الفصل 18 من: (الجري إلى الهزيمة) / ملحمة القنيطرة، ألفتها تأليفاً ثم أغمى عليّ
خاص ألف
2010-02-01
تتابع ألف نشر فصول مثيرة وهامة من كتاب الباحث والأديب الفلسطيني فيصل حوراني من مؤلفه دروب المنفى" وهو كتاب من خمس مجلدات هي "الوطن في الذاكرة" "الصعود إلى الصفر" "زمن الأسئلة""الجري إلى الهزيمة"أين بقية الحكاية؟" ويعتبربمجلداته الخمسة شهادة الكاتب الملحمية التي رسمت بلغة الأدب صورة شاملة للحياة الفلسطينية المعاصرة ومحيطها العربي
×××
حللنا بباريس قبيل غروب الشمس، يوم السبت الثالث من حزيران/يونيو. غادرنا باص المطار الذي نقلنا إلى مركز المدينة قرب حديقة اللوكسمبورغ. ومن هنا، بدأنا، صدقي اسماعيل الذي يعرف المدينة ويعشقها وأنا الذي أزورها لأول مرة، جولة البحث عن فندق ملائم ورخيص. وقد أمضينا ساعات في هذه الجولة لأن الجمع بين الصفتين في فندق واحد لم يتيسر بسهولة. كانوا في دمشق قد دفعوا لي ثمانمائة فرنك نفقات سفر إلى الجزائر فلم أنفق منها هناك إلا مائتين، والمائة الثالثة التي دفعتها لتبديل خط الرحلة. وقد قدر صدقي أن الفرنكات الباقية كافية لنفقات أسبوع في باريس إذا عشت فيها عيشة متقشفة. فلما لم أعثر على غرفة أجرتها أقل من خمسين فرنكا، فقد عزمت على اختصار الأسبوع المأمول إلى أربعة أيام.
لا بدّ أن كثيراً من مشاهداتي الأولى خلال هذه الجولة في الحيّ اللاتيني قد أدهشني. لكن ذاكرتي لا تحتفظ بالكثير، وإن بقي فيها صورتان أود أن أصفهما لك: شابة تسير على رصيف الحديقة عارية تماماً وقد أثقلت المخدرات خطوها وغيمت نظراتها، دون أن يجتذب حالها اهتمام أحد سواي؛ وعجوز قبيحة الوجه مترهلة الجسد تشوه بقع بيضاء سواد بشرتها الفاحم، وبجانبها فتى أشقر له قوام فارس هيليني ونضارة وجهه، والإثنان واقفان متلاصقين يتعانقان ويتبادلان القبل بوجد حارق، دون أن يلفت وضعهما نظر أحد سواي، أيضاً.
وبعد عناء الجولة والجوع الذي فتك بي، شئت أن أطبق خطة التقشف الصارمة، فطلبت من صدقي أن يدلني على مكان آكل فيه شطائر رخيصة. لكن الرجل الطيّب طلب أن أرجئ تطبيق الخطة إلى الغد، وباح بما بدا أنه رتّبه من قبل: "وجبتك الأولى في باريس على حسابي". وقد ظفرت بوجبتي الأولى هذه في مطعم لبناني في الحي اللاتيني، حيث طاب الأكل والشرب والسمر، وبقينا إلى ما بعد منتصف الليل.
في اليوم التالي وكان يوم أحد، قادني صدقي من موقع إلى آخر حريصاً على أن أشاهد أكثر ما تمكن مشاهدته في الوقت القليل المتيسر لي. وفي المساء، أشركني رفيقي في ممارسة عشقه القديم وهو الجلوس في مقهى باريسي على الرصيف ومراقبة المارّة وتبادل الأحاديث مع الجالسين في المقهى. وقد اختار صدقي لجلستنا زاوية في ساحة سانت ميشيل تشرف على الساحة كلها. وهناك بقينا إلى ما بعد منتصف الليل، بل إلى أن اقترب الفجر.
هل كان لفتنة الجو الذي عشته إلاّ أن تثير ما هو هاجع في النفس مما كتمته شواغل الشهور الفائتة. يقولون إن الأسى يبعث الأسى، فهل يبعث الفرح إلا ما هو مبهج. في قعدتنا على الرصيف، حضرتْ برلين، وانبثق الشوق إلى نينا، وحكيت لصدقي حكايتي معهما، ومنه جاء الاقتراح: لماذا لا تذهب إليهما. وقبل أن أجيب، أكمل هو: "نفقات إضافية، لن تحتاج إلى مال كثير، ثمن تذكرة القطار، وما ينقصك منه أسلفك إياه". وسبق العزم أي تفكير: سأسافر إلى برلين، وليكن ما يكون، أيام قليلة أخرى لن تقدم شيئاً أو تؤخره!
وما أن حلت التاسعة صباحاً حتى طلبتُ السفارة السورية وتحدثت مع السفير الذي أعرفه الدكتور سامي الجندي. وقبل أي شيء آخر، وجدتني أسأل الرجل عما إذا كان بإمكانه أن يتدبر لي تأشيرة دخول إلى ألمانيا الديمقراطية. ولدهشتي، سألني صديقي بنبرة جادة: "إنك لا تعرف الفرنسية؟". ولم أدرك الصلة بين السفر إلى برلين ومعرفة اللغة الفرنسية، فعدت بالحديث إلى موضوع التأشيرة. إلا أن السفير قاطعني: "هذا هو السبب، أنت لم تسمع، إذاً، الأخبار. الحرب ابتدأت هذا الصباح".
كنّا في صباح يوم الاثنين الخامس من حزيران/يونيو 1967.
قلت لمحدثي إني قادم إليه للتو وإن صدقي إسماعيل سيكون معي. فاتضح أن رفيقي صار فعلاً في السفارة. ما أغرب دماثة هذا الرجل. لقد عرف النبأ من الإذاعة، فلم يشأ حتى مع نبأ له كل هذه الأهمية أن يقلق نومي أنا الذي ذهب إلى الفراش مع الفجر. وكم أدهشني بعد ذلك حين قال إنه تصور أني ذاهب إلى برلين بالرغم من الحرب، فآثر أن أتوجه إليها وأنا مستريح!.
توقفت رحلات الطيران إلى البلاد المنهمكة في الحرب. ولم يبق أمامي من سبيل إلا التوجه إلى تركيا بالطائرة ثم تدبّر أمر الوصول براً إلى دمشق. ولأن كثيرين غيري اضطروا إلى السفر إلى تركيا، فقد اشتد التزاحم على المقاعد المتيسرة في الطائرات. وصار على الدكتور سامي أن يقتطع من مشاغله وقتاً يهتم فيه باستخدام صلاته في العاصمة الفرنسية لأظفر بفرصة استثنائية بأعجل ما يمكن. واقترضت من السفارة المبلغ اللازم لتغطية النفقات الإضافية، ورحت أنتظر فرصتي للسفر.
ذلك اليوم والأيام التي تلته أمضيتها في السفارة، أجيء إليها في الصباح ولا أرجع إلى الفندق إلا في منتصف الليل، أتابع الأنباء العامة وأشاهد وقائع الحرب على شاشات التلفزيون، وأطلع على الأنباء الخاصة التي تنقلها البرقيات المشفّرة من دمشق إلى سفيرها في عاصمة الدولة العظمى. رأيت على الشاشة وقائع اجتياح الجيش الإسرائيلي لسيناء وسيطرته على قناة السويس، واجتياحه الضفة الغربية وسيطرته على القدس العربية. كما رأيت ما صبّه الطيران الإسرائيلي في غاراته المتواترة على الجولان.
وفي صباح الخميس، جئت إلى السفارة لأودعهم قبل أن أتوجه إلى اسطمبول بعد الظهر. وكنت في مكتب السفير حين دخل العقيد عدنان عمران، وهو من كان على ما أظن الملحق العسكري في السفارة، وبيده برقية مشفرة وصلت للتو. فك العقيد رموز البرقية وتلاها علينا بنبرة جهد لكي يجعلها عادية ثم توجه إلى الحمام الملحق بالمكتب. ومن هناك، جاءنا صوت نحيب العقيد، فتبعته إلى الحمام وعرفت ما أبكى الرجل الذي أعرفه صلداً. نص البرقية أبلغ إلى السفارة أن الإسرائيليين اخترقوا الجبهة السورية من نقطة بعينها. أما ما شرحه لي العقيد عمران فهو أن هذه بالذات هي النقطة الحصينة التي تصوروا في سورية دائماً أنها غير قابلة للاختراق، "والمسألة الآن مسألة وقت ليس أكثر. فبعد هذا الاختراق، لن تصمد جبهتنا طويلاً". قال العقيد هذا ثم عاوده النحيب.
وفي جوّ الأسى الذي جلل مجلسنا، انفتح مخزون سامي الجندي وطغت حاجة الأديب الفنان إلى البوح على تكتم السياسي فيه. وما أكثر وأخطر ما باح به الأديب الملتاع! سينشر سامي في ما بعد ما باح به في تلك الجلسة وبإمكانك أن تطلع عليه. ولن أروي لك هنا إلا الحكاية التي أكّدت لي كم كنت أنا على حق حين توقعت حلول كارثة وهجست بأن مستسهلي قرع طبول الحرب لا يتوقعونها. ففي موقعه في باريس، وباتقانه الفرنسية والإنجليزية، ومع صلاته الواسعة على المستويات كلها، تجمعت لسامي الجندي وقائع السيناريو الذي يجري الإعداد لتنفذه إسرائيل على ساحة المنطقة. وقد صبّ السفير ما تجمع له في تقرير بعث به قبل أسبوعين إلى وزارة الخارجية وطلب أن يطلع عليه قادة الحزب والدولة. وكان في التقرير تحذير من الكارثة المقبلة ودعوة إلى العمل على تجنبها. ولم يلبث أن عرف سامي من أحد أصدقائه في وزارة الخارجية أن الدكتور ماخوس قرأ التقرير ثم ألقاه جانباً وعقّب عليه ساخراً: "سفراء آخر زمان!".
كنّا في اليوم الرابع للحرب. وكانت شوارع باريس تغصّ بالمتظاهرين الذين يهللون لانتصارات إسرائيل العسكرية وينددون بالعرب. كانت حكومة الجنرال ديغول قد اتخذت موقفاً فيه إدانة واهنة لحقيقة أن إسرائيل هي التي بدأت الحرب، فاستفزّ الموقف، على وهنه، المولهين بحبّ إسرائيل، وهم وقتها جلُّ الفرنسيين، وأخرج من مخازن البغض الفرنسي للعرب أقذر ما فيها. أما الأوساط المتنفذة فقد جمع المالي اليهودي الفرنسي الشهير روتشيلد ممثليها وتبرع هؤلاء بسبعمائة مليون فرنك لتمويل النشاطات الدعائية المناصرة للدولة المعتدية. فلم يكن غريباً أن تكتسي باريس وأنا أعبر أحياءها في طريقي إلى المطار كل مظاهر التهليل لانتصار إسرائيل والفرح بهزيمة العرب. ولم يكن ينقصني إلا معاينة هذه المظاهر كي تكتمل أوجاعي.
وفي الطائرة، جلست ساهماً في حالة تشبه حالة فقدان الوزن. وصار أول همومي أن أصل إلى دمشق قبل أن يصل إليها الإسرائيليون. خطرت الأسرة على البال، والأصحاب، والأجواء المألوفة. وحضرت خبرة 1948 وما استخلصه جيلي من عبرها: لا ينبغي أن يجد المعتدون في توسعهم الجديد بلدانا خالية. وتوالت الهواجس: أنا متجه إلى اسطمبول لأني لم أجد مقعداً على طائرة تحملني إلى مدينة أقرب منها إلى حدود سورية، وعليّ أن أتدبر مقعداً في طائرة تحملني إلى مطار أقرب، فماذا لو انسدت السبل؟ لماذا تمضي طائرتي ببطء فكأنها لا تتحرك!! وانتزعني الجالس بجانبي من سهومي. شاب قال شيئاً بالفرنسية، فسألته عما إذا كان يتكلم الإنجليزية، فهز رأسه، تلك الهزة التي لا يتقنها إلا عربي، فوجدتني أسأله دون تردد: من أين الأخ؟
رفيق الرحلة هذا كان اسمه خير الله. وهو لبناني قدم لي نفسه على أنه تاجر لحوم جاء إلى باريس لشأن شخصي وهو متوجه إلى تركيا من أجل صفقة أغنام. وعندما استوضحته عن المكان الذي سيذهب إليه، تبين أن التاجر الشاب ذاهب إلى اسكندرون وهو لم يذهب إلى اسطمبول إلا لأن الحصول على مقعد في طائرة متجهة إلى كليكيا أو حتى أنقرة تعذر عليه كما تعذر عليّ. كان الشاب، إذن، مثلي، ومن الممكن أن نترافق حتى البلدة التي كانت جزءاً من سورية ثم صارت قريبة من حدودها. والواقع أن وجود خير الله إلى جانبي كان رحمة ما بعدها رحمة. وفور هبوطنا في مطار اسطمبول، توجه خير الله إلى مكتب طيران يبدو أنه يعرف أحداً فيه وظفر بمقعدين لي وله، إلى كليكيا عبر أنقرة على طائرة تغادر اسطمبول في السابعة من صباح اليوم التالي. وكان هذا إنجازاً ما توقعت أن يتم بهذه السهولة. إننا في أوقات الضيق نحسب أصغر الإنجازات إنجازاً جليلاً. وتبيّن أن خير الله يتقن التركية ويعرف البلد وأحواله، وهو الذي عرض أن نظل معا، فرحبت بالعرض وأكدت على حرصي على البقاء معه حتى لو أثقلت عليه. وهكذا، حملنا تاكسي واحد إلى ساحة تكسيم وسط المدينة العريقة ووضعنا أمام الفندق ذي النجوم الثلاثة الذي اختاره رفيق الرحلة، وحللنا معاً في حجرة واحدة.
لو كنت وحدي لمشيت في المنطقة المحيطة بالفندق حتى أتعب ثم رجعت لأنام. أما وقد كنت بصحبة خير الله غير المسكون بما يسكن روحي من هواجس، فإني استجبت لاقتراحه، أن نتمشى ساعة ثم نتناول كأساً في المربع الليلي في الفندق: "اجعل لراحة القلب ساعة، فالأحزان لها ساعات الأيام الطويلة القادمة كلّها"، قالها خير الله، وذكر أنها الترجمة العربية لشعر فرنسي تعلمه في المدرسة. وكنّا نتهيأ للخروج حين رن جرس الهاتف في الحجرة. وجاءني صوت رجل يتحدث بعامية تشبه عامية منطقة اللاذقية. وقدم المتحدث نفسه على أنه عربي من منطقة اسكندرون وهو يحبّ العرب ويرى من واجبه أن يكرمهم. وقال الرجل إنه صديق صاحب الفندق وقد عرف بوجودنا من صديقه، فشاء ألا تفوت الفرصة. فأعطيت السماعة لخير الله فتبادل مع الرجل حديثاً قصيراً انتهى بموافقتنا على قبول دعوته. وما أن وضع خير الله السماعة حتى أطلق العنان لضحكة كتمها أثناء الحديث: الرجل قواد، وقد تصور أنه وقع على صيد سمين، صحافي وتاجر كما هو وارد بجانب اسمينا في سجلاّت الفندق.
"لماذا لا نلعب لعبة تتسلى بها عن أحزانك"، اقترح اللبناني، "نتصرف بوصفنا ضيفين مدعوّين ونكبد القواد كلفة سهرتنا". والواقع أن القواد بالغ في إظهار حبّه للعرب ورغبته في الاحتفاء بنا، فسهل بذلك تنفيذ عزمنا، وصعب عليه تنفيذ عزمه على الإيقاع بنا. ففي المربع الليلي، طلبنا أغلى الأطباق وأغلى المشروبات مظهرين أنها أطباقنا المفضلة ومشروباتنا التي نتناولها كل ليلة، وفي غضون ذلك، أقبلت على منضدتنا امرأة ترتدي ملابس فاخرة وتتزين أتم زينة. وحيّت المرأة مضيفنا تحية صديق تقع عليه صدفة. فدعاها هو إلى مجالستنا. فأظهرت هي خشيتها من أن تثقل علينا. توخت المحترفة بهذا أن تحصل على موافقتنا فتجاهلنا مناورتها. فخطا القواد خطوة، فقدم إلينا المرأة باسم مهيب وأضاف إلى الاسم لقب "خانم". ثم سأل ما إذا كنا نرغب في أن تجالسنا هذه الخانم. فقال خير الله للمضيف إن الأمر متروك له. فابتلعها القواد، ولعله احتسبها في عداد ما تصور أنه سذاجة فينا، ودعا محترفته إلى الجلوس والتذرع بالصبر واعداً إياها بأن هذين الأبلهين سوف يقعان لا محالة. كان حديث القواد ومحترفته يدور بالتركية، وكان اللبناني ينقل فحواه إلي بطريقة أو أخرى، ولم أكن أنا على كل حال أبله، فطابت اللعبة.
شربت الخانم كأساً، ثم آخر دون أن يوليها أي منا الاهتمام الذي يعزز أملها في الظفر بزبون. وتبادلت المتخفية في ثياب سيدة مجتمع عبارات حانقة مع القواد، ثم وجهت إلينا الخطاب بالإنجليزية فزعمت أنها مضطرة إلى العودة إلى منزلها لأن زوجها لا بدّ من أن يكون قد عاد إليه. وقامت المرأة بآخر محاولاتها، فقالت إنها راغبة في استضافتنا على كأس في منزلها. فكان أن شكرتُها أنا شكراً مبالغاً فيه، وقلت إنها متعة أن نحظى بضيافة سيدة مجتمع راقية السلوك، إلا أننا نأبى أن نقحم أنفسنا على جوّها العائلي في هذا الوقت المتأخر من المساء. وتشبثنا كلانا بالإباء المزعوم، ثم تجاهلنا النظرات الساخطة والحديث الحانق بين القواد والمحترفة.
في هذا النحو أو ما يماثله، سلكنا إزاء خانم ثانية حلت محل الأولى. وتكرر الأمر مع ثالثة، ثم مع رابعة. وعندما جاءت الأخيرة، كان الليل قد انتصف، وصار علينا أن نختم السهرة. والواقع أن المحترفة الأخيرة تخلت عن الوقار المصطنع وقالت لخير الله بسفور إنها تعرض عليه قضاء وقت طيب وبإمكانها أن تستدعي صديقة لها من أجلي. وبهذا، بلغ الموقف نقطة حساسة. فاقترحت أنا أن نخرج إلى الهواء الطلق حيث يمكن أن نفكر بالاقتراح المغري. فظن محبّ العرب أنها فرجت. وكان هذا هو بالضبط ما توخيته. وجاءت فاتورة الحساب فتناولها القواد ووضعها على المائدة وراح يبحث بتأن عن حافظة نقوده ويطيل البحث دون أن يبدر منا ما يشي برغبتنا في منافسته على الدفع. وما أن صرنا في الهواء الطلق حتى داهمني التثاؤب. فقلت متذرعاً بنعاسي: "اذهبوا أنتم وأكملوا السهرة أما أنا فذاهب إلى النوم!". ومددت يدي للمصافحة وأنا أكرر عبارات شكر مبالغ فيه. ولم أنتظر حتى أسمع الرد. بل خطوت مبتعداً عنهم. لحظتها، زعق خير الله: "انتظر لحظة أنا قادم معك"، وقال للقواد: "لا يجوز لي أن أترك صاحبي وهو على هذه الحالة"، وتبعني. وفي طريقنا إلى حجرتنا، قال خير الله المغتبط بنجاح خطته: "لو عامل عربنا إسرائيل كما عاملنا نحن هذا القواد لما خسروا ما خسروه ولدفّعوها هي بدل أن تدّفعهم ثمن غفلتهم".
ما أعقد الطبيعة البشرية! لو كنت في ظروف أخرى لما خطر لي بأي حال من الأحوال أن أفعل ما فعلته تلك الليلة في عاصمة بني عثمان. أما في ليلتي تلك فإن إحباطنا لمناورات القواد ومحترفاته حقق لي شيئاً من التوازن النفسي. وما أن استلقيت على سريري حتى غفوت. وقد نمت في تلك الليلة نوماً عميقاً لا يحظى بمثله أكثر الناس خلوّ بال.
في الصباح، في المطار، كان في الانتظار مفاجأة. ففي الحشد الذي التأم قبل التوجه إلى الطائرة، وقعت على حسين العودات وإلياس مرقص. كان آخر عهدي بالرجلين يوم تركا الجزائر قبلي وتوجها إلى مراكش لحضور ندوة منعقدة هناك. وقد واجه الإثنان ما واجهته أنا من
08-أيار-2021
26-شباط-2012 | |
27-نيسان-2011 | |
11-آذار-2011 | |
01-شباط-2011 | |
11-كانون الأول-2010 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |