سنة الربيع العربي الأولى
خاص ألف
2012-02-26
عزيزي سحبان مع انقضاء سنة كاملة على الحراك الشعبي الذي اكتسبَ في الاعلام تسمية الربيع العربي ، انعقدت في رام الله المحتلة ندوة ٌ حول مائدة مستديرة لمناقشة حصيلة هذه السنة . الندوة نظمتها رابطة ُ المتقاعدين المدنيين الفلسطينيين ، وندبتُ أنا لأكون المتحدث الأول فيها .
النصُ الذي أرسله إليك لنشره ِ في" ألف " هو مفتتح النقاش الذي عرضته ُ في مطلع الندوة ، فدارت مناقشاتها حول بنوده .
نشر هذا المفتتح في موقعكم يطمعني في أن يثيرَ شهية َ متابعي الموقع لمناقشته ِ . وكلي حماسٌ للانهماك ِ في هذه المناقشة .
فيصل حوراني ...
كتب فيصل حوراني هذه الرسالة لي ليقدم لألف ولقراء ألف الجادين وجهة نظر ليست داخلية، وجهة نظر قادمة من فلسطين، ليقول أن همنا العربي واحد، وما يمكن أن نناقشه في ظل نظام مستبد لا يبعد كثيرا عن أنظمة الاستبداد الأخرى.
قد نتفق معه في تلك الأفكار التي طرحها وقد نختلف، فهو رغم أنه عاش في سورية ردحا من الزمن، قد يصل إلى نصف عمره إذا حذفنا المنافي الأخرى التي عاش بها، إلا أنه يظل صاحب وجهة نظر ترى الأمور من خارج الحدث لا من داخله، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نعتبره حارج الحدث كليا فالفترة التي أمضاها في سورية كانت كافية لتجعله يعرف ما هو الصالح وما هو الطالح في حزب البعث، الذي كان مقربا منه في فترة من الفترات.
لفيصل وجهات نظر تستحق الوقوف عندها، وتستحق أن تناقش بعيدا عن تشنج الراهن من أجل الوصول إلى استراحة الحاضر. من هذا المنطلق أدعو قراء ألف وكتابها لمناقشة الأفكار المطروحة، مادام الحل ما يزال بعيدا وهو يتجول في أروقة الأمم المتحدة، والجامعة العربية، وهو مبلل بالدم السوري.
لنكن غير متوترين لمرة واحدة، ولنناقش بهدوء ما جاء في ورقته هذه، فلربما نخرج بأفكار جديدة لم نتطرق إليها قبلا.
أترك بين أيديكم ما كتبه فيصل وأذكركم بما قاله في رسالته "نشر هذا المفتتح في موقعكم يطمعني في أن يثيرَ شهية َ متابعي الموقع لمناقشته ِ . وكلي حماسٌ للانهماك ِ في هذه المناقشة."
ألف
سنة الربيع العربي الأولى
مفتتح للمناقشة كتبهُ : فيصل حوراني .
إذا استثنينا العراقَ المُـدمّـر ولبنان المُمَـزّق، فإنَ غالبية الدول العربية الأخرى تحكمها أنظمة ٌ يتصدر كلا ً منها حاكم ٌ فرد تحيط به حلقة من المساعدين وتتوسط الحلقة أسرة ٌ واحدة ، كبيرة العدد كما هو الحال في السعودية، أو قليلة العدد كما هو الحال في سورية .والنظام الذي أنشأه الحاكم أو ورّثهُ وراثة ً يوفر ُ له حصانة ً مُــطلقة ً ضد أي محاسبة ٍ قانونية ، ويوكــل إليه صلاحيات ٍ مطلقة ً تجعله ُ مهيمنا ً على قرارات الدولة ِ وعلى تنفيذها ، القرارات ُ جميعها ، السياسية والاقتصادية والأمنية والإدارية وحتى الثقافية . والمحيطون بالحاكم في كل دولة يتقاسمون المنافع , كل ٌ بمقدار ِ صلته ِ بهذا الحاكم . يفعلون هذا بالتي هي أحسن كما بالتي هي أسوأ،و غالبا ً ما يفعلونه بالتي هي أسوأ وحدها .
هذه الأنظمة التي لها هذا الصفة ُ المشتركة تندرج في حزمتين : الأنظمة التي تروّج دعاوى دينية كي توفِّر شرعية ً لوجودها ، هي التي تنسبه إلى إرادة السماء . والأخرى التي توفّر شرعيتها بترويج دعاوى علمانية ، وتنسب وجودها إلى إرادة الشعب .أنظمة الحزمة الأولى تجهر بصداقتها للدول الامبريالية وتتبع سلوكا ً يُــبيح لهذه الدول أن تنهب ثروات ِ البلدان التي تُــهيمن هذه الأنظمة عليها وتنتهج سياسة ً أقل ما يُــمكن أن توصف به أنها تضع هذه الأنظمة في موقع التابع المتطامنأمام الدول الامبريالية . وأنظمة الحزمة الثانية فيها ما انتهى إلى مجاراة سياسة أنظمة الحزمة الأولى ، كما كان عليه ِ حال نظام أسره ِ مبارك في مصر، وفيها ما واظب على اتباع ما هو مغاير ، كما هو حال نظام أسرة الأسد في سورية .
أنظمة ُ الحزمتين يعمّـها كلها ، كلها دون أي استثناء ، فساد ٌ، إن تفاوتت درجاتُــه ُ وآلياته وحجومه فهو فيها كلّـها فساد ٌ بلغ َ نقي العظام .والفساد يستتبع القمع الذي لا بدَّ منه ُ لحماية ِ الفاسدين .هنا أيضا ً تتفاوت درجات ُ القمع ِ وتتنوع آلياته ُ ، لكنه يظل هوهو في كل مكان : القمع الذي يستهدف إرعاب الجمهور لمنعه من التحرك ضد الفاسدين القامعين . موجة الحراك الشعبي الديمقراطي الأخيرة ،هذه التي بدأت في تونس ثمّ انداحت ، لا تحتاج إلى أن نعيد هنا الأسباب َوالدوافع التي حفزت عليها ، فطالما تفحصناها وتناقشنا بشأنها .ما يجب أن يُــشار إليه منذ البداية أن هذه الموجة استهدفت الأنظمة ،القامعة والفاسدة ،التي روّجت دعاوى علمانية ؛ هذا إذا استثنينا الحراك الجاري في البحرين الذي له ما يجعله استثناء في السياق الذي نشير إليهِ .و لنهوض الحراك في دول الأنظمة العلمانية مغزى متعدد الجانب ، نرصد منه ، هنا ، جانبين اثنين فقط : الأول أن طريق نهوض القوى الديمقراطية مفتوح في ظل العلمانية أكثر بما لا يقاس مما هو مفتوح في ظل الأنظمة التي تبثّ دعاوى دينية .والثاني أن القوى الخارجية التي استغلت انطلاق الحراك الشعبي لتنفذ هي ما يصون مصالحها ، المصالح التي يهددها هذا الحراك ،بذلت جهودا ً أكثر تركيزا ً، ورصدت أموالا ً أكثر وفرة ً ، وتدخّلتْ ، أو أعدت للتدخل ، حتى بالسلاح .
شيء ٌ آخر هو أن هذه الموجة استهدفت من أنظمة الدعاوى العلمانية نوعين : الأنظمة التي تتبع سياسات مماثلة لسياسات الأنظمة التابعة للإمبريالية ؛ والأنظمة ُ التي تُــظهر مقدارا ً أو آخرَ مما اصطلح َ على تسميته الممانعة ومقدارا ً أو آخر من التشدد في وجه ِ العدوانيتين المتحالفتين ، الأميركية والإسرائيلية .
هذا أيضا ً له مغزاه الذي أودُ أن نتفحّصه . وعندي : الهدف ُ الامبريالي تجاه دول العالم الثالث ، خصوصا ً الدول العربية المحيط منها بإسرائيل أو القائم فوق احتياطيّ النفط ، ظلَ هو حجب فرص التطور الطبيعي عن هذه الدول والتدخل لتشويه مجرى التطور حين تفرضه القوى الداخلية . ما أود أن نناقشه هو السمات المشتركة ، والأخرى المختلفة أو المتباينة ، بين مجريات الحراك الشعبي في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا وسورية ، وكذلك ما هو مشترك في سلوك القوى المحلية والإقليمية والدولية التي تبذل جهودا ً مستميتة ً لحرف هذا الحراك عن أهدافه الديمقراطية والتقدمية وتسليم مصائر البلدان التي شهدته إلى قوى رجعية تحميها القوى المهيّـأة لممارسة أفتك أنواع القمع ضد الديمقراطيين قبل غيرهم .
بين يديّ النقاش المطلوب ، أضع النقاط التالية :
ـ لا يتحقق التطور الديمقراطي إلا بكفاح القوى الديمقراطية في البلد المعني،حين تنمو هذه القوى إلى حد ٍ يأذن بتحقيق التغيير .
ـ بدأ الحراك ُ في كلِّ دولة ٍ بمبادرة قوى وجماعات لها تاريخٌ طويل في الكفاح ضد النظام المُـستهدف .ولئن فرضت طبائعُ الأوضاع أن تكون هذه القوى قليلة الحجم والإمكانيات، فإن طبائع الأوضاع ذاتها فرضت أمرين معا ً : أن تكون القوى المبادرة فعّــالة؛وأن تحظى مطاليبَها بتأييد شعبي واسع .المشترك في انطلاقات الحراك المتعددة يُـمكن إجمال مظاهر في مايلي : تعويل القوى المبادرة على وجود شعور شعبي عام وعميق بالضيق من فساد الأنظمة ومن القمع الذي يحمي الفساد ،ومن هذا أو ذاك من أوجه السياسات الداخلية أو الخارجية التي تعتمدها هذه الأنظمة .
ــ المراهنة على أن الشعوب ستظهر مكنونها من الاستعداد للتضحية، حين ترى أن المبادرين للتحرك جديّــون في استهداف الإصلاح الشامل، وأنهم مبرّأون من الارتباط بقوى داخلية أو خارجية تضعها طبائعها ومصالحها ضد الإصلاح .
ـــ تركيز ممنهج على ما هو داخلي واستبعاد ممنهج هو الآخر لقضايا قد يستفزُ طرحها قوى محلية مندوبة للمشاركة في الحراك، أو قد يستفزُ قوى أو دولا ً عربية أو أجنبية مندوبة لمساندته ِ.غير أن استبعاد التركيز على مثل هذه القضايا لم يَـعْـن ِ ، عند المبادرين، الترويج للتهاون إزاء الامبريالية أو إزاء إسرائيل أو إزاء الأنظمة العربية الممالئة لهما .
ــ العمل على أن يجتذب الحراك منذ ُ بدايته ِ مشاركة ً شعبية واسعة ، والمراهنة على أن الحراك , المتوخى أن يتسع ويشتد باستمرار ،سيخلقُ آليات توسعه واشتداده ويطورها. المشاركة الواسعة أفضت في العام الذي نسعى إلى تقويم نتائجه إلى إسقاط الحكام الفرديين في ثلاث دول عربية إفريقية .ولو ولم تبرز مضارّ التدخل الخارجي من قوى أكثر إضراراً بمصالح البلاد من قوى الأنظمة المستهدفة ، لأمكن أن يطرد نجاح الحراك بـيُـسْـر ٍ ويأتي بمنجزات أخرى . ثم لو لم يُسقط المتدخلون من الخارج السمةَ السلمية للحراك، لتحقق َ، على الأغلب ، الأملُ باطراد توسع المشاركة الشعبية فيه .
ـ انضمام قوى وجماعات ، لا ثقة بأنها مع التغيير إلا أن يكون التغيير الذي إلى الوراء ، إلى الحراك الشعبي ، جرى دائما ً بعد بدئه ِ ووضع للحراك أهدافا ً ، إن اتفقت مع بعض ما يتوخاه ُ المبادرون ، فقد تناقضت مع معظمه .
ـ اتضاح الصورة أولا ً بأول : التحاق قوى محافظة أو رجعية أو حتى مأجورة بحراك شعبي ثوري، أهدافه ديمقراطية تقدمية، جرى من أجل حرف هذا الحراك عن أهدافه ، من أجل دفع المجتمعات إلى وراء بدل دفعها إلى الأمام ، وبدل الأمل بتغيير يُــنشئ أنظمة عصرية ديمقراطية مُــبرأة من التسلط والفساد ،برزت النذرُ المتواترة في كلِّ من تونس ومصر وليبيا ، والتي يتواتر بروزها الآن في سورية ، النذرُ التي تهدد بإقامة أنظمة أشد فسادا ً واستبدادا ً من النظم المُستهدفة , وأكثر تطامناًتجاه الامبريالية وإسرائيل.
ـــ العمل من أجل حرف الحراك عن أهدافه حظي بتأييد مثابر ومتزايد القوة من الدول الامبريالية وما يدور في فلكها . هذا التأييد بلغ َ، في حالات ٍ معينة ً، حدّ التدخل المسلح السافر ،وبلغ في حالات أخرى حدّ التدخل غير المعلن عنه .
ــ العمل لحرف الحراك الشعبي عنأهدافه حظي بتأييد ناشط ٍ وواسع ٍ ومثابر، من دول ٍ عربية تحكمها أنظمةٌ أُسَـريّــة ٍ أشدُ فسادا ً وأقسى استبدادا ً وأكثر إيغالا ً في السياسات المجافية لمصالح ِ شعوبها من الأنظمة التي استهدفها الحراك الثوري . أشيرُ بهذا ، خصوصا ً ، إلى أنظمة الدول العربية النفطية التي يحكمها مشايخ وأمراء وملوك أشد فردية من حكام أي نظام استُهدف ، النظم النفطية التي يغمرها فسادٌ أين منه فساد الأسر التي استُـهدفت ، النظم النفطية التي تفتقر إلى ما يعتدّ به ِ من هيئات التمثيل الشعبي والمراقبة والمحاسبة ، نظم الثروات التي تنهب ُ أسرها الحاكمة بعضها وتجيز للدول الامبريالية أن تنهب جلها ، النظم التي جعلت أراضي دولها قواعد ارتكاز وانطلاق لمواجهة أي حراك شعبي أو رسمي قد يمسُّ بمصالح الملوك والأمراء والشيوخ أو قد يهدد مصالح الدول الامبريالية .
ــ لدينا،على سبيل المثال فقط ،نظاما قطر والسعودية . يتصدر هذان النظامان العمل العربي الجاري لحرف الحراك الشعبي الديمقراطي عن أهدافه، ويمولان، بالمليارات ، كل حراك يُــقوي الرجعية ويشدد فرص النهب , ويصون مصالح أعداء الشعوب العربية . ما جرى في مصر يُـقدم أنموذجا ً ، وما يجري حول سورية يُــقدم أنموذجا ً آخرَ لمليارات تُــصرف من قبل السعودية وقطر ، في السّـر كما في العلن، لدعم النشاط الرجعي المجافي لأهداف الحراك الشعبي ولتسويغ التدخل الامبريالي في مصر وسورية كما في غيرهما ، ولتمكين الدول الامبريالية من إحكام هيمنتها الكاملة على مقدرات العرب .
ـــ لدينا الفضائيات التي تدغدغ أحط ّ المشاعر وتطمس الراقي منها .
ــ لدينا هذا التشويه الذي يجعل من أكثر حكام العرب فسادا ً ومجافاة ً لأي صيغة ٍ من صيغ الديمقراطية متحمسين بارزين لثورات عربية استهدفت أول ما استهدفت إلغاء الاستبداد والتخلص من الفساد والفاسدين .
ـــ حين يصحّ أن نُــسمي الحراك الشعبي في الدول المعنية ثورة ً ، فسيصحُّ ، بل ينبغي، أن نسمي ما تحفّز عليه الدول الامبريالية والأنظمة العربية التابعة لها ثورةً مضادة .
بتأثير هذه الثورة المضادة ، صرنا نشهد مجرى للتطور في كل دولة من دون الأنظمة المستهدفة يتماثل مع مجراه في الدول الأخرى : أموال تصرف بحساب وبغير حساب ، جهود تُـبذل في السرِّ والعلن , خطط يتمُّ إعدادها وتنفيذها بفعل فاعلين يقومون بعملهم بمهارة ٍ تشي بقدرات الذين يقفون وراءهم . كل هذا وما يماثله يستهدفان أن يحكم الدولَ العربية المستهدفة نظم ٌ قوامها التحالف بين قوى دينية يدعمها من يمكن اجتذابهم من قادة الجيوش ، ليحلّ هذا التحالف محلّ حكم هذه الأسر المستهدفة . في مصر يتضافر في هذا التحالف الإخوان المسلمون وقادةُ الجيش وسَقَطُ النظام الذي أُسقط رئيسه ُ ، ومن على شاكلته. وفي سورية يجري إعداد تحالف من الإخوان ومن سَقَطِ حزب البعث ، وممن يمكن اجتذابهم من قادة الجيش .مثل هذا التحالف لا يُخفي اتكاءه على الدول الامبريالية وأتباعها ، ولا يخفي ضيقه بسلوك الذين اتخذوا المبادرة للحراك الشعبي، ولا يبخل بأي جهد لطمس دورهم وتهميشهم. أموال قطر والسعودية وما على شاكليتهما، وأمكانيات الدول الامبريالية الهائلة ،العسكرية وغير العسكرية ، وتجميع أكثر القوى مجافاة ً للديمقراطية والتقدم .فهل من الممكن ألاّ يثير إنشاء هذا التحالف هواجس من يحترمون قيم البشرية المعاصرة .
ــ من المؤكد أن هذا التحالف البغيض سيجتهد في تقديم ترضيات لقوى الحراك الشعبي، وسيستمر في تقديم الترضيات إلى أن يستكمل هيمنته على كل دولة . عندها يجيء وقت تقزيم القوى الديمقراطية ، كما يقع الآن في مصر ، أو اجتثاثها ، إن اقتضى الأمرُ ، كما أخشى أن يقع في غير مصر أيضا ً .
ـ بكلمات أقلّ : خلال سنة الربيع العربي الأولى ، تبلورَ في كلّ دولة فيها نظام مستهدف تياران يعارض كلٌّ منهما النظام : التيار الذي يعارض من موقع ديمقراطي ، تقدمي إن شئتم التعبير الأدق ، والتيار الذي يعارض فيما هو أشد من ناس النظام مجافاة لأي ديمقراطية وأكثر منهم تخلفا ً عن روح العصر .
ـــ بروز الثورة المضادة وامكانياتها المتزايدة والدعم المتوفر لها من مصادر خارجية شتى فرصللتطور مجرى برزتْ نتائجُه منذ الآن في كلٍّ من تونس ومصر وليبيا : الثورة المضادة توشك أن تظفر بهدفها الكامل بعد أن ظفرت ببعضه ِ .
هنا يبرر موضوع الساعة الذي ينبغي أن نناقشه ُ : هل يصحّ أن يتجاهل الوطني الديمقراطي التقدمي الخطر الماثل عيانا ً الذي يجسده تحالف الثورة المضادة ؟ هل نؤخذ بالقول إن المهم هو سقوط الحاكم الفرد الموجود ونُـغفل وجود البديل الأسوأ ؟ هل نقبل أن يحل محل أسرة مبارك وأسرة الأسد وأسرة صالح وأسرة بن علي وأسرة القذافي نظم ٌ تواصل ما تـُـتهم هذه الأسر به وتفعل ما هو أسوأ .
أعرف كم هي رائجة الفكرةُ التي تنطلق من القول إن أهم ما في الأمر هو التخلص من الحكام الفرديين وإن البقية ستأتي . فهل من الحصافة أن يتصرف الوطني التقدمي الديمقراطي في هذا النحو، أليس في المتناول خياراتٌ أخرى غير خيار الانتقال من الرمضاء إلى النار؟ .
في هذا المفتتح للنقاش أحبّ أن أستحضر حقيقة يعرفها الذين يعنيهم الأمر كافة : طلائع العرب الثورية المعاصرة كافحت طيلة مسيرتها على أكثر من جبهة واحدة . ومازال في متناول من يخوض الكفاح المعقد لبناء نظام ديمقراطي في بلد ٍ مثل مصر أو سورية أن يخرج من ثنائي الرمضاء أو النار إلى تعددية الخيارات وما تستتبعه من تعدد جبهات الكفاح ، ضد قوى التخلف الظلامية ، ضد قوى الاستبداد العلمانية، ضد الامبريالية وأطماعها وحاجاتها لترويض العرب على تقبل خيبات الأمل والخنوع ، ضد إسرائيل وعدوانيتها التي تفتك ُ باستقرار أي دولة عربية حتى لو كانت هامدة في مقاومتها ، وضد التبعية ومن يقومون عليها . وإذا كان هذا طريقا ً طويلا ً وشاقا ً فإنه هو الطريق الذي يضمن أن تتطور في السير عليه قوى البلد الديمقراطية . وبديل هذا الطريق هو بديل الرمضاء أو النار .
حين يتعلق الأمر بي ، أنا الذي سأقول رأيي أثناء النقاش ، فإني منذ البداية أجهرُ بالصوت الملآن بأني لا أقبل أن يصير ملكُ السعودية وأميرُ قطر ورئيسُ حكومته ذو الصلافة البغيضة هم ممثلي الربيع العربي ، ناهيكم بأن أقبل أن يصير شمعون بيريز أو هيلاري كلينتون أو نيكولاس ساركوزي هم هؤلاء الممثلين .
لا أقبل أن يصير هؤلاء قدوة ً لي ، لا لشيء ٍ إلا لأن هناك أصحاباً لي يتهيبون السير على الطريق الطويل الشاق . فلنضف إلى بنود النقاش هذا البند : كيف نتمكن من اتباع السلوك المفيد حين تختلط المواقع ، خصوصا ً مع هذا الحجم الذي نشهده ُ وتكاد الغلبة ُ فيه تنعقد لقوى الثورة المضادة ؟
08-أيار-2021
26-شباط-2012 | |
27-نيسان-2011 | |
11-آذار-2011 | |
01-شباط-2011 | |
11-كانون الأول-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |