بينما تتسابق الدول الإقليمية، في ضوء تغير الإدارة الأميركية، على استعراض عضلاتها لتقاسم الكعكة السورية، لا تكفّ الوقائع الجديدة المأساوية عن فرض نفسها على الأرض. ومع تراجع قوى المعارضة وتفكّكها، وبروز الإفلاس السياسي والأخلاقي، منقطع النظير، للنظام الذي يصرّ على أن يبقى حتى على خراب سورية وموت شعبها،
تراجع رجال الشرطة إلى الوراء، حيث فاق عدد المهاجمين عددهم، وبدوا غير واثقين من كيفية الردّ. لو أن هؤلاء الرعاع كانوا من السود أو المكسيكيين أو العرب، لسمعنا بعشرات القتلى ومئات الجرحى والمعتقلين، ولكن هؤلاء كانوا من أنصار ترامب، بيضا ومسلّحين وعنصريين وبدون شفقة. واليوم لا أحد لديه ثقة تامة بأن أيا من عصابات ترامب سوف يقدّم فعلا للمحاكمة.
قلب حاتم علي خذله، كما قلوب كثيرين، أُثقِلوا بهموم أوطانهم، ولم يعتنوا بقلوبهم؛ فوقعوا ضحية موتٍ، بسكتةٍ قلبية، في الجزء الأخير من الليل، كما يفسِّر العلماء ذلك، وينامون مطمئنِّين لتفسيراتهم. وبالمناسبة، كلَّما مات رجلٌ بالغٌ أشدَّه بقلبه، أتذكَّر حادثةً مؤلمة، ففي صغري، تطيَّر الناس من حولي، من سيدة توفي زوجاها الاثنان، تباعًا، أمام التلفاز.
بعد وصول موازين القوى إلى درجة معينة تحتم وجود رابح وخاسر في أي صراع، يرفض المنتصر التوصل إلى حل سياسي، ويفضّل الذهاب إلى تسويةٍ مع خصومه، بما أن الحل يتعيّن بثوابت سياسية وحقوقية تتنافي مع التسوية التي تتعيّن بموازين القوى، وبأرجحية كفّة المنتصر على المهزوم الذي لا يبقى أمامه غير العمل لبلوغ تسوية، لا يهزم فيها.
لا يستدعي هذا المسار "البلقاني" الإعلان الرسمي عن إقامة دويلاتٍ تخضع للسيطرة المباشرة للدول المتنفذة، وتعتمد على حمايتها. كما لا يتناقض الحديث المكرّر عن ضرورة تطبيق القرارات الدولية عن سورية الموحدة، مع ترك الأمور تنضج على نار هادئة، لكن حارقة بشكل أكبر للسوريين الذين يعيشون على حافّة المجاعة، بانتظار أن تأخذ الصراعات المناطقية مداها،
أتذكر كلمات كتبتها منذ أعوام :" بصمت الريح ... بدمع الندى النائم على أسرَّة الأوراق ... ومع ولادة الصبح المثقل بالأمل ... انتظرني سآتِ إليك .. واعلم جيداً بأن السماء منحتني نفسها .. وبأن الليل تنازل لي عن نجومه .. وعن عتمة أحزانه.. وباني مازلت أريد المزيد .. لا لتشفق علي أو لأتقلّد عرش الأحزان ..بل لأحرق جميع هذه الأحزان ... ذات صباح ... وآتِ إليك"
تلخيص فحوى هذه النظريات، وما يجمعها: أولها نكْران الحقائق. نكْران أن ثمّة وباء، وأن ثمّة علاجا محتملا له، وأن ثمّة موتى من مجرّد الاختلاط... إلخ. ثم الإيمان بوجود كيان "غريب" يحرِّك هذه المؤامرة. والصين تحتل هنا مكان الإمبريالية والصهيونية التي أحببناها. وتتابع النظرية أن هذه "الكيانات" تبثّ الأكاذيب الصارخة، الهادفة إلى هلاك الأمم، ولكنها تعمل بالخفاء...
كل تلك الأدبيات لم تكتب لي، ولم أستطع أن أكونها ولا أن يطرب لها جسدي المرتبك بتلك الأنوثة الطافحة بشكل زائد على الحد. ثرت دائمًا على صورتي في المرايا، وبهذايانات درويشية عن صورة الجميلة وانتحار العاشق، قمت بمحاولات عدة للتخلص من الحجم الزائد عبر جراحات وتشطيبات جزارين، لكنها كلها لم تتم، لم أستطع أن أتجرأ وأضع ثديي تحت شفرات حادة وأنهي ما فعلته الطبيعة. جبنت عن الفعل،
مرّ عقد، على العالم العربي، طافحٌ بالأحلام والخيبات، كانت أفراحه قصيرة، لكنها مكثّفة، طوت عار عقود مديدة من الصمت، وحطّمت، إلى الأبد، الصورة النمطية التي اعتاد الآخرون رؤية الشعوب العربية من خلالها، على الرغم من أن الربيع لم يبلغ أوانه بعد، لكنه ظلّ معلقاً أيضاً، فلا الشعوب تريد تجاوزه، ولا الأنظمة أسقطته نهائياً.
كان بولسونارو يراهن حقًا على فوز ترامب، وقد صدمته النتيجة الساحقة التي ستدفع بترامب خارج البيت الأبيض. ونقل عن الرجل قوله ما بين الجدّ والهزل إنه ليس أمامه الآن خيار سوى أن يرمي خبير السياسة الخارجية المؤيد لترامب، فيليبي مارتينز، من نافذة الطابق الثالث إلى قارعة الطريق. وقد مثّلت نتيجة الانتخابات ضربة لمحاولة بولسونارو تأسيسَ اتجاه بولسوناروي،