و عرفت رساما... بيده سكين، كان يحرس ملجأ للفقراء. و في اليوم التاسع عند الفجر
سمع خبطات على الباب. فتح الباب و شاهد شخصا بشريا
مجللا بالغبار و يبسط ذراعيه الضخمين و يقول بلغة روسية، ببساطة مع ابتسامة:
" أنت تعرفني!".
لم ينس صورة عجوز، كانت مهتاجة، و تركتها دبابة
سوفييتية كبيرة
لكن اقتلعت من الطريق كل شيء حتى الحصى الضئيلة!.
دم من هذا؟ دم من هذا أيها الشاعر؟
وهو دم في المسافة منظورة عن قرب ومنظورة عن بعد
دم في نظرة العين، وفي حسرة الناظر.
الأم تطبع قبلتها الصباحية في الجبين البارد
ذهب يكتري العجلة ورجع بلا وجه
دم في أسياخ العجلة، دم في حليب الصباح
في ماء الظهيرة، في خيول العربة،
وفي نشرة الطقس دم طوال النهار، والسماء التلفزة الجائعة.
يا لَهُ مِن ماءٍ بُرونْزِيٍّ
يَتقاطَرُ عليَّ!.
تَكويرَةُ النَّهدَيْنِ
استدارَةُ الرِّدفَيْنِ
دَوَراناتٌ قَوسِيَّة
تنسابُ مِنَ الوَسَطِ
صَوْبَ الفَخِذِ الصَّقيلَةِ المَلْساءْ.
وبسُرعةٍ..بسُرعةْ
تُصيبُني بالدُّوارِ،
يا وطني الغارقُ في دمائهِ
يا أيّها المطعونُ في إبائهِ
مدينةٌ مدينهْ
نافذةٌ نافذه
غمامةٌ غمامهْ
حمامةٌ حمامهْ.
كانت القرية تبدو صغيرة جدا، البيوت الطينية بصفوف طويلة مع عدد قليل من البيوت الإسمنتية و هي مرتبة على جانبي الطريق الرملي. لفت شوكوودي انتباهنا لمبنى صغير لم يتم بناؤه. و قد كتب فوق المدخل بالطبشور: روضة مجتمع يالا - مشروع أسسه واحد من أعضاء خدمة المؤسسة السابقين الذين خدموا في القرية.
تجولنا في المكان، و تعرفنا على الناس. و بدأ شوكوودي يستعيد أمام أعيننا شخصيته كإنسان من يالا. فتكلم مع القرويين ببساطة متناهية، و ألقى التحيات و الأقوال بلغة محلية قائلا:" كيف أنت اللحظة يا تاتابوسكو؟ تقعد هناك و تترك المفروزين تحت مطرقة الجوع ".
حريته، فبات يطيل الوقوف أمام النافذة يرقب الأمطار الهاطلة ويتأمل شواطئ نهر ‘ كاوتين ‘ المخضرة، وقد كانت ميوله ومشاعره بهيجة وحزينة، سارة ومؤلمة، وفي المدرسة أدرك رفاقه نبوغه المبكر وعبقريته المميزة وكانوا يتوقعون له أن يصبح يوماً ما شيئاً عظيماً في حياة تشيلي رغم انحداره من أسرة هندية بسيطة، أما والده فقد كان يؤنّبه كثيراً في تلك الفترة وأنكر عليه اتجاهه غير المفهوم نحو الأدب وكان يعارض كتابة الشعر معارضة عنيدة وغير مفهومة، لكنه واصل مهمته الشعرية لأنه كان على يقين بأن هنالك في البعيد شيء ينتظره.
الصوت الوحيد الذي سمعناه و نحن نعمل هو لحن الدمدمة الصادر عن مزارعين محترفين، و خفق أجنحة العصافير في بعض الأحيان، و طقطقة أغصان الأشجار و هي تنكسر في الغابة القريبة، و ترحيب الجيران المسافرين عبر الطريق أما الذاهبين إلى مزارعهم أو العائدين لبيوتهم. و في نهاية اليوم، كنت أجلس على جذع مقطوع في ميدان القرية و أراقب الصبيان الصغار و هم يلعبون ألعاب المصارعة. واحد منهم، يبلغ السابعة من العمر تقريبا، كأنه يبدأ العراك دائما، و لكن كانت أمه تجره بعيدا من أذنه.
"الطاعون" لم يصل الى مبتغاه...
أنا مذنب بحق، لكن الأمور لا تجري بشكل جيّد معي(...) وفي آخر المطاف، وضعت النهاية لكتاب "الطاعون" ولكن لديّ الإحساس بأن هذا الكتاب لم يصل معي الى مبتغاه، وكأنني قد أخطأت من شدة الحماسة وهذه الهفوة تبدو لي فظيعة ومتعبة. سوف أحتفظ به في درج مكتبي وكأنه شيء ما يشعرني بالقرف(...).
أريد أن أترك باريس بشكل نهائي لأعيش في الريف لأفكر وأعمل كما أستطيع. وما عدا ذلك، ليس لديّ أي رغبة في أمور أخرى. ولكن هناك قضية "بيفتيك"، ولكن أنت تعرف هذا النوع من الحالات، وأفضل أن أتحدث عن شيء آخر(...).
إنما كان قطع تمثال المعري لسبب آخر، فكري بالأساس يتعلق بالتَّشدد الدِّيني، وهو في الحالتين إن كانت فعلتها “جماعة النّصرة” الأُصولية أو فعلها النِّظام السُّوري كي يشيع الرُّعب في نفوس أهل الفِكر والثَّقافة مِن الجماعات التي تحاربه، يكون السَّبب دينيا وقمعيا ضد أهل الأفكار. مع ظننا أن الذي قطع رأس أبي العلاء، حاله حال مَن صوب كاتم الصَّوت على حسين مروة (اغتيل 1987)، ومَن أطلق الرَّصاص على فرج فودة (اغتيل 1992)، ومَن وضع السَّكين على رقبة نجيب محفوظ (ت 2006)، لم يقرأوا لهم، إنما صدرت فتوى مِن مشايخهم بهدر دماء هؤلاء.
الحياة، و التصميم على خدمة الوطن حتى آخر لحظة، ليملأ قلبي بما هو أكثر من شجاعة النساء. و ليدعمني بقوة فائضة و سرعة في حركة الأعضاء. و لا أزال أستغرب بل أرتجف كلما فكرت كيف ذرعت الحقول بخطواتي و كيف قفزت من فوق الأسوار برشاقة غزال. و مع الاقتراب من خطنا لوحت بقبعتي لجنودنا، و لأخبرهم أنه عليهم الاقتراب، فقد كانت توجد هناك قطعة عسكرية، و هي قطعة المشاة " الثورية" الأولى المسماة ماريلاند، و جسر هاي لويزيانا، و أسعدني ذلك،