إلى ر. غ.
...
أفردتَ للحبِّ صفحاتٍ وصفحاتِ / ولم تذقهُ ولم تنعمْ بلذّاتِ
بل ذقتَ منهُ مراراً لا يخالطهُ / حلوُ اللقاءِ ولا يشفي العذاباتِ
وليسَ يروي الذي باتت تأمّلهُ / بالكوثرِ العذبِ أقداحُ اللقاءاتِ
وقد رمتها كفوفُ الهجرِ مترعةً / وحطّمتها على رملِ الغياباتِ
ظلّي على البحرِ يبكيها ويرشدني / إلى الخلاصِ، إلى برٍّ، إلى ذاتي
والبحرُ حبّكِ كم من غارقٍ قبلي / في مثلهِ وملاقٍ موجهُ العاتِي
وما جفلتُ أمامَ البحرِ من فزعٍ / وما انهزمتُ وما نكّستُ راياتي
دربتُ قلبي على ترويضِ عاصفهِ / يا راكبَ الرّيح لا تخشَ المسَافاتِ
وهدّئ الرّوعَ إن هاجتكَ خاطرةٌ / في الذّهنِ أعنفُ من عصفٍ وموجاتِ
خواطرُ الفكرِ أسيافٌ يجرّدها / من غمدها الشكُّ خيّالُ البداياتِ
ما زال يطعنني في جُنحِ ليلتها / حتّى إذا أشرَقت قبّلتُ طعناتي
حسبُ الجراحِ يشدُّ العزمَ مُوجِعُها / وحسبُنا مَبعَثٌ بعدَ المعاناةِ
...
حانَ اللّقاءُ فنخلُ الشوقِ مرتفعٌ / في واحةِ الرّوحِ يعلو في سماواتي
ولاح وجهكِ: فاضَ الحبُّ عن ألَمي / وأغرقَ "اليومُ" ماضي "الأمسِ" و"الآتي"
أطفو على الشّعرِ في فنجانِ قهوتنا / حديثكِ المرُّ أحلى من كناياتي
تدنو النّسائم من أذني توشوشني / وأرقبُ الشّمسَ تخبو في محاذاتي
مالت ذُكاءُ عن الأبراجِ متعبةً / تلقّفَ الليلُ شكواها وأنّاتي
وأوعزَ البدرُ للألحانِ أكثرِها / سحراً أنِ اشتعلي بينَ الكمَنجَاتِ
فهل طربتِ لها مثلي وهل بَلَغتْ / أعماقَ روحكِ تسبيحاتُ ناياتي؟
وهل قرأتِ على عينيَّ ما فضحت / منّي و ما حجبت عنكِ اعترافاتي؟
أفردتُ للحبِّ صفحاتٍ وصفحاتِ / فكنتُ ناظمَهُ في متنِ أبياتي
ما رنتُ جنّتهُ إلا مخالسةً / وما نعمتُ بهِ إلا للحظاتِ
مُأرجَحٌ مثلَ جنّاتٍ معلّقةٍ / في قبّة الشّوقِ ما بُلِّغتُ إفلاتي
ما بينَ بينَ، إذا ما البحرُ يكرمني / أصطادُ لؤلؤتي من قعرِ مأساتي
جَامَعتُ من مُتَعِ الأحزانِ أخطَرَها / تعدّدت من بناتِ الوهمِ زيجاتي
وكنتُ كاتبَ مأساتي ومخرجها / وكنتُ نادبَ حظّي في النّهاياتِ
والآن أشهَدُ أنّ الحبَّ يكتبني / وأنكِ المبتغى خلفَ الكتاباتِ
يبوحُ بي الشعرُ إنْ لامستِ نرجسهُ / ويكسرُ العطرُ إعجابي بمرآتي
وأرقبُ الفجرَ في عينيك مستمعاً / إلى بكاءِ الليالي في شتاءاتي
تلمّني يدك البيضاءُ من صلفي / وتجمعُ العقدَ من أشتاتِ أشتاتي
كبابليٍّ يلمُّ الكَونَ في رُقُمٍ/ ويوقدُ الشّمسَ في مهدِ الحضاراتِ
ما بينَ نهرَيك فلتخضرَّ أغنيتي / وليولدِ السِّلمُ من رحْمِ الصّراعاتِ
وليهزمِ الحبُّ قلبي في معاركهِ / هزائمُ الحبِّ من خَيرِ البطولاتِ!



بوينوس آيرس 10-03-2013