Alef Logo
دراسات
              

كيف تم القبض على الجاسوس الإسرائيلي "كوهين"/ نافذة على التاريخ العربي المعاصر

فيصل حوراني

خاص ألف

2010-01-08

"دروب المنفى" كتاب من خمس مجلدات هي "الوطن في الذاكرة" "الصعود إلى الصفر" "زمن الأسئلة""الجري إلى الهزيمة"أين بقية الحكاية؟" ويعتبربمجلداته الخمسة شهادة الكاتب الفلسطيني فيصل حوراني الملحمية التي رسمت بلغة الأدب صورة شاملة للحياة الفلسطينية المعاصرة ومحيطها العربي. مؤخرا، صدرت المجلدات الخمسة في طبعة جديدة منقحة في رام الله، ومن المتوقع أن تصدر في طبعة جديدة في الخارج.
بإذن من الكاتب سنقوم بنشرفصول مختارة من الكتاب ونبدأ بنشر هذا الفصل من زمن الأسئلة


ألف


لا بد من أن ما وقع في العراق وما تبعه في سورية، في العام 1963، معروف لديك بإجماله إن لم يكن بتفاصيله. ففي الثامن من شباط / فبراير، الموافق للرابع عشر من رمضان، شهد عبد الكريم قاسم وعدد من كبار معاونيه نهايتهم الفاجعة في بغداد وسقط نظامهم، وصار الضابط الناصري المستقل المتحالف مع البعثيين، عبد السلام عارف، رئيساً للنظام الجديد في العراق. وبرز البعثيون سادةً لهذا النظام. وتشكلت حكومة ضمت غالبية ظاهرة من البعثيين المدنيين والعسكريين بينهم عدد من أقطاب الحزب الذين سبق أن تعرفت عليهم في دمشق، فأسعدني ذلك.

كان هذا حدثاً ضخماً بدا معه أن المنطقة كلها على وشك الدخول في مرحلة جديدة، وأن حزب البعث مرشح لأن يتصدر الزعامة في هذه المرحلة ويسمها بطابعه ويوجه أحداثها. وكان لأنباء بغداد وقع الصاعقة في دمشق وليس أقل من ذلك. وقد تنوعت، بالطبع، ردود الفعل، دون أن يفتقر أي منها إلى الاهتمام الشديد بما يجري في البلد الجار. أجج الحدث حماس البعثيين المنتظمين في الحزب واجتذب إلى تنظيمُهم أعداداً أخرى ممن ترددوا في العودة إليه قبل ذلك. وسواء تم الأمر نتيجة التعاطف مع الرفاق السابقين والاقتناع بأن نهجهم هو الأصوب، أم نتيجة النفاق والرغبة في الالتحاق بالركب الظافر، فإن هؤلاء، بمعظمهم، أعلنوا مواقف مؤيدة لما وصف بثورة شباط أو ثورة رمضان. وسعد الناصريون بسقوط مناوئهم العنيد، قاسم، وعهده، واستبشروا خيراً بالتطورات الجديدة، خصوصاً أن أقرانهم العراقيين شاركوا في الحدث وأيّدوه وتولّى بعضهم بعض مواقع المسؤولية في النظام الجديد، وخصوصاً أيضاً، أن مجلس قيادة الثورة الذي أعلن عن تشكيله في العراق تبنى سياسة وحدوية وندد بالانفصال السوري. وأحس الانفصاليون بأن الدائرة استكملت دورتها ضدهم، فتبلبلت صفوفهم واضطربت مواقفهم، دون أن يدل أي منها إلا على الخور.

وفوق الجميع، وأكثر من الجميع، كانت فرحة البعثيين السوريين شاملة. وقد بادر ميشيل عفلق وصلاح البيطار إلى عقد مؤتمر صحافي في بيروت. وتحدث القائدان البعثيان من موقع من تَولّى المسؤولية لتوّه، فأكد حديثهما هوية العهد العراقي الجديد عهداً بعثي السمة بالأساس، كما أكد دور الحزب حزباً يتقدم الصفوف في العراق ويتطلع إلى دور مماثل في سورية في وقت قريب. ووسع البعثيون السوريون نشاطاتهم وزادت تحركاتهم فاعلية، واشتدت جرأتهم على السلطة، وأظهرت ردود فعل السلطة أنها تهابهم بالفعل. وأنا أتذكر أن المظاهرات التي نظمها الحزب في سورية بعد حركة شباط / فبراير – رمضان العراقية صارت يومية، وأن حشود المشاركين فيها أخذت بالتزايد مع توطد أركان العهد الجديد في العراق. وكان هدف المظاهرات تحشيد المؤيدين للحدث العراقي وإظهار الحزب قوةً مؤيدةً من الشارع وقادرة على تولّي زمام الأمور في سورية. ومن هذه المظاهرات، تحتفظ ذاكرتي بتفاصيل واحدةٍ نظمها الحزب بحيث تنطلق من الجامع الأموي في دمشق. يومها، تلقينا التعليمات بالتواجد في الجامع الكبير وقت صلاة الجمعة وأداء الصلاة فيه ثم الشروع في المظاهرة فور انتهاء الصلاة.

ولم أعرف من الذي ابتكر فكرة تظاهر البعثيين، وهم غير متدينين، انطلاقاً من الجامع. ولم تعجبني الفكرة. لكني توجهت إلى الجامع المألوف لي التزاماً مني بالتعليمات. وأخذت مكاني في صفوف المصلين التي انتظم فيها مئات البعثيين ممن أعرفهم أو أعرف وجوههم، ومنهم ناس لم يسبق لهم أن ترددوا على جامع أو عرفوا كيف تؤدى صلاة الجماعة فيه. وما أن انتهت مراسم الصلاة وقَبْلَ أن يغادر الإمام المحراب حتى فوجئ الجمهور، في هذا المكان الوادع، بالهتافات التي أطلقتها مئات الحناجر. وتصادف أن موقعي كان قريباً من عبد القادر قدورة، الرفيق الدمشقي المشهور بيننا بقوة حنجرته والذي ألفنا وجوده بوصفه واحداً من أجهر الهتافين صوتاً في مظاهراتنا السابقة. وقد صدح عبد القادر يومها بصوت لم يكن جهوراً فحسب، بل كان مفعماً بالحنان أيضاً، وفاجأني، أنا نفسي، بما لم أتوقعه من بعثي حين هتف: "المجد والخلود لشهداء الإسلام على أبواب وزارة الدفاع في بغداد"، موحياً للجمهور، بهذا، أن البعثيين الذين فقدوا حياتهم أثناء اقتحامهم مبنى الوزارة في بغداد هم من شهداء الإسلام. وكانت المعركة التي دارت على أبواب وزارة الدفاع، حيث تحصن قاسم ضد الثائرين عليه، قد تمتعت بشهرة خاصة بين المعارك الدامية العديدة التي اقترنت بالحدث العراقي كله. وقد أثار هذا الهتاف استغرابي. فإلى عدم تطابق مضمون الهتاف مع الواقع، شممت فيه رائحة نفاق للمصلين لا تستسيغه مثاليتي أنا الذي يعدّ البعث حركة علمانية ويأبى أن يظهر بغير هذا المظهر. وعندما أبديت هذه الملاحظة لعبد القادر، ردّ عليّ على عجل: "اترك مثاليتك، وتعلم كيف تخاطب الجمهور باللغة التي تؤثر فيه!". ثم كرر الهتاف ذاته بصوت أجهر وعاطفة أعمق. وعندما شئت أن أمضي قدماً في المحاججة، قال عبد القادر: "هل تريدني أن أهتف في الجامع الأموي لشهداء الاشتراكية وأجزم للناس بأنهم ملحدون حتى يرضى ضميرك؟". ثم ابتسم العازم على مجاراة مزاج رواد الجامع ابتسامة تقول: ألم أفحمك؟ وصدح بالهتاف من جديد، وأشار لي بحركة مشجعة كي أكرره مع الذين يكررونه وراءه. فكان أن صمتُّ مغلوباً على أمري. ولما أجهش أحد المحيطين بعبد القادر بالبكاء تأثراً منه بمصير "شهداء الإسلام" البعثيين، وجّه لي الرفيق العارف باللغة الملائمة غمزة سافرة من موقعه على كتفيّ أحد المعجبين به، داعياً إياي كي أعاين بنفسي تأثير هتافه على الناس.

وصارت جرأة البعثيين على التظاهر انطلاقاً من الجامع حديث البلد في ذلك اليوم. وسواء جرى الحديث من موقع الإعجاب والتأييد أم موقع السخط والاعتراض، فإن الجميع استخلصوا العبرة الوحيدة الملائمة لواقع الحال: البعثيون قادمون.

وأنت تعرف أن ما تنبأ الناس بقرب وقوعه قد وقع، بالفعل، بعد شهر واحد من حركة بغداد، شهر واحد بالضبط. ففي الثامن من آذار / مارس 1963، وكان شهر رمضان قد انقضى وأنهى الناس احتفالاتهم بعيد الفطر، أنبأت إذاعة دمشق مستمعيها في الصباح الباكر بقيام ثورة وحدوية وإسقاط عهد الانفصال.

كنت مع إميل في المنزل حيث استيقظنا على أنباء الراديو التي أيقظت الناس من حولنا وأججت صخبهم. وقد تعجلنا الذهاب إلى منزل محمد بصل القريب منا لنستجلي الصورة ونتابع الأنباء في منزل يتسنى لنا فيه الإطلاع على التفاصيل التي يشتد فضولنا لمعرفتها. كان محمد حسب تقديرنا له وخبرتنا به من العارفين بالتفاصيل، ولم يكن يضنّ علينا بها. وقد ذكّرت محمد بالسؤال الذي وجهه لي قبل أسابيع بشأن احتمال قيام الجيش بحركة، فأقرّ بأنه، حين وجه لي هذا السؤال، كان قد عرف للتو أن قيادة الحزب اتخذت قرارها بإطلاق يد الضباط البعثيين في العراق وسورية لتنفيذ التحركات التي قضوا زمناً طويلاً في الإعداد لها.

