إذا كان الحب أن أعيش لأجلك أكثر مما أعيش لنفسي
مخفيا خلف وجهٍ بهيج، ووهنٍ عظيم
شاعرا بمعركة لا متكافئة تضطرم بداخلي
ساخنا، باردا، كأن حمى الغرام تجتاحني :
مستحيا، أن أحكي لك اعترافا بآلامي
فإذا كان هذا هو الحب : ساخطا، أنا أحبك
أحبك واعلمي جيدا بأن ألمي ليس له قرار
القلب قد اكتفى، واللسان يعجز عن الكلام
ومذ ذلك الحين، وأنا أستحم في قصيد البحر،
منقوعا بالنجوم، ولبنيا
ملتهما اللازوردات السماوية حيث طوف السفينة الشاحب
مشرقا بالفرح، غريقا متأملا ينحدر أحيانا
.هناك حيث تخضب فجأة الزرقات، هذيانات
و إيقاعات وئيدة تحت نضارات النهار الساطعة
أقوى من الكحول، أشسع من قيتاراتنا
تخمر صهبات الحب المريرة
أعرف السماوات المتصدعة بروقا و أعاصير مائية
أعرف ارتداد الأمواج و التيارات (السيول)، أعرف المساء،
الفجر الممجد كما أعرف شعب اليمام
و أبصرت في بعض الأحايين ما ظن الإنسان أنه رآه
.ما هذه الجذور المتشّبتة اية غصون تنمو
من هذه النفايات المتّحجرة يا ابن ادم
انت لا تقدر ان تقول او تحزر
لأنك لا تعرف غير كومة من مكسّر الاصنام
حيث الشمس تضرب والشجرة الميتة
لا تعطي حماية ولا الجندب راحة
ولا الحجر اليابس صوت ماء
ليس غير الظل تحت هذه الصخرة الحمراء
تعال الى ظل هذه الصخرة الحمراء
ما هي فائدة الأدب؟ وهل هو بالأحرى بلا فائدة؟ وما حاجة الشعوب له؟.. وكثير من الأسئلة الأخرى التي تصب في نفس منحى توجيه أصابع الاتهام للأدب وللذين يمارسونه بشتى أنواعه ومشاربه. وذلك منذ فترة طويلة تمتد على ما يزيد على ألفي سنة من تاريخ الإنسانية. وليست قليلة هي الحالات التي تمّ فيها إيداع المبدعين في شتى مجالات الأدب غياهب السجون لفترات قد تطول أو تقصر.
شعائر نثرية متراصة بحبل من مَسّك .. ومعان مجنحة تتطيب من نفح الوريد تقول المشهد وبجرعة ضاقت حتى اشبعت
...تلك فورة النثرية ومقام من مقاماتها العليا وقد استدعت أجنة المعاني وباطنها المرصود
لغير المأهول ولا المطروق .
"في اليوم التالي لم يمت أحد. تلك حقيقة مؤكدة. ولأنها تناقض قوانين الحياة، فقد أثارت قلقا هائلا و مبرّرا جداً في عقول الناس. علينا أن نتذكر أنه في الأربعين مجلداً من تاريخ العالم لم تحدث مثل هذا الظاهرة ولو لمرة واحدة، لم يحدث أن مر يوما كاملا بساعاتِه الأربع والعشرون، بنهاره وليله، دون أن يقع موتا واحدا لمرض,أو لسقوط قاتل، أَو لانتحار ناجح،.... ليس ثمة موت واحد. ولا حتى من حادثة سيارة، وهو أمر شائع حدوثه في المناسبات البهيجة، عندما يلتحم التهور والإفراط في الكحول ليتسابقا في تحديد من سيصل الموت أولاً. حتى عشية السنة الجديدة أخفقتْ في أن تتَرْك خلفها،كعادتها، طابور الضحايا المفجع.
وقراءتي هذه للرواية العربية استلهمت أعمالي السابقة عن السرد العربي وعن الحكائيات السابقة للحداثة.
فقد كنت أكتب مقالة عن سيرة عمر النعمان، وهي دورة ملحمية مصغرة أضيفت إلى ألف ليلة وليلة في القرن التاسع عشر، ولاحظت كيف أصبح فجأة الفرق بين قصص الحب، ذات النهايات السعيدة كما تعكسها حكائيات ما قبل الحداثة، وغيابها الواضح في السرد العربي الحديث، مهما لفهم وظيفة دورة العشق في السيرة. وعمر النعمان، مثل معظم الروايات العربية، يصف بالتفصيل نهوض الأمة وسقوطها ثم إحياءها. ولكن في هذه الحالة من خلال جينيالوجيا السلالة الملكية لعائلته.
لقد اعتمدت استمرارية هذه السلالة، إلى حد بعيد، على التزامها بقانون التزاوج الداخلي ضمن العائلة، وهو الشرط الذب يكفل لها الشرعية. إن قصص الحب هذه خطابات، ذات طبيعة استعارية، وتتناول مصير الأمة. وهذا المصير مكتوب بيد أعضاء العائلة الذين يشكلون نواة الأمة في سلوكهم العشقي:
إنطلاقا من تعريف دائرة المعارف البريطانية النوفيلا التي نشأت في إيطاليا في القرون الوسطى، على أنها سرد قصير، محكم البناء، تشتمل على شيء من التعقيد لناحية جودة البناء الفني وترابط عناصره، يمكن تصنيف رواية ألبرتو مانغويل «عاشق مولع بالتفاصيل» الصادرة بالعربية (دار الساقي ـ ترجمة يزن الحاج) بأنها تنتمي إلى هذا الجنس الأدبي. هي تحقق شرط الحجم الذي اشترطته تعريفات أخرى لهذا النوع من الكتابة، بحيث تأتي «النوفيلا» أطول من قصة وأقصر من رواية، وهو ما يتحقّق، ظاهرياً، في ترجمة «عاشق مولع بالتفاصيل» التي لم تتجاوز 94 صفحة من القطع المتوسط، إلّا أنّها بعد الانتهاء من قراءتها، تضرب عرض الحائط بكلّ التعريفات الأكاديمية. يمتدّ أثرها طويلاً، وتبدأ تفاصيلها بالتكاثر والتوالد في رأس قارئها، ما يجعلها، في مخيلته، تأخذ حجم رواية طويلة، دون الاكتراث إلى استنادها أصلاً إلى حدث قصصي بامتياز يمكن سرده بأسطر قليلة.
في صبيحة أحد، بعد الانتهاء من سماع القداس، جلس الملاكان "أونيتو" و "سغرتاريو" على كرسيين جلديين سوداوين من نوع "ميلر"، يتابعان من أعالي السماء، ما يتآمر عليه هؤلاء البشر الأوغاد على الأرض.. نطق الملاك " أونيتو " بعد صمت طويل: " قل لي يا " سيغريتاريو "، هل شعرت أحيانا بالسعادة عندما كنت بالحياة؟" -" يالها من فكرة !، رد صديقه مبتسماً، لكن لايمكن لأحد أن يكون سعيداً على الأرض !" قال ذلك ثم جلب من جيبه علبة " مارلبورو ". -" أتريد سيجارة؟ " - بكل سرور، شكراً، رد الملاك " أونيتو "، مع أنني عادة لا أدخن صباحاً، لكن اليوم هو يوم عيد... ومع ذلك ، كما ترى، أعتقد أن السعادة...." قاطعه " سيغريتاريو ": -" بالنسبة لك شخصياً .. هل حدث لك ذلك؟ " -
في البدء كانت امرأة ذات خيال واسع، وهي بفطرتها مجبولة على النسج والغزل والحياكة، تمسك بطرف الخيط وتلفه وتمده وتعقده وتشكله كيفما شاءت ثم تفرطه لتحبكه ثانية: امرأة دارت في عقلها حبكات وحبكات، بعضها دبرت تصميمه، وبعضها جاءها عرضًا كما أملته مواهبها. امرأة لها هذه القدرات الكامنة، هل نتصورها قضت سنوات عمرها صامتة؟ امرأة ينبض عقلها بالحياة وقلبها بالإحساس، هل نتخيلها عاجزة عن تشكيل الكلمات التي تعبر بها عما يدور بخلدها؟ عندما قررت تلك المرأة الأولى أن يكون لها حضور، فتحت فمها لأول مرة وقالت: " كان يا ما كان.." فضربت بذلك من حولها أسوار الأمان. لن يحاسبها أحد على مضمون حكايتها إذا هي قطعت مرساتها وتركتها تبحر في أزمان غير زمنها وتطوف أماكن غير مكانها.