ضغطت أنفها فوق البركة التي على الكرسي و ضربتها بكل قوتي. ثم ألقيت جسمها الأعرج و المترهل فارتطمت بباب الخزانة. رقدت هناك لدقيقة من الوقت كما لو أنها لاقت حتفها، ثم رفعت رأسها المبلول و نظرت لي و هي تنفخ و تموء. فحضنتها و وضعتها على صدري و أنا أبكي.
قالت الوالدة إنها ستذهب برحلة عمل. كانت تفعل ذلك طوال الوقت. و لكن في هذه المرة استغرقت أياما لتحزم متاعها، و أحيانا كنت أسمع صوتها، ثاقبا و باردا و هو يمر من خلال هواء الليل بأعلى صوت. و كان صوت الوالد يهدر عبر ألواح الأرض الخشبية، و هو يرد على صراخها بصوت أعلى. و باستثناء الحوامات هذا هو الصوت الوحيد الذي يتردد في كل الليل. فصراصير الحقل قد ابتعدت و غادرت. حاولت أن أملأ غيابها بالموسيقا من راديو صغير وضعته على الوسادة. و لكن هذا لم ينفع. لقد تبدلت الأحوال و سارت باتجاه أسوأ.
حديقتنا على الجانب المظلل من الحكمة
حديقتنا مكان للمشاعر و النباتات التي تتعانق
حديقتنا نقطة التقاء النظرة و القفص و المرآة
ربما حديقتنا هي قوس من دائرة البهجة الخضراء.
في تلك الأيام، كنت أقضم في منامي من فاكهة الرب الخضراء
كنت أشرب من مياه لا فلسفة لها
و كنت أجني التوت الخالي من العلم
و في لحظة تشقق ثمرة الرمان
تمتد يدي إليها بشوق و رغبة
و في لحظة انفجار عندليب بأغنية
يلتهب قلبي بالشوق للإصغاء له
أحيانا تريح العزلة وجنتها على النافذة
أحيانا تمر بي العاطفة و تحضن الحواس بذراعها
و العقل يلعب ألعابا مسلية.
ها هي الحياة مثل مطر النوروز، مثل شجرة بطاح تثمر بعناقيد من النجوم
و العقل في ذلك الوقت يلعب لعبة الحياة في صف من الأنوار و الدمى.
لم تستعمل المصعد، لأنها لا تعلم هل سيؤثر على العصفور أم لا. عند المجموعة الثانية من السلالم ارتعشت يداها. قرقع المطر في الخارج على الحواف المعدنية، و امتلأت عتبات السلالم بالأصداء. قفز العصفور من طرف لآخر و تفحص الجدران و الدرابزون الذي نمر به. سألته:" هل أنت على ما يرام يا صغيري؟". و حينما دخلت للبهو و اقتربت من الباب، خطرت لها فمكة مرعبة:" مرحبا يا ماغي، أعلم أنني التقيت بك مرتين، في مسكني توجد مهواة، كما ترين.. على أية حال... سمعت صوت بكائك و.. و رغبت أن أهديك هذا العصفور؟". نعم، حسنا. يا للهراء. تجمدت أوصالها. و فكرت:" كلا. لا تتجمد من البرد". و نظرت للأسفل نحو العصفور. و عادت أدراجها إلى السلالم، و حينما أصبحت على أهبة التراجع، حصل ذلك. غرد العصفور. تغريدة قصيرة. فهمدت في مكانها. نظرت للأسفل إليه. كان يتأملها. و لم يعد بوسع مادلين أن تتحرك.
قد كانَ ليلاً طويلاً..
أحدهُم قالَ شيئاً عن القمرِ ينثرُ بياضهُ
في الحقلِ البَارِد،
قالَ بأنَّ لا شيءَ في الأفُقِ
سِوى المزيد من الأشياءِ نفسها..
إحداهنُّ ذكرت شيئاً عن مدينةٍ سكنت بها قبلَ الحرب،
عن غرفةٍ بشمعتينِ تجاهَ الجِدَار،
عن واحدٍ كانَ يرقص، واحدٍ كانَ يُراقِب.
كنَّا قد بدأنا بالتَّصديق
بأنَّ الليلَ قد لا ينتَهِي..
بنيت كوخ عزلة في موضع ينشط فيه الناس،
موضع لا يُسمع فيه ضجيج العربات والأحصنة العابرة
فالمرء يكون بعيداً عن ضجيج الدنيا
ما دام قلبه فارغاً منه
رحت أقطف الأقحوان عند السياج الشرقي لبيتي،
عندما ولج الجبل الجنوبي على مهل في عينيّ
منظر الجبل خلف الضباب الرقيق كان ساحراً
بينما رفوف العصافير تعود إلى أعشاشها لتأوي فيه
إن حكمة الحياة كامنة في هذا كله
وعندما وددت شرحها لم تسعفني الكلمات
كان ميّالاً إلى فلسفة التاو التي كانت سائدة في عصر أسرة تانغ، كما تأثر بفلسفة كونفوشيوس كغيره من المثقفين الصينيين القدامى. أمضى حياته في التجوال بين الأنهار والجبال، وحاول الخوض في الشؤون السياسية ولكنه لم يُوفَّق في ذلك بسبب كراهيته للمصانعة وعدم اتفاق مزاجه مع السياسة. تعرض للسجن والنفي في السنوات الأخيرة من حياته عندما سادت الاضطرابات في الدولة. توفي عام 762 عند أحد أقاربه.
أحب لي باي الخمر والسياحة وأجاد فن المبارزة، وانعكست هذه كلها على شعره الذي يتميز بالطلاقة والطبيعية وسعة الخيال، الأمر الذي جعله من أبرز الشعراء الصينيين.
سماء حمراء و ملائكة غليظة مثل أشجار النخيل،
و الزبالة تطير مع الريح كالسيارات
و كبرق المركبات الرياضية
في بحر لا نهاية له من الزحام.
و خلال الظلام، نقول، خلال الظلام:
هل نحن نعلم؟.
هناك رجل في الحقل و هو يبحث عن الله.
أيها الأب، يقول، يا أيها الأب.
وبما أنه بجانبي دائمًا وأنني ما زلت شاعرًا
فإن أدنى نظراتي
تملأني بالأحاسيس،
وأصغر صوت، مهما كان مصدره،
يبدو وكأنه يكلّمني.
الطفل الصغير الذي يعيش حيث أسكن
من نجمة إلى نجمة، و من شمس و ربيع و ورقة،
و تقريبا زهور ناطقة و صوتها هو الصمت،
و في المروج الشائعة، تقفز بذور الحياة.
و الآن الزنبق يتفتح، و الوردة
يطلق الصيف سراحها من قبور غير ضارة
و هي، من قرون عميقة الغور، هي في الهواء الذي نتنفسه،
و في أرضنا و ترابنا، و في خبزنا اليومي.
و الأبعاد الداخلية و الخارجية تمسك
الأشكال الحية، و لكن ليس قوة الحياة:
فالشجرة المقدسة في الداخل
عند انحناء سياج المزرعة
عند انتهاء طريق وحدتي
أصل المنتهى
نهاية الوجود
نهاية المعتقدات الباطلة
نهاية الضحكات العقيمة
نهاية النهاية.
أنا الذي لا أبدّل نسمة رقيقةً بكل هذه الدنيا