ويلحظ العقاد أن عبقرية الرومي الشاعرة تخطَّتْ اللغات؛ فاحتفظت بروعتها وقاموسها العذب، وجوهرها النفيس: «ومن هنا كانت بلاغة الشاعر الصادق (جلال الدين) من ذلك النمط الذي يتخطى اللغات، ويحتفظ بجوهره من لغةٍ إلى لغة، مع صحة الترجمة في معناها، وقد يطَّلع القارئ على حكمة المثنوي في غير الفارسية-كما نصنع نحن حين نطَّلِع عليها في ترجمتها الإنكليزية- فلا يفوته الجوهر النفيس، من تلك الحكمة وراء الألفاظ والتراكيب؛ لأنه حكمة الإنسان الخالد، التي يُعبِّر عنها كل لسان». وبعين الناقد الحصيف، وبصيرة الشاعر الكبير،
في يقيننا ان دوستويفسكي أعطى هنا المفتاح الأساس لولوج هذه الرواية، وهو يعرف ان ما سيلي من أحداث لن يكون منه إلا ان يعزز هذا المفتاح، من لقاء راسكولنيكوف بصونيا التي تبيع جسدها بدفع من زوجة أبيها المخمور، الى لقائه بالمحقق الذي يبدأ بالشك به ثم يجرّه الى الاعتراف، الى وصوله السجن. فجحيم راسكولنيكوف هنا، انما هو هذه الأحداث نفسها التي جعلته من البشر، انساناً عادياً اقترف جريمة عادية، هو الذي كان يريد لجريمته ان تكون اصلاحاً للمجتمع يقوم به الفرد المتميز لمصلحة البشر الآخرين.
أمام ما عشناه في ثورة 17 فبراير في ليبيا أومن قبلنا مع ثورة تونس ومصر أقول إن الشعر لا يزدهر أثناء الثورات لأن الناس لا تفكر بالشعر وقت الثورة ولا تنشغل به فاأمام القمع والقتل والمطاردة من قبل الأنظمة الفاسدة تنشغل الجماهير الثائرة بكيفية الصمود وإكمال ثورتها بأقل عدد من الأرواح ولا أظن أن الشعر سيولد بشكل فني متقن في الساحات أو الشوارع المنتفضة والدم يسيل والناس تعذب في السجون والدموع تذرف في المقابر فللشعر شروطه وظروفه الخاصة جدا حتى يولد إبداعيا مكتمل الشروط والجوانب الفنية والنقدية
زاد الأمر تعقيداً نجاح السلطة في منع المتظاهرين، بالحديد والنار، من السيطرة على ساحة أو ميدان عام للتجمع والاعتصام يفتح مساحات للتفاعل المباشر بين فئات المجتمع، والأنكى استحضار ما تيسر من خلافات بين الفئات والطوائف، وتشجيع تسلل عناصر مغرضة في وسائل التواصل الاجتماعي وفي صفوف الحراك الثوري لترويج أفكار دينية متطرفة، وفي الطريق المبالغة في تحميل بعض الهتافات الدينية مضامين طائفية حاقدة لاستفزاز الشعور الخاص لدى بعض الأقليات كي تستمر في خوفها من التغيير.
يقتضي الأمر العمل من داخل هذه العملية التاريخية الكبرى التي هي الثورة، وكان من شأنه أن يفرض انضباطاً نفسياً وفكرياً وسياسياً على المنخرطين فيها، فيقلل وسوسة شياطين الخصومات القديمة، ويتيح الخروج من ظلمات النفوس إلى ضوء الغيرية والتغير. يمكن العمل في الثورة أن يقرّب أفكارنا وتصوراتنا من الواقع العياني، ويحسن معرفتنا بالمجتمع السوري، وإن هو لم يوحد إرادتنا فإنه يُدرجنا في عملية واحدة ويقرّبنا من بعضنا بعضاً.
كان يفكّر في نبوءة آينشتاين (لا أعلم ما الذي سيحدث في الحرب العالمية الثالثة، ولكن ما أعلمه جيداً أنه في الحرب العالمية الرابعة ستتقاتل الناس بالعصي)، حين قال لي: يراودني شعور بأن الثورة السورية قد تشعل حرباً عالمية ثالثة. فقلت: ليكن، لا رجوع عن هذه الثورة، وليحترق العالم بنيرانها المبارَكة، فلنيران هذه الثورة وظيفتان: الحرق، والإنارة، وإذا كان من شأن الحرق ترميد الماضي، فالإنارة من شأنها الإشراق
قد فشل المجلس في عدة نواح رئيسية. فقد كان عليه أن يتواصل مع كافة مكونات الثورة السورية، فقصر اهتمامه على بعض مكوناتها؛ وكان عليه أن يمد الجسور مع الفئة الصامتة أو المترددة من السوريين ليشجعها على الانضمام إلى الانتفاضة، ولكنه آثر ألا يكرس إلا القليل من جهده في هذا السياق؛ وكان عليه أن يبذل جهدا في الداخل السوري أكبر من جهده الدبلوماسي الخارجي، ولكنه آثر أن يصب معظم وقته وجهده في لقاءات وحوارات مع الدبلوماسيات الأجنبية وبذل جزءا صغيرا من وقته مع قواعده في الداخل؛
مقدمة
يعتبر الحق في التجمع والتنظيم أحد الحقوق الأساسية التي لا غنى عنها ولبنة أساسية في البناء الديمقراطي السليم لأي مجتمع متحضر، وقد كفلته الدساتير العربية والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، ومع ذلك مازالت النصوص التشريعية غير متوافقة في بعض جوانبها مع هذا المستوى من الحماية الدستورية، وكذلك مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
حافظ أبو سعده
ذلك لا توجد تلك السلطة الكهنوتية التي تحدد معاييرها الخاصة الخطأ والصواب، فالضمير في الإسلام هو المعيار النهائي للأعمال لا الكنيسة، فلا طقوس اعتراف أو توبة أو تعميد ينهض بها أحد (رجل دين) لأحد من «المؤمنين» لأن رجل الدين في الإسلام لا يعدو فقيهاً، له فقط حق التعليم أو التفسير وليس الرقابة على الإيمان، لأن الكتاب المقدس في الإسلام وهو القرآن يقرأه الجميع ولا احتكار لقراءته أو تأويله بشرط وحيد «موضوعي» وهو العلم بأساليب البيان، وليس بشرط انتقائي / تفضيلي أو «تحكمي» هو الانتماء الى السلك الكهنوتي.
رحيلُ أسمهان المُبكر، على رأيي المتواضع، هوَ من قدّر له أن يَجعلها أسطورة. فهيَ إذ مرّت على كوكبنا خلال اثنين وثلاثين سنة لا غير، إلا أنّ سبعاً منها حَسْب قد حَفِلَ بزخم عبقريتها الرائعة، وخاتمته في آن. في هذه الحالة، ألا يمكننا مقارنة أسمهان بعبقريّ آخر، هوَ الشاعر آرثر رامبو؛ الذي عاش بدَوره عمراً قصيراً، شُغِلَ خلاله بالكلمة لثلاث أو أربع سنين فقط: ولو تأملنا صورة شاعرنا شابّا، لوجدنا فيها ملامحَ من حسن انثويّ. كذلك الأمر، بالنسبة لصورة أسمهان الشابّة الناضجة،