حركة آذار / مارس السورية، هذه، قام بها تحالف ضم ضباطاً بعثيين وناصريين واستقطب تأييد كل من ساءهم عهد الانفصال. وكان الضباط البعثيون، الذين تشرف عليهم لجنة سرية سميت "لجنة الضباط"، على صلة بقيادة الحزب. كما كان الضباط الناصريون على صلة بقيادات منظماتهم العديدة التي نشأت في عهد الانفصال.

والحقيقة أن نظرة عاجلة على أسماء العسكريين القائمين بالحركة كانت ستظهر أن معظمهم من الناصريين وأن هؤلاء يشكلون التيار الأقوى. غير أن هذا لم يكن صحيحاً إلا من حيث المظهر، فقط. أما في الواقع، فقد تميز البعثيون بنقطتي قوة. فقد كان تنظيم الضباط البعثيين السري محكماً وموحداً. وكان هؤلاء قد توزعوا الأدوار أثناء التحضير للحركة، وكلفوا أعضاء منهم التقربَ من منظمات الناصريين المفككة والمتعددة، والتظاهر بالولاء لها والعمل على توجيه نشاطاتها وفق الخطط التي تضعها لجنة الضباط البعثية. وهكذا، حين أتمت الحركة سيطرتها على المواقع الرئيسية في العاصمة وعلى الإذاعة، احتشد عدد كبير من الضباط في مبنى وزارة الدفاع والأركان العامة. وتوهم الناصريون أن غالبية هؤلاء هم من أنصارهم. وفيما أخذ الضباط المحتشدون في هذا الموقع القيادي يتجادلون حول الخطوات التالية اللازمة لإحكام السيطرة على البلد، وفيما تعمد البعثيون المعلنون وغير المعلنين أن يطيلوا أمد النقاش، انصرفت لجنة الضباط، بهدوء وتكتم وحزم، إلى توجيه الضباط البعثيين الذين تعرفهم كلهم نحو السيطرة على الوحدات العسكرية المنشورة في كل مكان. واختارت اللجنة لهذه المهمة أكفأ الضباط وأقدرهم على المبادرة. وما أن انقضى اليومان الأولان حتى عمم البعثيون سيطرتهم في كل مكان. وقد جرى ذلك كله وسط حماس الشارع الشديد للحركة الجديدة واندفاع الناس إلى تأييدها دون تمحيص في التفاصيل. أما الناصريون، وقد ركنوا إلى ما ظنوه أغلبية متحققة لهم، فإنهم آثروا التحشد في مبنى القيادة بأمل أن يفرضوا رأيهم في صنع القرارات الهامة، وأهملوا الوحدات، وعدّوا اندفاعة الشارع لتأييد الحركة تأييداً لهم هم بالذات.

انقضى إذاً، يومان وثالث في الجدل المديد الذي شهدته مكاتب وزارة الدفاع بشأن تشكيل الهيئات التي ستتولى مسؤولية البلد وتدير سياسته: المجلس الوطني لقيادة الثورة، والحكومة، ورئاسة المؤسسات العسكرية والمدنية البارزة. وقد ناور الضباط البعثيون بأكفأ ما استطاعوا حتى يكسبوا الوقت قبل البت بأي شيء، وكان هذا هو الوقت الذي احتاجوا إليه ليبدلوا أوضاع الوحدات العسكرية وليتم استنفار الجهاز الحزبي البعثي المدني بكامل قوته وحشده ليكون مستعداً إزاء أي مفاجآت. فلما تم للبعثيين تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه على هذا الصعيد وقَويَ مركز ضباطهم المشتركين في الجدل، أخذ هؤلاء يضعون مطاليبهم الحقيقية بشأن التدابير الكبيرة، واحداً بعد الآخر، وهم واثقون من مقدرتهم على تنفيذها.

ولم يلبث أن تجلّت الحصيلة في النتائج التي فاجأت غير المطلعين على حقيقة الوضع. وفيما كانت غالبية الجمهور تظن أنها إزاء حركة ناصرية يؤيدها البعثيون وتتوقع تشكيل هيئات يسيطر عليها الناصريون، فوجئ المتتبعون للأمر بتشكيل مجلس قيادة ثورة يضم أركان حزب البعث المدنيين والعسكريين ويشكل البعثيون وأنصارهم أغلبية فيه. ثم اتخذ هذا المجلس قراراته الأولى، فعين الضابط المتعاطف مع البعثيين لؤي الأتاسي، بعد ترفيعه إلى رتبة لواء، رئيساً للدولة، وكلف صلاح البيطار بتشكيل الحكومة. لقد ضم المجلس عدداً من أقطاب الناصريين، وأوكلت لعدد من ضباطهم مناصب عالية في قيادة الجيش، إلا أن هذا لم يبلغ الحد الذي يجعل لهم تأثيرا على قرارات المجلس أو سيطرة على الجيش.

وفي الجو ذاته، وفي ظل توزع ميزان القوى الجديد على هذا النحو، شكل صلاح البيطار الحكومة الجديدة، فضم إليها وزيرين اثنين من كل تنظيم من التنظيمات الناصرية الأربعة، وجعل واحداً من هؤلاء، وهو نهاد القاسم، نائباً لرئيس الوزراء. ولم تكن هذه أكثر من ترضية شكلية، ما دامت الصلاحيات التشريعية وصلاحيات رسم السياسة العليا واتخاذ القرارات الحاسمة منوطة بمجلس قيادة الثورة، وما دام البعثيون يسيطرون فعلياً على قيادات الوحدات في الجيش.

وقد عرفنا، خلال متابعتنا التفاصيل وسعينا لاستكناه خلفيات الصورة المعلنة، أن الناصريين كانوا حانقين، إلا أن خياراتهم كانت قد ضاقت فلم يبق أمامهم إلا واحد من احتمالين: أن ينتقلوا فوراً إلى المعارضة فيعطوا للبعثيين المسيطرين سبباً وجيهاً لضربهم، أو يقبلوا بما قسم لهم على ضآلته بالقياس لتقديرهم لقوتهم، بأمل أن يستفيدوا من مواقعهم في أجهزة الدولة وقوتهم المفترضة في الشارع ويعملوا على تعديل الصورة لصالحهم. ومنذ قبل الناصريون الاشتراك في عمل المجلس والحكومة، أدرك البعثيون أن شركاءهم في السلطة عازمون على المناكفة مصممون على الاستمرار في المواجهة، وتحسبوا لذلك.

والواقع أن الناصريين المنطلقين من الإحساس بالغبن والظن بأنهم كانوا ضحية خديعة والمتوهمين أن لهم في الشارع قوة حاسمة لم يتأخروا في إنفاذ عزمهم على المجابهة ضد شركائهم. بل إن هؤلاء شرعوا على الفور في تجميع قواهم في الجيش، وملأوا الشارع بالمظاهرات التي تهتف لهم ولعبد الناصر، وتندد، صراحة أو ضمناً، بالبعثيين، وتدعو إلى الوحدة الاندماجية الفورية مع مصر، مخالفين خطة البعثيين الداعية إلى وحدة اتحادية مدروسة. وقد اتسم سلوك الناصريين ضدّ البعثيين بالحدّة من أول الأمر. وكشف الناصريون عن رغبة تكاد تكون سافرة في الاستفراد بالسلطة دون البعثيين. ولم يكن عمل الناصريين في هذا الاتجاه بغير ركائز تعزز أملهم بالفوز. فشعبية عبد الناصر التي ظلت قوية في سورية أثناء عهد الانفصال استعادت ألقها الكامل بعد سقوط هذا العهد. وقد استند ناصريو سورية، أساساً، إلى هذه الشعبية، فلم يعلنوا غير مطلب واحد. إعادة الوحدة وعودة عبد الناصر إلى حكم البلاد. ودعم الناصريين في هذا إعلامٌ نافذ وناشط وقوي التأثير، إذ تجندت في خدمتهم إذاعات مصر القوية كلها، وهي التي كانت ما تزال تحتفظ باسم الجمهورية العربية المتحدة الجذاب، وصحفُ مصر واسعة الانتشار، والصحفُ العديدة التي أصدروها هم في سورية. ولأن حدود قوى البعثيين لم تكن قد ظهرت بوضوح، ولأن الأجهزة الحكومية، وبضمنها الأمنية، كانت ما تزال تضم عدداً كبيراً من الناصريين بالرغم من إجراءات عهد الانفصال، فقد حظي هؤلاء بدعم ظاهر وخفيّ من أنصارهم في هذه الأجهزة أيضاً، بما فيها أجهزة يديرها مسؤولون بعثيون.

بكلمات أخرى، شهد عهد آذار / مارس منذ بدايته ازدواجية في السلطة، وتداخلاً في مواقع القوى، وفوضى هائلة ناجمة عن هذا وذاك، مما لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد. وكان من المألوف، مثلاً، أن يتحدى ناصريون معروفون إجراءات السلطة ويخرقوا النظام، فإذا طلبتهم الأجهزة المختصة لجأوا إلى مكاتب الوزراء والمسؤولين الناصريين واحتموا بها. كما كان من المألوف أن يُكلف جهاز حكومي من قبل رئيسه البعثي بمراقبة الناصريين أو بالتضييق على نشاطاتهم فيقوم مسؤول في الجهاز بإبلاغ الناصريين بما أعدّ لهم ويوجه الجهاز للتستر عليهم.

