يعطينا هذا مؤشراً يمكن أن نقيس به الحس الإنساني عند يوسف بمقدار ما يربطه بمصالح الناس من جهة، وأيضاً بمقدار ما يحقق ذاته على هذا الصعيد. إذن هو على قدر من المسؤولية الاجتماعية المنتجة، إذن هو إنسان بما يقدم ويعطي، سواء للناس أم لنفسه، وليس لمجرد أن نطلق عليه صفة إنسان ثم نسكت عن استحقاقاتها.
الذي يشبه متشائل إميل حبيبي ويختلف عنه، إشارات مستمدة من مساره: انتظر عودة عشق قديم حتى كاد أن يفقد الذاكرة، جذبه إلى العمل في البريد منتظراً رسالة محتملة، وزاملته درّاجة قديمة أسعفته في بحثه وشاخت مثله، واكتفى ابن يافا القديم بعزلة متقشّفة، لا أقارب ولا معارف، آثار مآله عطف الآخرين وتحوّل إلى حكاية. والحكايات غالباً ما تموت.
لا بد قبل كل شيء من التذكير بأن العنوان عادة (إن لم يكن من اختيار الناشر لأسباب تجارية محضة) هو دليل الكتاب. وبوصفه كذلك، لم يكن عنوان كتاب برهان غليون يتضمن ما يشير إلى أنه وقائع سيرة ذاتية أو مذكرات شخصية يستعيد بها المؤلف سنوات حياته أو بعضًا منها. ذلك أن الجملة التالية من العنوان: “وقائع ثورة لم تكتمل – سورية 2011 ـ 2012”
في دمشق، العاصمة، يسطع ضوء مول تجاري بكلفة 310 مليون دولار، تم بناؤه خلال الحرب على مسافة ليست بعيدة من جبل حيث كانت القوات الحكومية تطلق منه قذائف المدفعية على مناطق المتمردين، يتردد صدى طقطقة أحذية الكعب العالي للمتسوقات. وفي دوما المجاورة، التي كان يسيطر عليها المتمردون طيلة معظم الحرب، ما تزال المياه طموحًا أكثر من كونها واقعًا، في اللاذقية،
بمجرد اقتراب وقت عودة نيرودا إلى متن سفينته الراسية في الساعة السادسة من بعد ظهر ذلك اليوم، ودَّعنا وذهب إلى الجلوس على طاولة بجوار الطريق، وبدأ بكتابة قصيدة ما بقلم الحبر الأخضر نفسه الذي كان يستخدمه لرسم الزهور والأسماك والطيور بالتفاني والإخلاص ذاتيهما الذي كان يوقع به كتبه. ومع الإعلان الأول عن الصعود للسفينة، بحثنا عن فراو فريدا، ووجدناها أخيراً على ظهر السفينة السياحية بعد أن كنّا على وشك الاستسلام لعدم إيجادها، وكانت هي أيضاً، قد استيقظت للتو من قيلولتها.
في الفصل الأول، ثقافة النظر في ثقافة الفكر الجمالي، يطرح قويعة جملة أسئلة: على أي نحو يمكن إخراج موضوع النظر من هذا الكون الميتافيزيقي المختلط إلى مجاله المحسوس، حيث يكون العمل الفني شيئاً مرئياً؟ أي كيف نسوق العمل الفني من كونه فكرة مجردة إلى حالة تؤسس له وجوداً أمام العين الباصرة، بل أمام عيني أنا أو عينك أنت، بالذات؟ بأي حال يمكن الناظر أن يتحرر من غطاء الفكر المجرد ليكون ذاتاً ترى العالم من لحم ودم وتستمع إليه وتلامسه، كما تصوغ صورته من خلال إدراكها له، داخل وضعية إدراكية ما؟
«لقد آمنت دائماً بأن الله خلق توني موريسون كي تكون صوتاً لأولئك الذين صودرت أصواتهم». يقول عنها جيمس ماكبرايد الموسيقي والكاتب وأحد تلاميذها. تلك الأصوات المصادرة البعيدة التقطتها الأديبة (المحبوبة) من شدقي الفناء، ودوّنتها سجلات مؤبدة للألم والعذابات بكلماتها المنسوجة من أشعار وشغف وقلوب. إذا لم تكن الكتابة مثل ذلك، فلم تُقرأ الكتب؟
الحقوق الوضعية التي قامت العقلانية التقنية بسنها. خلاصة القول أن العقل لم يعد جوهرا ولا يمكن الحكم الموضوعي عليه ولا يجوز إرجاعها إلى الذات وإنما هو مسند يساعد على تدبير العلاقات بين الأفراد وتقريب وجهات النظر والمحافظة على المختلف. لكن يمكن اعتبار العقلانية التواصلية هي إنتاج خاص بالأفعال الكلامية كما جاءت بها الفلسفة التحليلية؟
لا شك أن فن الرواية يمنح الكاتب فضاءً واسعًا للتحليق والتخييل، وإمكانية المزج بين الواقع والخيال وتوظيف الأحلام والاستيهامات والتداعي الحر واستحضار الذاكرة وتداخل الأزمنة وتعدّد الأمكنة، إلى آخر ما هنالك من تفاصيل تغني النص وتجعله نابضًا بالحياة… لكن ثمة إشكالية ما تبرز في هذا السياق؛ تتعيّن في مدى قدرة الكاتب أو الكاتبة على تحقيق شرط الصدق الفني والإقناع،
هو ذا ما تقدمه قراءة جديدة لهذا الكتاب الذي يعيد لقارئه تفاصيل ثورة شعب كان يطلب الكرامة قبل الخبز، والحرية قبل الاستقرار، والذي كتب في أربعة فصول أشبه بأربع حركات موسيقية رئيسة في سمفونية روائية متعددة الأصوات والمستويات، تجلى فيها وعبرها الشعب السوري لنفسه وللآخرين. مهداة رغم كل شيء إلى سورية الموعودة، سورية الغد.. تلك التي لا يمكن أن يساور الثوار شكٌّ في قدومها.