بدأ محمد عفيفي مطر مشواره الطويل مع الأدب و الحياة من حيث انتهى مواطنه و ابن مصر المدلل نجيب محفوظ.من ناحية الجنس الأدبي : لم تكن هناك أية علاقة بين شعر الستينيات و ما بعد ، و وراية جيل الرواد المؤسسين الذين اهتموا بالصورة و بناء الشخصية و ليس اللغة و لا حتى الخطاب.و من ناحية المواقف : لم تكن أمامنا أية فرصة لاختلاق نوع من أنواع اللقاء .
لم يكن الشاعر عمر حمد مجددا في الشكل و لا حتى بالصور ، و لكنه يأتي في طليعة القافلة التي حاولت أن تبدل من اتجاه التاريخ المحلي ، و أن تربطه بـ ( العروة الوثقى – بتعبير المربي الكبير عبد الرحمن الكواكبي ) مع مصادر العولمة المبكرة التي تدق أجراسها. و هو يشترك مع إبراهيم طوقان ( شاعر النكبة ) في طريقة التعبير الغنائي عن الأزمات الكبيرة. إنه نموذج مثالي لشعراء المراحل الحرجة ، و يمكن بسهولة إدراجه ضمن إطار ( شاهد على عصره ).
يروي الأستاذ عمر فاخوري ( أديب الإبداع و الجماهير – بلغة المرحومة وداد سكاكيني ) قصة حياة الشاعر فيقول :
كنا في المدرسة و بعدها ثلاثة أو أربعة لا نفترق. و كانت رحلتنا إلى " المستقبل " سهلة في
مع أن قصائد الشاعر السوري عمر يحيى تعبر عن إرادة النهضة للحركة الكلاسيكية الجديدة ، فقد كانت جميع معانيه و صوره تضغط باتجاه روح رومنسية و متمردة و يشوبها كثير من القلق و الشك. و نعتقد أن هناك نقطتين لتفسير ذلك .- الأولى سيرة حياته . فقد كان مولودا في مطلع القرن العشرين و بالتحديد عام 1902 في مدينة حماه ، القلعة الحصينة لأبناء الطبقة التجارية شديدة التحفظ و التمسك بالأصول. و لكنه في نفس الوقت تلقى تعليمه العالي في القدس أيام كانت المواجهة مع المخطط الصهيوني في عنفوانها ، و قام بالتدريس في مدينة أنطاكية و هي أيضا محطة و منارة. فقد حملت أعباء المقاومة ضد فلول الإمبراطورية العثمانية ، المعروفة باسم الرجل المريض ، و ضد النوايا الخبيثة لصفقة اللورد سايكس مع المونسنيور بيكو. باختصار
هل اختفت من لندن؟
باصاتها الجميلة الحمراء
وصارت النوق التي جئنا بها من يثرب
واسطة الركوب,
في عاصمة الضباب؟
تسرب البدو الى
صدر للشاعر السوري أورخان ميسر في حياته القصيرة نسبيا ( 26 ) قصيدة نثرية ، هي من بواكير هذا الأسلوب. و حاول فيها أن يتوازن بالأحرى أن يوازن إبداعات صديقه و أستاذه الدكتور علي الناصر.
و بعد وفاته تابع المهمة الشاقة الرائد و المبدع أدونيس ، و كعادته قام بالعودة إلى النفايات المتراكمة و إلى بقايا أكل الدهر عليها و شرب ، و كما صنع فورد بصديقه الراحل ( كافكا ) اختار له عدة مقالات و مجموعة من القصائد غير المنشورة ، و أصدرها جميعا في العمل الوحيد المعروف لأورخان ميسر و هو بعنوان ( سريال ).
لماذا هذا العنوان ، و ما مناسبته ؟..
يا عتبتي السمراء المشوهة
لقد ماتوا جميعا، أهلي وأحبابي
ماتوا على مداخل القرى
وأصابعهم مفروشة
كالشوك في الريح
لكني سأعود ذات ليلة
منذ النكبة و حصار بيروت دخل الشعر العربي ( و لا سيما في منطقة النفوذ الفرانكوفوني – شمال إفريقيا ) بمرحلة من الصراع بين الوسائل و المعاني. و للتعبير عن هذه المشكلة بصيغة أخرى نقول : إنه دخل في متاهة مرضية ، على اعتبار أن العلاقة بين العصاب و البنية و اللغة هي أول مرحلة في التعرف ( كما يؤكد لاكان و من جاء بعده ).
لقد كان الشعر في المغرب العربي جنديا مستيقظا يحارب الاغتراب الأداتي ( و الذي يتوازى مع تغريب الروتين و الآلة و المصنع و ما إلى ذلك ) ، و في نفس الوقت يحارب قوة النفي المدعومة بتراث نادرا ما يعترف بقوة التحول و التجديد و المعاصرة.
و بين هاتين المرحلتين كانت الرموز تبدو مضغوطة و منفتحة على دائرة من المعاناة و الشقاء و الشك.
في هذا السقام المتسارع
كسريان الغروب في العين الباكية
في تفاوت الأزمان
في التجربة والآخرين
انظر! الآن! كيف يهتز الخزي كبيرق
في الرؤية. أنت في مهمة باسم البشر
التوقيع: جلاد.
خطـاب الجلوس :
سأختار شعبي
سأختاركم واحدا واحدا
سأختاركم من سلالة أمي ومن مذهبي
سأختاركم لكي تكونوا جديرين بي
سأختار شعبى سياجا لمملكتي ورصيفُا
لكل فتى امرأة
إذا كانت قيامة الرواية بالمعنى الفني الحديث قد بدأت في مصر ، فإن قيامة الشعر الحديث بدأت من العراق. و لا يمكن فصل هموم الحداثة ( شعريا ) عن فرسان العراق الثلاثة : نازك الملائكة ( من ناحية الشكل ) ، و البياتي ( في مضمار التجربة الذهنية و الروحية ) ، ثم أخيرا البياتي ( في الأسلوب و الخطاب).
و أعتقد أن الشاعر صلاح فائق سار على نفس ( بساط المراسم) السابق ، فقدم لنا قصائد رقيقة ، ليس لها حدود غير أحزان الشعر و قهر السقوط ، و ليس لديها أفراح خارج إطار الموت....
و هذه القصيدة منشورة في مجموعته ( رهائن ) التي صدرت في دمشق عام 1975 . ( ألف )