جنوب فرنسا عام 1939.
من أهم دواوينه الشعرية: (مسؤوليات) 1914، (البجع البريّ في كوليه) 1917، (البرج) 1928، (السلالم المتعرجة) 1929، (قصائد أخيرة) 1938.



ييتس من الرمزية إلى الحداثة:
ينقسم تاريخ ييتس الشعري إلى مرحلتين مختلفتين: المرحلة الأولى: مرحلة الشعر الرمزي حتى عام 1914، والمرحلة الثانية: مرحلة شعر الحداثة بعد عام 1914، إذ كان ييتس في بدايته شاعراً رومانسياً رمزياً (والرمزية تطوّرٌ وامتدادٌ للرومانسية وليست انقلاباً عليها)، تأثّرتْ بداياتُه بالشعراء الرومانسيين الإنكليزوبالمدرسة الرمزية الفرنسية، وكان من أنصار الفن للفن، وهي حركة رديفة لما يعرف بحركة ما قبل الرافائيلية.
كان ييتس منذ نشأته مولعاً بالسحر، خصبَ الخيال، مؤمناً بالكشف العرفاني مما ميّز تجربته الرمزية، ومن شعر هذه المرحلة؛ وهي مرحلة فورة الشباب وسورة العشق أختارُ مقطعاً كتبه لحبيبته (ماود جونيه)، وتظهر فيه الرمزية من خلال توظيفه للألوان ودلالاتها:
(( لو أملكُ وشاحَ السماء الموشّى
والمرصّعَ بالذهب ونور الفضة
لو معي ذاك الوشاحُ الداكنُ
المزيّنُ بالظلمةِ والضوء
لفرشتُهُ تحت قدميكِ
ولكني فقيرٌ, لا أملكُ إلا أحلامي
ولذا سأفرشُ أحلامي تحت رجليكِ
فاخطي بهدوءٍ، أنتِ تخطين على أحلامي))

المرحلة الثانية: مرحلة الشعر الحداثوي أو الرؤيوي وذلك بعد عام 1914، أصبح شعرُ (ييتس) في هذه المرحلة سفراً في الخيال، وأصبح الشاعرُ يطلُّ على قصيدته من الأعلى، من فوق الطبيعة، تميّزت هذه المرحلة بالتجريد، وبتوظيف الأسطورة بشكل ممنهج، فاتُّهمَ بالتعقيد والشطح.
آمن (ييتس) أن الحقيقة لا تتجلى عن طريق االبحث العلمي أو العمليات العقلية، بل أنّ المعرفة كشفٌ باطني، وإلهامٌ سماوي، ومن أشهر قصائده المعبّرة عن هذه المرحلة قصيدة (الظهور الثاني) (The Second Comming)،وقد قارنها الكثيرون بقصيدة (الأرض الخراب) للشاعر الأمريكي (ت.س. إليوت) لما يوجد بين القصيدتين من شبه.
في هذه القصيدة يهجو (ييتس) الحضارة المادية الأوربية، وما سبّبته من شقاءٍ للإنسان وخرابٍ للأرض، وينتظر فيها قدوم السيّد المسيح مرةً أخرى ليخلّص البشرية، أخذ (ييتس) فكرة قصيدته من إنجيل متّى (الإصحاح 24) الذي يتنبّأ فيه السيّد المسيح بظهوره الثاني، ويختتم القصيدة بانتظار هذا الظهور، وكأن التطوّر المادي قد ضيّقَ الأفقَ على الشعراء فأصبحوا لا يجدون خلاصاً لعالمهم، إلا بعودة البطل الأسطوري المخلِّص، سواء أكان السيد المسيح أم الإله تمّوز أم غيرهما، وفي القصيدة توظيفٌ لتمثال أبي الهول، ولا ندري ما قصد الشاعر من ذلك، هل يقصد أن الخلاص يأتي من الصحراء باعتبارها منبع الأنبياء؟ أم باعتبار أبي الهول رمزاً لإله الشمس في الميثولوجيا المصرية؟
أترك لكم الإجابةَ عبر القصيدة التي آثرتُ أن أترجمها شعراً موزوناً، في محاولةٍ لتعويضِ شيءٍ من القيم الجمالية التي يفقدها الشعرُ عندما يترجمُ إلى لغةٍ أخرى.

قصيدة: ( الظهور الثاني )
ويدورُ.. يدورُ.. دوائرَ تتّسعُ
الصقرُ يدورُ.. ولا يسمعُ سيّدَهُ
تتداعى الأشياءُ.. ولا يصمدُ مركزُها
والفوضى تجتاحُ العالمَ
ويسيلُ الدمُّ الشاحبُ في كل مكانٍ
يُغرقُ زيفَ براءتنا
الصالحُ في الأرضِ مُدانٌ
والطالحُ يتنعّمُ باللّذاتْ
* * *
لا بُدَّ بأنَّ الرؤيا تقتربُ
لا بدَّ بأنَّ ظهوراً ثانٍ يقتربُ
أَ ظهورٌ ثانٍ؟.. بالكاد أقولُ
فتبهرُني الرؤيا.. رؤيا الروحِ الأعظمِ
يتغبّشُ بصري فأرى فوقَ رمالِ الصحراءِ المقفرةِ
أرى: أسداً يحملُ رأساً بشرياً
نظرتُهُ.. جوفاءُ وقاسيةٌ كالشمسِ
يحرِّكُ فخذيهِ المثقلتين.. وحولَهُ
تلتفُّ ظلالُ عصافيرِ الصحراءِ الغاضبةِ،
الآنَ يحلُّ ظلامٌ ثانيةً.. أدركُ
أنّ سُباتاً حجرياً دامَ قروناً عشرينَ
قروناً حوَّلَها المهدُ الهزّازُ إلى كابوسٍ
فإذنْ.. أين الوحشُ الكاسرُ؟.. أَ يجيءُ أخيراً؟
يزحفُ نحو (بيت لحم) لكي يولد؟
-----------------------------------------------------

النشر الورقي ملحق الثورة الثقافي
النشر الألكتروني خاص ألف









تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

قصيدة حمص

28-آب-2012

الشاعر الإنكليزي جون كلير

27-آب-2011

بايرون.. الممزَّق بين الواقع والمثال

24-تشرين الأول-2010

ويليم بتلر ييتـس.. من الرمزية إلى الحداثة / ترجمة وإعداد:

20-نيسان-2010

ثلاث قصائد للشاعر الإنكليزي ويليَم ويردزْويرث ـ ترجمة

08-آذار-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow