Alef Logo
ابداعات
              

كلام مباح

إسماعيل القصير

خاص ألف

2010-10-05

كان قد أمضى قرابة خمسة عشر عاماً في السجن، وبعد إطلاق سراحه، فوجئ بغياب كثير من الأصدقاء. بعضهم طواهم الموت وآخرون طوتهم الحياة ومنهم من حوتهمالمنافي ومنهم من ضاع ..


تحية مبللة بأشواق لا تنقضي
هل أقول أنني مازلت مسكوناً بالحنين، وطيور الأحلام لا تبرح تراودني...؟
هل أقول أن نصال الزمن قطّعت شرايين كل الدروب التي حفظت شكل أقدامنا؟
هل نحن نحن؟
هل نحن هنا أم لمّا نزل هناك؟
هل نحن من الناجين أو المفقودين أو من الغرقى؟
هل مازالت الشمس تشرق كل يوم أم ثمة ليلُ بهيم مديد؟
كنا دائماً نتأرجح على شفا هاوية السؤال، ولا نرى في القعر إلا ما نريد!
أيها المنفيّ:
لم أقو من قبل ولم أطق الدخول في حوارات أو سجالات من أي نوع كان ، ولا حتى سرد حكايات وقصص عن عالم الظلمات الذي كنتُ فيه، رغم شغف وإلحاح السامعين.
كنت طوال الأيام التالية لنجاتي، شبه مسرنم! أو قل في غيبوبة نادرة الحدوث، حيث يكون المرء مدركاً لوجوده، إدراك من تعتعه السكر، فتراه عاجزاً عن التمييز و التواصل الفعّال.
كنتُ الحاضر الغائب
كنتُ الغريب، المعروف بغيابه.
كنتُ الحبيب للذين افتقدوا الحب وشفاههم ظمأى
كنت حكاية تقبل التأويل، والرواة كُثُر
غير أنني لم أكن ما أنا فيه.
أنت من نقر على أوتاري النائمة، وجعلني أنفض غبار هذا الوقت، لأشرع في الكلام المباح. فالغربة تجمعنا رغم اختلاف المفردات والتفاصيل والهواء.
كانت هواجس الحرية وولوج الحياة من جديد واكتساب العضوية...، تقض مضجعي، بعد ذاك الغياب القسري الطويل (مازلت وربما سأظل غير مصدّق أنني أمضيت كل تلك السنوات داخل مكان معزول، وأن أحداً يمكن أن يُسجن لسنوات عديدة ومديدة دون جريمة اقترفتها يداه؟!)
سلسلة متناسلة من الأسئلة الصعبة، كانت معلقة دون أجوبة واضحة وربما يبقى الكثير منها دون جواب.
ودون موعد محدد عدت، أو قل نجوت، حييت بعد أن وئدت سنين طويلة.
رمتنا مركبات الأجهزة الأمنية على قارعة الطريق. وقالوا: اذهبوا، انتم طلقاء....
أجنحةٌ هشّةٌ حملتني لذروة الفرح،
خشيت السقوط على الأرض مضرجاً بملح الحرية
والناس حولي يعبرون...
ما من أحد يعرفني ولا أشبه أحداً
سمعت صوتاً منهكاً ينبعث من أحدى طبقات المخيلة " أعيدوني معكم" ؟!
خيول الفرح رمتني في برزخ الحزن، والناس حولي محتشدين.
وجدت نفسي كأنني في حفلة تنكرية أو سيرك!
لم أعرف من الناس سوى من اختلطت روائحهم في نسيج لحمي...
وكانت البلاد غير البلاد...
كل شيء بدا غريباً، لم يكن صامداً في وجه التغيير، سوى أعلام الحزب الحاكم و اللافتات والشعارات المكتوبة على واجهات وجدران بعض المؤسسات الحكومية ووجوه مذيعي ومذيعات التلفزيون المحلي؟!
اكتشفت كم تزخر الحياة بالمتع الصغيرة، مثل: المشي دون وقت محدد أو اتجاه وهدف، الأكل والشرب حسب الرغبة دون قيود الكم والنوع، اللباس وفق الذوق و المقاس ، مشاهدة شروق وغروب الشمس والقمر، البلل وشم رائحة الأرض بعد المطر،
الضحك وسماع الأصوات الأنثوية ورؤية الحسناوات وأزيائهن المدهشة...
غير أن عادة العدّ لم تبرحني بعد، وأخشى أن يكون الخلاص منها، ضرب من المستحيل!؟
وما أدراك ما عادة العدّ
هي إحدى أبجديات السجن ، يعدّونك كل يوم، وأنّى تنقلت.
يعدونك كلما فُتحت وأغُلقت عليك الأبواب، يعدونك في الصباح وفي المساء
ويُعدّون...
وأنت بدورك تصبح عدّاداً وقابل للعدّ
تُعد أشياءك: تُعدّ السجائر، حبات الفاكهة والزيتون، أرغفة الخبز، أوعية الماء، دورات المشي والهرولة.
تُعد الأيام منتظراً زيارة الأهل، وتُعد الشهور والسنين وعيونك معلقة إلى غيوم الحرية.
ومع مرور الأيام وتكرارها، يغدو كل شيء قابل للعد، ويسكنك العدّ كمرض طفيلي.
تُرى، أيكون العدّ من تجليات الخوف؟
خوف الفقدان، الخسارة، الضياع....
لم ينقض سوى وقت قصير حتى كدت أختنق!
لا أنا هنا ولا أنا هناك
كل صباح كنت أنتظر فتح الأبواب. وكل مساء أنتظر العدّ وإغلاق الأبواب
تفاصيل حياة السنوات البغيضة كانت تلاحقني مثل الذباب، تهاجم بلا كلل أو خشية أو حياء
وكنت أدرك أن لا خلاص إلا بالسقوط في يمّ حياة جديدة.
كان لابد من البحث عن مدخلٍ مناسبٍ متاح، لأخذ مكان ما يمكن من خلاله الإبحار...
كم هي البداية شاقة، مثل كل البدايات، و الأنكى عندما لا يكون هناك مزيد من الخيارات.
لكن لا مجال للتردد أو التراجع أو الانتظار...
عليك أن تلق نفسك في اليمّ، وكل وجل أو حيرة يزيد الأمر تعقيداً والتيه تيهاً.
أرى التيار يرميني في خضم موج بحر لا لجة فيه.
وأراني أعوم في خضم الحياة العملية، التي تشبه طاحونة مؤتمتة لا تعرف الراحة.
كأنني أدور في حلقةٍ شبه خرافيةٍ تفصل المرء عن نفسه. كل يحاول التقاط أنفاسه فتراه يقبض الريح!

يا صديقي؛ هي ذي توطئة لحديث بيننا قد يطول، إذا أسعفنا العمر و شاءت لنا سبل الحياة أن نقوى على الكلام المباح.


25/1/2001


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

صهوة بلا جواد

07-تشرين الثاني-2010

كلام مباح

05-تشرين الأول-2010

عسل اللوعة

24-أيلول-2010

كأنكَّ تَلِجِيْنَ كُلَّ البُرُوْج

31-آب-2010

خطفة

21-آب-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow