أدونيس، وإن كان في ضفة العقل، لم يدخل اليأس الى عقله وقلبه، وهو، مع قلة من المثقفين العرب، لا يزالون يرون قبسات النور في هذا الكيان المستدعى من بطن التاريخ ليؤجج نار التعصب والتحامل. قبسات النور يجدونها في المأثور العربي، خصوصاً في الشعر، فبعد «ديوان الشعر العربي» المتضمن مختارات في أجزاء أربعة، يصدر أدونيس «ديوان البيت الواحد في الشعر العربي» ( عن دار الساقي - لندن، بيروت)
في محاضرتها الثانية تحدثت فاطمة ناعوت عن درجات الجمال ومستوياته: بدءًا من الجمال الطاغي الذي لا يملك الإنسان إمكانيات استيعابه، والذي أطلقت عليه مصطلح "اسفكسيا الجمال"، الذي هو الدرجة العليا من الجمال التي لا نستطيع أن نتحملها، والمتمثلة في جمال الله، الذي ربما حجب نفسه عنا لأن لا قدرة لنا على تحمل نوره. كذلك النار التي قد تحرق مدينة بأسرها، هي ذاتها التي نأخذ منها قبسًا قليلاً لتغدو شمعة تنير ليلة حبيبين.
هذا وضع مصطلح «عولمة» عندنا، فقد جعلناه مجرد بديل لكلمة هيمنة وأرحنا أنفسنا من عناء التعمق في ظاهرة أساسية وجديدة لا يفهم عالمنا المعاصر دونها. وقد ترتب على هذا الخلط أن أصبحت الكلمة حجاباً يحول دون فهم الظاهرة نفسها، وغاب المدلول تحت وطأة الدال وتسطحت الظاهرة في وعينا بسبب ما يبدو لنا وضوحاً في اللفظة الدالة عليها وثقتنا بأن الحكم جاهز للبت فيها. والواقع أن العولمة قد تنتج الهيمنة، لكنها في ذاتها شيء آخر.
العلاقة القائمة بين هانا والفتى مايكل قائمة على سطوة وتسُّيد وأيضاً حب. هانا هي الآمرة وهي المالكة لأسرار فنّ الحب تقود فتاها الأمرد بيد خبيرة إلى مكامن اللذة عبر جغرافية بديعة لجسد متمرّس بالعمل والواجب والجنس. مايكل الفتى، مشدوه، مدهوش، أمام جمالها وسحرها المشع عليه بقسوة وغموض، كأم وحبيبة في نفس الوقت. التقته في لحظة تعاطف حسّاسة. هي صدفة جمعت بينهما في صيف 1958 تحولت إلى قصة حب عاصف وعلاقة جسدية حارة. هانا تقرأ لغة الجسد والحبّ وأسرارها، ومايكل القارئ يعرف الكتابة وقراءة الروايات والآداب
وبذلك، فإن الدارسين للدين هم شركاء في الجدل والشأن الديني القائم بغض النظر عن إيمانهم أو تدينهم، ولا يمكن إلزامهم بما يلتزم به المؤمنون والمتدينون من قواعد وتقاليد في التعامـل مع الدين ورجاله وعلمائه، ولا يحتاجون إلى «إجازة» دينية أو استئذان أحد في بحوثهم وآرائهم، وهم في شأنهم هذا لا يخضعون إلا لاعتبارات القوانين السائدة وقواعد البحث والمعرف المتبعة.
ما إن تبدأ مشوارك معها حتى تحس بأنك لا تستطيع أن تفهم ما تقول ولا ما تقدم لكثرة ما تتمايل وتنحني وتميع. وتتكلم بنبرة صوت تصنعه صنعا، ولا يمكن أن تحسب ذلك فرط أنوثة أو فرط رقة أو نعومة حتى ليتساءل المشاهد لماذا تتصرف هكذا؟. علاوة على ذلك استخدامها لمفردات في اللغتين الإنكليزية والفرنسية معا فتقول مثلا والآن بقي علينا ال shoes و هذا ال color وال pants و minutes وdress ولو قالت الحذاء واللون والبنطال ودقائق وثوب لما غير من الأمر شيئا لأن المفردات التي استخدمتها
فماذا لو كان يسوع متعدّداً؟ وماذا لو كان المسيح الذي أتى، لم يحمل بطاقة هوية واحدة؟ وماذا لو أن مكان ميلاده غير محدّد، (بيت لحم أم الناصرة أم أنه جاء أيضاً من شبه الجزيرة العربية؟).
تختلف الأمور كثيراً، عندما تنقلب المعتقدات لدى احتكاكها بالواقع، وعبر الإضاءة عليها من خارجها من خلال كتب المؤرخين، وصلات الجغرافيا وتعاقب الأزمنة. قد تنجلي أكثر، إذا قورنت بين الكتب المقدسة، وظهر من خلالها، المختلف والمغاير والنقيض...
ترجمة نصّ يتسم بالفوضى أمرٌ غير يسير، لكنّ من يتكبّد هذا الجهد عليه أن يتذكر أن الترجمة الجيدة هي التي لاتبدو ترجمة. يلاحظ القارئ تباين المستوى بين لغة يونس كامل ديب الجيدة في مقدمته وبين ترجمته للكتاب. لقد أضاف سوءُ الترجمة مزيداً من التشتت. استخدم المترجمُ الظروفَ (فقط، قط، بالتأكيد، بالفعل، تماما، مطلقاً...الخ) بكثرة ودونما داعٍ مما جعل الحشو الزائد في الجمل أحد معوّقات فهمها، وكان بناءُ جملته وسوء استخدام علامات الترقيم عائقاً آخرَ:
شرح لها بأن البابا دفع في الصفقة الأخيرة سبعة عشر مليوناً ليحصل على أربعين مليوناً. يعني شراء المصاري يحتاج إلى مصاري، ثم تساءل بخبث مستخدماً مصطلحات والده فيما إذا تم استيراد هؤلاء التسعة وثلاثين مليون فقير إلى البلادالعربية من قبل أحد رجال الأعمال عن طريق المزايدة العلنية، أم بالتراضي، أم بالظرف المختوم؟ وكم مليوناً حقق المستورد من تلك الصفقة؟ رمقه الأب بنظرة قاسية.
خلت فتاة ينادونها دينا، مع إحدى القوادات، حيث يصف أبو عبدو الموقف لنا، مميزا بين المرأة الكبيرة وعمرها يزيد عن أربعين عاما، لكن عيونها تخبرك بأنها أمضت أكثر من مئة عام في هذه المهنة، و الفتاة البسيطة، صغيرة تضحك مبهورة تبدو عليها البلاهة، والجهل في كل شئ، لا تتجاوز الثالثة عشرة، مكياجها الصارخ تنوء به قسمات وجهها فلا يحجب البراءة عنها، فمها الذي تلون بأحمر الشفاه الأحمر، لم يتعلم بعد العهر.
يشرح أبو عبدو حاله متابعا: شدتني الصغيرة، لا كامرأة، بل كطفلة تسرح في مجهول، أنا الرجل ترتعد ركبتي من هوله تحت الطاولة