مر زمن طويل والمثال يتكرر ، وأنا أتساءل لماذا يضرب زيدٌ عمرواً ؟ ولم احصل على جواب . غير أن بعض الملامح أخذت تتشكل في ذهني عن الموضوع . إذ بدا لي أن مصطلح الضرب هو الأكثر شيوعا على ألسنتنا ، والضرب هو المفردة الأكثر استعمالاً في احاديثنا اليومية . فحين نريد توضيح فكرة نقول سأضرب لك مثلاً . وفي الاستهجان نقول ضربٌ من الخيال . وعن المتمرد نقول انه يضرب بالتقاليد عرض الحائط . وفي المدرسة يتعلم التلاميذ جدول الضرب . والبعض
لأمر ذاته يُفترض أن يكون مُحقَّقًا لدى الكتَّاب في ما يتعلّق بهموم نتاجهم وأحواله وتقلّباته، ترقّيه أو تعثّره، جدَّته وتقدّمه أو تراجعه؛ بل لا مُغالاة في القول إنّ وجود مَنْ يُسَرُّ لهم أشدُّ لزومًا، في حياة الكتَّاب والفنَّانين من غيرهم، لأنّ المسألة لا تتعلّق بأمر فضفضةٍ وترويح عن النفس، وإنّما بما يمسّ مسار النتاج، وأفقه، وموقعه في خارطة الحياة الثقافيّة ولدى القرّاء المُتابعين له والمُهتمّين به.
لو كان خاشقجي مذنباً لما قصد القنصلية، بل لكان ابتعد عنها. ذهب إلى هناك وهو يعرف أنه لم يرتكب جريمة بحق بلاده تستوجب احتجازه، وكل ما قاله خارج السعودية هو من باب حرية الرأي، وهو مصدق أن عهد ولي العهد السعودي عهد جديد قوامه الانفتاح وحرية الرأي، رغم حملة الاعتقالات الواسعة التي حصلت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لأمراء ورجال أعمال ورئيس وزراء لبنان سعد الحريري،
دخلت وصديقتي الستينية الشقراء المصعد الضيق جدًا، فهو بالكاد يتسع لاثنين بعد التصاقهما ببعض، التصقت بها أكثر كي أضغط رقم الطابق السادس، فقد كانت لوحة المصعد خلف ظهرها، فسمعت “عنين” المصعد، ولمعت الفكرة عندها: (ماذا لو كان العثور على “مفتاح التاريخ للقبض على جدي” يحتاج إلى قبلة من عاشقين في مصعد كهربائي؟).
خواءٌ، خواء يَسبق البدء، مدن تلفحها رياح الخماسين وتذري في محاجر الجماجم المكورة رشقات من الرمل فتتشردق ديدانها، السكناء مغاورها، فتبصقها.
الليل المغرورق بعتم السواد استأنس السماء، فالشمس لا تزور مدن الموتى و الرماد، ولا تدغدغ أضواؤها محاجرَ فارغة وأفواهاً فاغرة وأطرافاً مخدرة متآكلة. ضجيج الصمت أدركه ضجيج الهذر والهذيان،
كنتُ أريدُ أن أقلعَ عن الحنين عندما اكتشفتُ أنّ الحنينَ ( عدوٌ ومدعاةٌ لارتكاب الحماقات) ....!
منذ أسبوع تقريباً بدأتُ بإعادةِ ترتيب قلبي ولملمةِ شظاياي هنا في المنفى الذي هو منفى حتى بين الأصدقاء !
.... شرعتُ بكتابة الجزء الثالث من ( سيرة ذاتية ناقصة لحصان مرهق )؛ لكنني لم أحظَ حتى بإكمال صفحة واحدة أو أقل ...!
أحدهم حاورني فجأةً وأنا قد نسيتُ أو تجاهلت أن أغلق صفحتي على الــ"فيس بوك " وقد قال لي :
بعد عشرين دقيقة تقريبا لمحته واقفا في مكانه. تظاهر بأنه لم يلاحظ لمحتها. توجهت نحوه. دفن رأسه في هاتفه، لكنه كان يستطيع رؤية أقدامها تخطو إلى حيث كان يقف. لم يرفع رأسه إلا عندما وصلت إليه. نظر في عينيها وابتسامة مترددة بدأت في الارتسام على ملامحه. كانت هي ترتدي زيا أسود اللون غطى جسدها النحيل الأبيض من عنقها حتى ركبتيها، وكان الزي يحتوي جيوبا على جانبيه. ذكره ذلك بزي آخر ارتدته ذات يوم، وكيف ضحكا كالأطفال على جيوبه الجانبية، لكنه لم يقل شيئا.
وكذا قرّر زكريا تامر -وهو الذي لم يحظَ كاتبُ قصةٍ سوريّ بما حظي به من الشهرة والاهتمام والتقدير، لدى قرائه ومتابعيه والوسط الثقافي- الهجرةَ من بلده مُتوجّهًا إلى بريطانيا العام 1981. أمّا عن أسباب هجرته فقد ذهب في حوار معه -آنذاك- إلى أبعد وأخطر مما ذهب إليه أبو زيد، إذ يقول إنَّ توقّفه عن الكتابة وهو في سوريَّة “لم يكن سببُه فقرًا ذاتيًّا داخليًّا، بل كان سببُه كامنًا في العالم الخارجي الذي أعيش فيه يوميًّا، فكان لا بدَّ لي من الرحيل إلى عالم آخر، إنقاذًا لزكريا تامر الكاتب”.
كان موعد إقلاع طائرتي من إسطنبول، في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر -والتاريخ هنا ليس مهمًا- وموعد وصولي إلى مونتريال، في الساعة الخامسة والنصف من بعد ظهر اليوم نفسه، أي بعد ثلاث ساعات، حسب التوقيتين المحليين في إسطنبول ومونتريال، ومعنى هذه “الحسبة” أنني لم أخسر من عمري إلا ثلاث ساعات أمضيتها طائرًا في “الجو”، كنت فيها على هامش الحياة والموت؛ وأعني الحياة المقيدة في كرسي الطائرة، المكان الوحيد الذي أستطيع الوصول إليه،
والتفت الرجل إلى سحبان، وسأله: "ما رح تعرفنا؟"
وسحبان الذي بوغت برهة لذيذة، لم يكن يتوقع أننا لم نلتقِ من قبل.
"هذا اخي وائل." وللتوكيد، أضاف بلؤم: "وائل السوّاح."
ثمّ إليّ: الأستاذ حسيب كيالي."
تمنيت لحظتها لو أن فوهة كبيرة في الأرض تتلقفني وتأخذني بعيدا عن الحياة المسرحية وأخي سحبان وحسيب كيّالي، ولكنّ الرجل المبتسم الجميل، هتف بي: "أهذا أنت"؟ ثّم أغرب في ضحكة مديدة، قبل أن يقول: "تعال هنا"، وأخذني بين ذراعين قويتين في عناق مديد.