في مواجهة هذا الوضع، لم يكن البعثيون بغير حول، فقد كانوا واثقين من متانة وضعهم في الجيش. ومع قوة الحضور الناصري في الشارع، لم يكن البعثيون بغير سند شعبي. وكان خيار التعاون مع القوى المناهضة للناصرية في البلد، وبضمنها قوى يسارية، مفتوحاً أمام البعثيين. بل إن بعض هذه القوى كان يبادر إلى إسناد البعثيين دون أن يُطلب منه ذلك. وإذا لم يكن البعثيون قد تحالفوا رسمياً مع قوى أيّدت الانفصال، فقد عمدوا إلى بعض التدابير التي ترغم الناصريين على التفكير باحتمال أن يفعلوا ذلك. يضاف إلى هذا أن وجود بعثيي العراق في السلطة، في البلد الجار، وفّر سنداً إضافياً لبعثيي سورية، سنداً غير قليل الأهمية في واقع الأمر. وقد سبق لبعثيي العراق أن أعلنوا سياسة وحدوية فكسبوا سمعة طيبة في أوساط الجمهور الوحدوي، وبضمنها الناصرية، في سورية. وبعد حركة آذار / مارس السورية وإعادة فتح ملف الوحدة بين سورية ومصر ودعوة بعثيي سورية لدراسة سبل إعادتها على أسس جديدة، أعلن بعثيو العراق رغبتهم في الانضمام إلى هذه الوحدة وإقامة دولة من ثلاثة أقطار. فعنى هذا على الفور زيادة في وزن البعثيين الإجمالي. ولم يكن بمقدور الناصريين أن يجهروا بمعارضة وحدة ثلاثية ويتشبثوا في الوقت ذاته بقصر الوحدة على قطرين.

وقد حاول الناصريون السوريون، كما حاول عبد الناصر ذاته، أن يقيموا في دعايتهم الرسمية تمييزاً بين بعثيي سورية وبين بعثيي العراق، فراحوا يمتدحون بعث العراق ويشيدون بمواقفه ويركزون هجومهم على بعث سورية ويتهمونه بالتلكؤ في إعادة الوحدة. وقد تصرف بعثيو العراق بذكاء، فثبتوا ما يخصهم من مديح في دعاية الناصريين، وأكدوا، في الوقت ذاته، مساندتهم لرفاقهم في سورية. وفي سياق عملهم لدعم الرفاق السوريين، أقام بعثيو العراق صلات ناشطة مع القاهرة، فكثرت وفودهم إليها، ووسعوا المؤيدين لدعوتهم للوحدة الثلاثية بدل الثنائية، وحاولوا، ما وسعهم الأمر، تليين موقف القاهرة ضد بعثيي سورية. وفي هذا السياق، زار علي صالح السعدي القاهرة، بوصفه نائباً لرئيس الوزراء في العراق، وحظي فيها بحفاوة وتكريم واسعين، وأكثر من زياراته لدمشق. وواصل هو وغيره من القادة البعثيين العراقيين، المقيم منهم في بغداد أو المقيم في دمشق بحكم عضويته في القيادة القومية، إظهار المساندة للرفاق السوريين. ودخل البعثيون العراقيون في حوارات مستفيضة مع القادة الناصريين لتليين عدائهم للبعثيين أو لإحراجهم أمام جمهورهم، إذا تعذّر تليين العداء.

ولمواجهة الناصريين في الشارع بعد أن اشتطوا في تهييجه، ولعدم ثقة البعثيين بولاء الأجهزة الحكومية التام لسلطتهم الجديدة، نشأت الحاجة للاعتماد على التنظيم الحزبي بوصفه قوة أساسية في هذه المواجهة. وتعززت، في هذا السياق وبتأثيره، فكرة إنشاء الحرس القومي في سورية، على غرار الحرس القومي الذي أنشأه البعثيون في العراق. وهنا، جاء دورنا، نحن أعضاء الحزب المدنيين، لننهمك في واحدة من أشق المواجهات وأوجعها وأدماها وأكثرها إرهاقاً للوجدان.

هنا، تقتضي الدقة أن أذكر لك أن فكرة تسليح الجهاز الحزبي في سورية برزت وجرى تنفيذها على نطاق محدود قبل مجيء البعثيين إلى السلطة. بدأ ذلك لمواجهة تنكيل الانفصاليين وأنصارهم بالبعثيين، ما ألجأ بعض البعثيين إلى اقتناء السلاح. وحين تولى البعثيون السلطة في العراق، بادر هؤلاء إلى إنجاد رفاقهم في سورية، فأرسلوا شحنة من الأسلحة الفردية التي وجدت طريقها إلى التنظيم الحزبي. وكانت حصة فرقتنا الفلسطينية من هذه الأسلحة أربع عشرة قطعة، وأنا أتذكرها مثلما أتذكر الحقيبتين الكبيرتين اللتين حوتا هذه القطع مع ذخيرتها: سبع بنادق رشاشة من طراز "ستيرلنغ" صغيرة الحجم، وسبعة مسدسات من طراز "براوننغ"، وكمية وافرة من الطلقات من عيار 9 ملم. أتذكر هذا جيداً لأن الأسلحة حفظت في الشقة التي أسكنها أنا وإميل وأنيطت بنا مسؤولية التصرف بها حين تدعو الحاجة. وقد كان وجود السلاح في شقتنا سراً خطيراً توجب علينا، إميل وأنا، أن نصونه ونتحمل تبعاته. ووفر لنا الاشتراك في صيانة السر الإحساس بالتميز ووثق علاقتنا المشتركة. أما التدريب على هذه الأسلحة فكان يجري بطريقة متعجلة. وقد تلقيت أنا تدريباً على المسدس. ثم أنيطت بي مهمة تدريب بعض الأعضاء عليه. وكانت قيادة الفرقة تنتقي من بين أعضائها وأنصارها أولئك الذين تتوسم فيهم القدرة على استخدام السلاح وصيانة السر ثم تحيلهم لي ولأمثالي من المكلفين بتدريبهم. وكنت أختلي بالواحد منهم في حجرة مغلقة وأعلّمه كيف يتعامل مع هذه الأداة الحربية، إلى أن يتقن فكها وتركيبها. ولم نُسلِّم الأسلحة وقتها لمن تدربوا عليها، لكن هؤلاء عرفوا أنها ستكون في حوزتهم حين ينشأ أي ظرف يقتضي استخدامها.

وعندما اتخذت القيادة قرارها بتشكيل الحرس القومي، كان الجوّ، إذاً، مهيئاً لتنفيذ القرار. وقد أنيطت المهمة كلّها بالجهاز الحزبي. وكان بين أسباب ذلك أن معظم الضباط البعثيين عارضوا فكرة تسليح المدنيين أو استهانوا بها. وقد أنشئت وحدات الحرس القومي بالتوازي مع وحدات التنظيم الحزبي. فشكلت كل شعبة حزبية كتيبة من الحرس القومي. وضمت الكتيبة عدداً من السرايا موازياً للفرق التي تضمها الشعبة. واحتاج إعداد التشكيلات إلى بعض الوقت، لأن الأمر لم يجر بغير معارضة، ولأن عقبات كثيرة واجهت العمل الذي تولّى معظَمه أفرادٌ يتلمسون طريقهم تلمّساً دون خبرة مسبقة. وفي البداية، شُكّلت وحدات الحرس على الورق. وأُبلغ إلى كل عضو أو نصير موقعُه في التشكيل، وأُفهم أن عليه الالتحاق به عندما يُدعى إلى ذلك. ثم أخذت قيادات الوحدات تبحث عن مقرات لها في الأحياء. ووُزّعت عناوين المقرات على الأعضاء، وطولب هؤلاء بحفظها سراً من الأسرار الحزبية. وكانت النية متجهة إلى وضع الخطط لتدريب الأعضاء وتظهير التشكيلات الورقية على أرض الواقع. ولكن، لم يكن أي من هذا قد تحقق، حين توجب على الأعضاء أن يلتحقوا بالمقرات فجأة بتأثير تصاعد العنف في الصراع الذي اشتد بين البعثيين والناصريين. وهكذا، اقتضى الأمر أن يجري التدريب داخل المقرات ذاتها، وأن يتم على عجل أثناء تولي الحرس القومي المهام التي تولاها فعلاً.

كان تصاعد الصراع بين فريقي الحكم قد خلق في البلاد جواً فيه كل مظاهر الحرب الأهلية. ولم يبق إلا أن يظهر السلاح لاستيفاء هذه المظاهر. وكان في هذا الجو، كما في أي حرب أهلية، الكثيرُ مما هو غريب ومتناقض. فالقابضون على قمة السلطة الذين يشكلون الأغلبية في هيئاتها، وهم البعثيون، ينظمون دفاعاتهم سراً ويحرصون على تجنب استخدام الجيش أو أجهزة الأمن ضد مناوئيهم. والناصريون المناوئون، هؤلاء، يقودهم أعضاء في الحكومة أو مسؤولون آخرون كبار في الدولة، وينظمون المظاهرات الصاخبة وأشكال الهجوم الأخرى على شركائهم في الحكم، ويمعنون في استخدام العنف، يفعلون ذلك في مكاتبهم الرسمية ويستقبلون قادة الشغب في هذه المكاتب ويعاملونهم معاملة الأبطال. وعلى سبيل المثال، كان الناصري جهاد ضاحي. وهو قومي عربي قديم ارتبط اسمه ببعض العمليات العنيفة التي نفذتها الحركة في تاريخها واشتهر بمشاركته في إحدى المحاولات التي جرت لاغتيال أديب الشيشكلي، وزيراً في الحكومة. وكان هذا الوزير يجيء إلى الوزارة وهو يحمل بدل المسدس مسدسين ظاهرين، حتى سماه الناس جهاد أبو فردين، أي مسدسين. وكان هذا الوزير لا يفعل شيئاً في وزارته أكثر من استقبال أنصاره المشتركين في الصراع مع البعثيين وحثهم على المضيّ في الشغب ضد الحكومة وتطمينهم بأنه سيوفر لهم الحماية. وكان البعثي منصور الأطرش، ابن بطل المقاومة الوطنية في سورية ضد الاستعمار الفرنسي، سلطان الأطرش، عضواً في مجلس قيادة الثورة ووزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل. وكان لمنصور نفوذ واسع، في الحزب، وفي الدولة، وفي الشارع حيث يحظى بالتأييد والدعم من أوساط تقليدية وأخرى ثورية ويتمتع عند الفريقين بسمعة راسخة. هذا الوزير كان يتنقل وهو يلبس فوق بذلته المدينية عباءة يخفي تحتها بندقية رشاشة لا تفارقه. وكان هذا الوزير يختار مرافقيه، المسلّحين مثله، من بين أنصاره الشخصيين، ويأبى أن يرافقه رجال الأمن الموكلون رسمياً بحمايته. وقد سألت منصور الأطرش بنفسي عن سر إيثاره هذا الوضع، فأثار السؤال حميته، وأجابني بنبرة من يخطب في جمهور: "يريدها الناصريون حرباً علنية فليتفضلوا! سوف يعرفون أننا لسنا جبناء. في سيارتي صندوقا ذخيرة، ومعي أنا ومرافقيّ هذه الرشاشات، وإذا هاجمونا فلن ينالوا أياً منا ما دام في حوزتنا طلقة واحدة. سنقاومهم بأنفسنا، ولن نعطيهم الفرصة ليقولوا إن البعثيين استعانوا عليهم بقوى السلطة. يقولون: الشارع؟ ليكن! إن لنا في الشارع باعاً طويلاً، مثل الآخرين" لقد بدا أبو ثائر، وهذه هي كنية ابن قائد الثورة السورية الوطنية الكبرى، مخلصاً لقناعته هذه، وكان مفهومه للشجاعة مطابقاً لها.

وهناك، بالطبع، أسباب أخرى، أكثر وجاهة، جعلت البعثيين يتجنبون استخدام قوة السلطة ضد الناصريين. فالبعثيون الذين يحملون، بالأساس، دعوة الوحدة العربية ويضعونها في مقدمة أهدافهم الكبرى أعادوا بناء تنظيمهم في سورية وسط الخلافات التي عصفت بتياراتهم وفي مواجهة الذين تنكروا لوحدة مصر وسورية، فتميزوا بتشبثهم بإعادة الوحدة وإن قرنوا عودتها بعدد من الشروط. ولو أن هؤلاء البعثيين بادروا إلى الفتك بالناصريين لفقدوا جزءاً من صدقيتهم في هذا المجال. وقد وقف عدد من زعماء الحزب، مما عادوا للتنظيم المتجدد، ضد الاصطدام بالناصريين. وكان بين هؤلاء كثيرون من ذوي الأسماء التي تتمتع باحترام كبير، ومنهم كثيرون كانوا أعضاء في هيئات الدولة أو في قيادة الحزب العليا أو فيها جميعها. وأتذكر من هؤلاء، ممن تعرفت عليهم شخصياً واستمعت مباشرة إلى آرائهم، الدكتور جمال الأتاسي الذي صار وزيراً للإعلام، وعبد الكريم زهور وزير الاقتصاد، وأديب النحوي. ثم إن البعثيين، بمن فيهم الراغبون في الدخول في المواجهة مع الناصريين، تجنبوا استخدام الجيش في هذه المواجهة، لأن القوى كلها كانت ما تزال ممثلة في هذا الجيش، ولأنهم لا يريدون المجازفة بتعريضه للانقسام وهم الذين أخذوا بتعميم السيطرة البعثية على الجيش أولاً بأول، وأمِلوا في أن يتحقق لهم ذلك بهدوء. أما أجهزة الأمن الحكومية، وقد سبق لي أن حدثتك عن حالها، فما كان من شأن البعثيين أن يركنوا إلى ولائها. يضاف إلى كل ما تقدم أن البعثيين أدركوا أن ضربهم الناصريين سيستتبع قطع الجسر الذي مدّوه بينهم وبين عبد الناصر وسيستتبع كلّ ما ينجم من ذلك من مخاطر داخلية وخارجية.

وهكذا، بقي الشارع هو ميدان المواجهة البارز للعيان، واستمر اعتماد الحزب على تنظيمه قوة رئيسية فيه. وقد تموجت جولات الصراع، شدة وليناً، مع تموجات العمل المعقد الجاري تحت عنوان إقامة الوحدة الثلاثية. وكان عبد الناصر، الخاضع، بدوره، لتأثيرات معقدة ومتباينة، قد أعلن موافقته على التفاوض مع وفدين يمثلان سورية والعراق بهدف صياغة أسس هذه الوحدة. وقد شكّل العراق وفده بيسر نسبي. أما سورية فاقترن تشكيل وفدها بجولة صراع حادة أدخلت البلاد، الحكم والشارع، في دوامة لم يكن الخروج منها يسيراً على أحد.

أقام الناصريون حساباتهم للمفاوضات على أساس أن الأمر في مصر محسوم لهم وأنه محسوم في العراق للبعثيين، فشاءوا أن يستأثروا بالأغلبية في الوفد السوري لتكون لهم الغلبة في المفاوضات الثلاثية. ولتحقيق الغاية ذاتها لصالحهم، تشبث بعثيو سورية بأن تكون لهم الأغلبية في وفدها. طالب الناصريون بأن تكون رئاسة الوفد لنهاد قاسم وأن تتمثل التنظيمات المشاركة في الحكومة بعضوين لكل تنظيم. ولما كان الناصريون موزعين على أربعة تنظيمات فقد عنى هذا أن يمثلهم في الوفد ثمانية أعضاء وأن يتمثل البعث بعضوين اثنين فقط. وقد رفض البعثيون، بالطبع، تشكيل الوفد على هذا الأساس، وأصروا على أن يعكس الوفد نسب التمثيل الموجودة، فعلاً، في هيئات الدولة، فيرأس رئيس الحكومة صلاح البيطار الوفد وتكون للبعثيين أغلبية ظاهرة بين أعضائه. ولكي يدعم الناصريون طلبهم، زادوا مظاهراتهم في الشارع، وصاروا يدفعون جمهورهم إلى التحدي بمناسبة وبدون مناسبة، وزاد سلوكهم عدوانية تجاه البعثيين. ولكي يكسر البعثيون شوكة الناصريين، وضعوا الجهاز الحزبي في حالة استنفار دائم وبذلوا ما في وسعهم من جهد لتعزيز حضورهم في الشارع. وإذا كان الجانب البعثي قد توسل عموماً بالصبر متوخياً الظفر بأطول ما يمكن من الوقت لإحكام السيطرة البعثية على أجهزة الدولة، فقد ظهر في هذا الجانب، بمستوياته القيادية والقاعدية، كثيرون ضاقوا باستفزازات الناصريين وتحفزوا للمواجهة. ولكن الغلبة في صنع القرار بقيت بيد طويلي البال.

وها أنا ذا أتذكر حالة دمشق في تلك الأيام التي احتدم الجدل فيها حول تشكيل الوفد. كان مركز المدينة يضج بالمظاهرات الصاخبة وقد حرص الناصريون على جعلها شبه دائمة، فيما يراقب البعثيون الموقف بعيون يقظة ويوجهون جهدهم الرئيسي لتعزيز تنظيمهم المدني والعسكري ويسجلون النقاط، الواحدة تلو الأخرى، ضد الناصريين الذين أرهقوا الشارع بضجيجهم. وكان المتظاهرون الناصريون، وقد أُخذوا بكثرتهم في الشارع، يشتطون في الاستفزاز، يجهرون بالهتافات المعادية صراحة للبعثيين، ويُظهرون أسلحتهم ويطلقون النار في استعراض لا فائدة كبيرة منه للقوة، ويتحرشون بناس الأمن، ويعتدون على من يقعون عليه من البعثيين. وكان الراديو يقطع برامجه العادية ليذيع البلاغات التي يصدرها وزير الداخلية البعثي العميد أمين الحافظ بوصفه نائب الحاكم العرفي والتي يُذكّر فيها الجمهور بأن أحكام القانون العرفي ما تزال سارية في البلاد، وهي تحظر التظاهر، ويدعو المتظاهرين إلى التفرق. وكان هؤلاء يسمعون البلاغات التي تذيعها، بالإضافة إلى الإذاعة، مكبراتُ صوت مركبة على سيارات الشرطة المتجولة، فلا يكون رد فعلهم إلا الإمعان في الاستفزاز والهتاف ضد وزير الداخلية.

وكنّا، نحن البعثيين، نشهد ما يجري، نرى ونسمع، ونتحرق شوقاً إلى المجابهة. فتمنعنا عن ذلك التعليمات الصارمة التي توالي قيادة الحزب التأكيد عليها، فنغتاظ ولكننا نتذرع بالصبر.

ولما تعذّر تشكيل الوفد بالتفاهم مع القيادات الناصرية، لجأ البعثيون إلى تشكيله بقرار من مجلس الوزراء جرى تمريره بالتصويت. وقد صوتت الأغلبية للتشكيلة التي اقترحها الحزب. فعُيّن صلاح البيطار رئيساً للوفد، وسُمّي عدد من أركان الحزب المدنيين والعسكريين، وبينهم أمينه العام ميشيل عفلق، أعضاء فيه. وضمّ الوفد، كما شاء البعثيون، أقلية من الناصريين. وتحدد موعد اللقاء المرتقب في القاهرة، في نيسان / إبريل 1963. وحبسنا أنفاسنا، نحن الذين وضعنا الحزب في وضع استنفار دائم وأوجب علينا أن نجتمع في أماكن بعينها، بانتظار ما ستفضي إليه الأحداث من تطورات، وسط الفوضى التي تعم البلد.

وشهدت الأيام القليلة التي أعقبت الإعلان عن تشكيل الوفد هدوءاً مشوباً بالحذر والتوجس. وأُمِرَ الأعضاء والأنصار التابعون لفرقتنا الفلسطينية بالتواجد في أماكن ثلاثة حُدّدت لهم. وكانت شقتنا في ركن الدين واحدة من هذه الأماكن. ورحنا، إميل وأنا، نتابع دقائق





























تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

سنة الربيع العربي الأولى

26-شباط-2012

جنكيز ايتماتوف وتحولاته•

27-نيسان-2011

الحنين ج 5 الأخير

11-آذار-2011

الحنين حكاية عودة ـ ج4

01-شباط-2011

الحنين حكاية عودة ـ ج3

11-كانون الأول-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow