بايرون.. الممزَّق بين الواقع والمثال
خاص ألف
2010-10-24
هو جورج غوردن بايرون (Goerge Gordon Byron)، ولد في لندن عام 1788، وفي العاشرة من عمره ورثَ عن عمه لقبَ (لورد) مع أملاكٍ كبيرة، درس في جامعة كامبريدج، أصدر ديوانه الأول: ساعات الفراغ (Hours of Idleness) 1807، وقد تعرّض هذا الديوان لهجومٍ عنيفٍ من النقاد الإنكليز، وعندما بلغ الواحدة والعشرين قام بجولةٍ دار فيها أوربا، وتعتبر هذه الرحلة ضروريةً عند اللوردات الإنكليز لتربية الشاب وتثقيفه، وخلالها وضع كتاباً في أدب الرحلات سمّاه: أسفار الفتى هارولد ((Childe Harold's Pilgrimage، وقد حقّق له هذا الكتاب شهرةً واسعة.
كان الشاب لورد بايرون وسيماً وثرياً، وصاحبَ علاقاتٍ كثيرة ومعقّدة مع النساء، فشغل الناس بسيرته وأخباره، لكن ذلك لم يغير شيئاً من شخصيّته المعقّدة ومزاجه السوداوي الكئيب.
أقام فترةً في مدينة جنوى الإيطالية وفيها كتب قصة شعرية: سجين شيللون (The Prisoner of Chillon) 1816، وهي عبارة عن أناشيد تمجّد الحرية وتدين الاستبداد ( شيللون: قلعة قديمة تقع عند بحيرة جنوى كانت تستخدم سجناً)، ثم كتب مسرحيّة شعرية: مانفريد (Manfred) 1817، كان بطلُها مرآةً عاكسةً لما يعانيه بايرون من إحباط واغتراب.
وفي الفترة الممتدة من 1819 إلى 1824 كتب بايرون أعظم أعماله الشعرية: دون جوان (Don Juan)، وهي ملحمة شعرية استلهمها من قصة شعبية إسبانية هي قصة البطل (دون خوان تينوريو) مغوي النساء، ولم يكن (دون جوان) سوى قناعٍ أخفى تحته بايرون سيرته الذاتية.
توفي في اليونان عام 1824 بمرض الحمّى، وكان وقتها عضواً في اللجنة الثورية اليونانية المقاومة للاحتلال العثماني، مما جعله بطلاً قومياً يونانياً.
أعماله مرآة لحياته:
تشكّل أعمال بايرون أبلغَ تعبير عن جوهر الرومانسية، وقد تميّزت عن أعمال معاصريه بأنها مرآة عاكسة لحياته، وكأنه نرسيس أمام بحيرته.
أدرك بايرون مبكراً نسبية الحقيقة ونقصها، وقد أوصلته شكوكه إلى خيبة أملٍ مترافقةٍ مع سعيه الدائم نحو الكمال المثالي، ولذا كان يتقلّب بين الكآبة السوداوية والتهكم الساخر كرد فعل على التفاوت بين حياته الواقعية ومثاليّاته العاجزِ عن تحقيقها. إن سوداوية (تشايلد هارولد) وواقعية (دون جوان) الساخرة كانتا وجهين لعملة واحدة، الأول يمر بسلسلة حالاتٍ من اليأس الرومانسي كرد فعل على عبث الحياة، والثاني يستخدم التهكم الساخر بقصد نزع الأقنعة الزائفة عن وجه الحقيقة.
إن السوداوية التي سمّاها الرومانسيون داء العصر، ما هي إلا داء المبدعين في كل العصور والأمكنة، والأفضل أن نسميها: الاغتراب؛ وهو الحالة النفسية التي يعيشها المبدعون في أوطانهم، عندما لا يجدون من يقدّر إبداعهم أو يحتفي بأعمالهم، فيجنحون نحو العزلة والحزن واليأس، ويجد المبدعُ نفسه ضحيةً لمجتمع منافق يقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول، فتتجاذبه حالات نفسية وعاطفية متناقضة، ويعيش متمزّقاً بين الواقع والمثال.
إن جميع أعمال بايرون على اختلاف أجناسها الأدبية تقترب من السيرة الذاتية بشكل كبير، وتتجلى فيها سلطة المؤلف بأعتى حالاتها، فيغدو الأدب أقرب للمذكرات والاعترافات، حتى أن معظم الدراسات الأدبية تبدأ من حياة الشاعر وتنتهي بها معتبرةً النص الأدبي فيضاً من إلهام الشاعر، وهذه الدراسات تبتعد عن النقد الأدبي وتقترب من التأريخ الأدبي.
الظاهرة البايرونية:
شكّلت أعمال بايرون إلهاماً للكثير من الأدباء والفنانين الأوروبيين، لتشكل ما سمّي بالعائلة الروحية البايرونية.
كتب فيودور دوستويفسكي (1821-1881) في (صحيفة الكاتب) عام 1877: ( كانت البايرونية ظاهرة كبيرة، تشكل ضرورة لحياة الشعب الأوربي، فقد ظهرت في لحظة من الحزن العميق، لحظةٍ من الخيبة واليأس، فقد تحطمت الرموز القديمة، لتظهر في تلك اللحظة عبقريةُ شاعرٍ كبير، أشعاره مرآةٌ لحزن الإنسانية بكل تجلياته، إنها قريحة شعرية جديدة غير متوقعة، قريحة الحزن والانتقام واليأس والأسى).
وقد استوحى دوستويفسكي من تلك التشاؤمية الأبية- الأرستقراطية، الحزنَ والتمردَ المتعجرفَ الذي صبغ شخصيات رواياته المعروفة: ( الجريمة والعقاب- الأشرار- الأخوة كارامازوف) فقد تشربت هذه الروايات الثلاث من تلك العجرفة والكبرياء، التي لا يمكن فهمها إن لم نسلط عليها أضواء الفلسفة البايرونية.
ويتضح أثر البايرونية عند الروائي الفرنسي ألكسندر دوماس (1802-1870) في رواياته التاريخية: ( الكونت مونت كريستو- عشرون عاماً بعد- الفرسان الثلاثة)، إذ أن أبطال الروايات الثلاث شخصيات بايرونية بامتياز، وكأنها خرجت مباشرة من مسرحيات بايرون.
ومع نشر الشاعر الفرنسي بودلير (1821-1867) ديوانه الشهير (أزهار الشر) كتب رسالةً إلى والدته يقول فيها: ( سيثير هذا الديوان غضب الناس، وسيرفضون كل شيء فيه، لكني أعرف أن هذا الديوان بقيمته وأخطائه، سيشق طريقه إلى ذاكرة المثقف، إلى جانب أشعار هوغو وغوتيه وحتى بايرون) ومن الواضح أن بودلير وضع بايرون في أعلى الدرجات التي يطمح في الوصول إليها.
من شعر بايرون:
من شعر لورد بايرون اخترت قصيدة: تتمشى بجمال (She walks in beauty)، وهي مقطوعة غنائية تتميز بأسلوبها البسيط وإيقاعها الهادئ، أقدمها لكم بترجمتي، مع قناعتي بأن الشعر لا يترجم:
تتمشّى بجمالٍ، مثل ليلٍ
هادئٍ، صاحٍ، مضاءٍ بالنجومْ
روعةُ الظلمةِ والنورِ تراها
في سوادِ العين.. في وجه الضياءْ
ولهذا أينعَ الضوءُ الرؤومْ
والذي تحرمنا منه السماءْ
* * *
إن ظلاً قد يحلُّ
أو شعاعاً قد يقلُّ
لن يمسّــا ذلك الحسنَ الذي ليس يسمّى
فتراهُ.. موجةً سوداءَ في كل ضفيرهْ
أو ضياءً ساكناً وجهَ الأميرهْ
حيثما الأفكارُ تحكي بصفاءْ
أنها تسكنُ وجهاً من ضياءْ
* * *
وعلى الخد وقوسِ الحاجبِ
يظهرُ الحسنُ بسحرٍ لا يبوحْ
بابتسامٍ جاذبِ
يخبر الناسَ عن العمر الهنيءْ
وسلامِ العقلِ والروحْ
وعن القلب وما يحملُ من حبٍّ بريءْ.
* * *
خاص ألف ألكترونيا
08-أيار-2021
28-آب-2012 | |
27-آب-2011 | |
24-تشرين الأول-2010 | |
20-نيسان-2010 | |
08-آذار-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |