عدا ذلك، يندر أن يُثير الاهتمامَ كتابٌ يضمُّ مقالات جُمعت من الصحف والمنابر لمبدع في جنس أدبيّ؛ إذ لا يُدرج في سياق رواياته أو دواوينه أو قصصه؛ في حين أن كتاب درويش “حيرة العائد” الذي ضمَّ مقالات عن كتَّاب وشعراء، وكلمات ألقاها لمناسبات عدّة، يُمتع قارئه -في اعتقادي- إذ في كلّ سطر من الكتاب سنكون مع حضور الإبداع، وسنبحر مع نصّ مشغول كقصيدة، ومع لغة خاصة تمتلك القدرة على انتشال القارئ من الرتابة وانعاش ذاكرته وذائقته، وذلك بسبب الآفاق الرحبة التي تفسحها المقالات، .
كان المطر قد بدأ يهطل غزيراً، والرياح تعترضه، فتُجبره على تغيير مساره جاعلةً إياه يهطل على نحو دائري، وراح هذا الوضعُ الزمهريريّ يُسَرِّعُ في اندفاع أبي إبراهيم نحو المرحاض وقد أنساهُ هاجسُ التخلص من المغص خوفَهُ المزمنَ من الجن الساكنين - بحسب ما سرب له زميلُه أبو سالم - داخل فناء الشركة.. وفي هذه اللحظة العصيبة، ويا للرهبة والفظاعة، صدر ثغاء معزاة! فانتفض أبو إبراهيم واقفاً مثلما ينتفض النابض، وضرب برجله الإبريق، فانسفح الماءُ الساخنُ على كمي بنطاله،
أبحث عن عبارة تصلح للضحك والبكاء على حد سواء، عبارة أخف من احتمال طبقات المعنى، وأثقل من الضياع في المعنى الوحيد، عبارة أكثر هشاشة من الصيغة البشريّة التي ننتمي إليها أنتَ وأنا، عبارة تحيا كلما عبر كتاب (قواعد العشق الأربعون) من يد إلى يد، كلما حضرت الأطياف وجفت المعاني وارتاب القارىء واهتز الظل وانمحى الأثر، وصارت الذكرى طحالب على لحاء شجرة مقطوعة الأطراف، صارت صدأ وفزاعة ونبتت من جديد في حياة أخرى..هكذا دائماً، هكذا أبداً، عبارة حادة وغريبة وغضة كقلب.
الصورة الثانية تقترب الكاميرا من وجوهنا ونقترب نحن من بعضنا أكثر، حتى أنني أتجرأ وأمسك يدك التي تضعها على كتفي بكل حنان الأبوة، أمسك يدك وكأنني أمسك اللحظة التي كنت أنتظرها، لحظة نظهر فيها معاً كأي أب وابنة بلا سجن ورقابة وزوار وزيارة. تواصلنا الأخير كان اتصالاً هاتفياً لك من باريس، وقد طال السرطان حتى صوتك، لم تتحدث ولكنني كنت أسمع تنفسك، قلت لك:
اللوحه الأولى .. صمت الوجع
لدمشق القديمه سحر مبهم عذب و لا يستطيع فك طلاسمه حتى الراسخون في في العرافة و الجنون .
بالتأكيد لم تكن هذه المرة الأولى التي يقع بصري على تفاصيلها ، ولكن هذه المره وبروح تأمليه احسست اني اكتشف نفسي من خلالها ، مشيت باسترخاء صوب مقهى النوفره ، و اختلط لدي التصور و الإنطباع بالواقع ، احتشدت الصور في داخلي وانقذفت متزاحمه متناوشه ،
بكلمة أخرى، الوعي البشري الراهن من حيث لا يدري يعيد إنتاج الأسطوري القديم لكن بأدوات ال هنا واﻵن الملغومين بنقائضهما، يعني فيما يعني أيضاً، أن
الأدوات حققت قطعاً كمياً. لكن ليس له أن يكون قطعا مطلقَ نوعي ولكن بطريقة أخرى، طريقة مركّبة أخصبت تجليات الإلهام.
أود أن أصدّق أن إدراك قلة منا أن وعيننا عن أنفسنا والكون ناقص يعني فيما يعني بعض أسباب عدم عدمنا حتى اﻵن.
لم يبق إلا حوالي خمسمئة مترٍ، ولأنني لا أضع في يدي ساعة، مذ حل مكانها في أداء مهمتها الهاتف المحمول، أخرجت هاتفي من جيبي ونظرت إلى ساعته، كانت الثامنة إلا ثلاث دقائق، قلت بصوتٍ عالٍ " اللعنة، اللعنة، اللعنة " ليس لأن الوقت المتبقي لم يكن كافياً، بل لأن الباض العظيم، ذو الرقم (11) مر قربي، مثل صاروخٍ، و حلمٍ، وتهادى أمامي على بعد مئتي مترٍ،
من هم حمقى هذا العصر؟. هل هم السياسيون، أم رجالات الطائفية والحرب، هل هم الناس خاملين كانوا أو ثائرين؟. أم هم الكتاب والمثقفون؟. لو تطلعنا إلى الإنسان العربي اليوم من فوق، من ارتفاع، لو نظرنا إلى مدنه النظيفة المرتبة أو تلك التي تم هدمها، فصارت بلا مبنى ولا معنى. لانتبهنا إلى التناقض الكبير بين جغرافيات متقاربة وصفت عبر التاريخ بوحدة الحال في اللغة والدين وإلخ. لا يمكن استعراض تاريخ طويل الآن، يكفي النظر إلى التفكك القائم، الذي
رب الممثل ياسر العظمة من أذن قلعي ويقول له همساً: "لقد انتصرنا بدليل أنك حي ومختار الضيعة وكنت أنت المستهدف من الحرامي" يرد قلعي"، ولكن برأيك ما بتتخن". من ثم يخاطب الجمهور المحتشد: "تفضلوا مفاجأة وطنية، نحنا منتصرين ومانا حاسين".
يسأله الممثل أسامة الروماني "نحنا منتصرين ؟!!" يرد قلعي "أي أي لأن الحرامي لم يكن هدفه الكرم ولا الضيعة ولا البيادر، كان هدفه الوحيد تشيلني من المخترة وما قدر... لذلك هو المهزوم ونحن المنتصرون ولاه...يلعنك".
أغلبُنا تساورنا رغبة خاصة في تعليم الأطفال، لكن التعلّم منهم قد يكون أهم. كنت قد انتهيتُ للتو من قراءة حروف اللغة العربية على ريّان المُنصِت، قبل أن أسأله، لغرض المراجعة، عن الحرف الذي تبدأ به أبجدية اللغة نفسها، متوقِّعة أن تكون إجابته، ألفاً ممدودة. فجاءت إجابته، من حيث لا يدري ربما، مشاكِسة، مشيرة إلى رشاقةِ لعبٍ وسحرِ طفولةٍ باسِمة: "فينا. فينا" (بنا).