تتشابه مصائر الشخصيات، فهي عندما تحاول التخلي عن الهامش الموجودة فيه، أي مكان سباتها وثرثرتها في اللوحة الخلفية، تبدأ بفعل التمرد «الثورة»، عبر غزو المتن «مقدمة الخشبة»، فتنقل الجمهور مكانياً من المستشفى إلى الزنزانة إلى الشارع... وتظلّ الشخوص الآتية من أماكن مختلفة تحاول أن تقوم بفعل المجابهة، من خلال تجسيدها مشاهد عدّة تنتهي دوماً بفعل القاتل. المجرم يحضر شبحه دائماً، كما أن أدواته واضحة للجمهور.
ويلفت المؤلف إلى أنه على رغم وجود مبادئ كلية عامة جاء بها الإسلام في مسألة الحكم، فإن إطارها التاريخي يبرز عدم وجود شكل واحد ومستقر، فلقد حكم الخلفاء الراشدون بطرق مختلفة عن شكل الحكم في الدولة الأموية، وعلى رغم وحدة شكل الحكم بين الدولتين الأموية والعباسية، فإن طريقة تدبير شؤون الدولة مختلفة بينهما، اذ اعتمدت الدولة العباسية على شكل التدبير الفارسي الساساني كما أرست دعائمه الآداب السلطانية، ومن ثم فإن أصحاب الدعوى بأن هناك نظرية سياسية في الإسلام، عليهم أن يجيبوا أين هي دعائم هذه النظرية، ومتى طبقت في مراحل التاريخ الإسلامي،
في الواقع التاريخي كان الشِّعرُ كتلتين: أولاهما ثمرةً ناضجةً على جذوعِ التاريخ المتحقِّق والذي يمتحُ من جذورٍ عميقةٍ وبعيدةٍ في التاريخ القديم، وهذا الشِّعر يمكن أن نسمِّيه الشِّعر التاريخي، وله شرعيَّةٌ وله جمالياته وله مبرِّراته وأخلاقياته وفلسفته، وهو شِعرٌ منسجمٌ مع الجمال المتحقِّق في التاريخ، وهو في الآن نفسه متعارضٌ مع القبحِ الذي تحقَّق في التاريخ، وما يزال يتحقَّق بنفس الوجه ونفس الشكل ونفس الأدوات، وهذا الشِّعرُ يقع في شَرَكِ التكرار والتشابه والتلاص والتناص، لأنه يمتحُ من تاريخٍ متحقِّقٍ ونموذجٍ تشكَّل واكتملَ؟
كما أنَ الحشد والرعاع قد أثبت أنه يفتتن بالشر والجريمة ولا يبالي المنخرط في الحركة الشمولية بالجريمة أو الشر على العموم، قد يكون هذا تفسيراً لما تمارسه الدولة الشمولية العربية من تحشيد قطاعات معينة من الشعب في خدمة أجندتها الشمولية وفي مواجهة قوة الشعب الثورية بعد بزوغ ثورات الربيع العربي. وإن الأفراد التابعين للدولة الشمولية والمنخرطين في ممارساتها العنفية وغير العنفية يتميزون بالولاء الأعمى والدعم اللامحدود للدولة الشمولية، وتعتمد الشمولية على مبدأ القائد الأوحد والزعيم المقدس، والحزب القائد يعتمد على أقلية منظمة وأغلبية متعاطفة والاعتماد على جهاز المخابرات
لا يعني ما سبق أن الفلسفة الإسلامية تكرار لفلسفة اليونان، كما يرى بعض المستشرقين، بل يقصد بذلك أن فلسفة اليونان، قضاياها ومحتوياتها، شكلت مادة للتفكير الفلسفي في الإسلام، فكانت جزءاً لا يتجزأ من بنيته، ومكوناً جوهريا من مكوناته، دون إغفال خصوصية الفلسفة الإسلامية، انطلاقا من خصوصية واقعها العربي الإسلامي، كما يقول الأستاذ المرحوم محمد عابد الجابري في كتابه (نحن والتراث): «نقل أجدادنا الفلسفة اليونانية، كما وصلتهم، إلى اللغة العربية، وحاولوا التوفيق بينها وبين معطيات المجتمع الإسلامي الدينية والفكرية.
اما الفيلسوف الألماني هيجل فرغم ان شهرته في الأوساط غير المتخصصة فلسفية الا أنه عالم جمال بامتياز وكتب عن الشعر والتصوير والنّحت تحليلات عميقة، وهو ايضا شاعر ، له قصائد تعبّر عن رؤاه في الكون والتاريخ، لكن كتاباته في الفلسفة والديالكتيك صرفت الانتباه عن شعريته رغم رصانتها، لكن ثقافتنا العربية التي هيمن عليها لزمن طويل تصور غنائي للعالم عزلت الشعرية عن مجالات المعرفة وما يؤكد ذلك التصنيف الاتباعي والأفقي لشاعر كأبي العلاء المعري، فقد وُصف بأنه فيلسوف الشعراء واحيانا شاعر الفلاسفة وكلا الوصفين لا صلة له بواقع الابداع الا اذا سلّمنا بأن هناك تضاريس ثابتة
وفي بيت سكنته الأم على أطراف حقول الخسّ، نتابع سيرة أبنائها. «سوسن» هي الابنة الفاتنة التي جنّدها الحزب في «كتائب المظللين»، فكتبت تقارير عن زميلاتها في المدرسة وانغمست في علاقة عشق مع الرفيق منذر القريب من القيادة، والذي ينتقل إلى دبي ليعمل لدى أحد المتورطين في قضايا الفساد والسلاح. لكنّه يرفض بعد ذلك الزواج بها بسبب اختلافاتهما الطائفية. وعلى إثر صدمتها، تعود سوسن إلى سورية لتجرّب حياة أخرى كامراة محافظة، وبعد أن تفشل في إغواء مدرس اللغة الفرنسية (جان)، الذي يفضّل عزلته وإعادة ترجمة أعمال بلزاك، تجنباً للتورط في مدينة تحوّل سكانها إلى مُخبرين.
عندما وضع ميرشيا ايلياد (1907 - 1986) هذا الكتاب في العام 1949، كان في الثانية والأربعين من عمره. وسوف يقول لاحقاً إن اشتغاله على «أسطورة العود الأبدي» لم ينتج لديه عن الغرق في أي أزمة روحية، كما حاول بعض كاتبي سيرته أن يقولوا. في معنى أن صياغته لهذا النص الذي سنجد معظم أفكاره موزعة لاحقاً في كتبه التالية، سواء أرّخت للأساطير، أو للمعتقدات الدينية -لأن هذا كله يمتزج في نهاية الأمر لدى ايلياد امتزاجاً تاماً، إذ يدور كله من حول كلمة واحدة كانت وظلت دائماً أساسية لديه: المقدس-، بحيث يمكن النظر إلى أسطورة العود الأبدي -كمفهوم وككتاب- باعتبارها الأسطورة المؤسسة لكل ذلك المتن الذي شكلته كتب ايلياد.
سألني صديقٌ كبير، هو كاتبٌ سوري ناشط في الثورة السورية، ما يأتي: هل من الممكن فلسفياً أن تكون للأدب حياةٌ أو مسؤوليةٌ خارج كينونته الأدبية، وقارئه الأدبي؟ كان هذا الصديق يسأل: هل من عيبٍ في أن يحافظ الأدب على خصوصيته الإبداعية الخلاّقة، ويؤثّر في الحين نفسه، في الشأنَين المجتمعي والسياسي العام؟ كأنْ يأخذ على عاتقه المشاركة المعنوية في الثورات والانتفاضات الداعية إلى تقويض الاستبداد وتغيير الأنظمة الديكتاتورية،
يرغب لين بالبقاء قوياً لأن حفيدته تحتاج إليه، وأنه لا بد أن يكمل رسالته في إنقاذها، ويعتقد أن عليه أن يقص عليها حكاياته عن القرية والساقية والغابة ووالديها. يجد في بارك صديقاً حميماً، يعتاد وجوده إلى جنبه. أدهشه بارك وأضفى تجديداً على رتابة أيامه وحياته. حكى له بكآبة عميقة عن ماضيه ودوره المخرب في الحرب التي اقتيد إليها حين كان شاباً في العشرين من عمره، وكيف أنه نكل بالناس كغيره من الجنود،