في الأربعاء التالي لم يرد دافيد حينما قرعت الباب. قرعت مجددا و سمعت صوتا. كان الباب غير مقفل، فدفعته و هكذا انفتح أمامي. رأيت دافيد على السجادة، و رأسه فوق دعاسة الباب. و هو يبكي. و قد وضع كلتا يديه فوق رأسه، ليخفي نفسه. اقتربت منه و وضعت يدي على ظهره. كان أكبر مني بمرتين، و لكن كتفيه ضيقان مثل ولد صغير. و كان شعر رأسه مقصوصا بأناقة، مثل الأطفال. سألني:" هل تشعرين بشعوري؟". و وضع يديه على صدره و قال:" لقد مات". و سقطت دموعه على حضني و تابع يقول:" لقد مات، لقد مات". ثم رفع عينيه نحوي و قال و هو ينوح:" هل تفهمين؟".
حصل ريشارد بلير بعد سبعة و ثمانين عاما في الوظيفة على ترقية من صفة عميل مساعد لترويج المخدرات إلى صفة نائب عميل ( و هي الرتبة الأولى). و قد أشار ميشيل شيلدين إلى تجارة الحشيش على أنها " إحدى أسوأ الصفات الشيطانية في تاريخ نظام المستعمرات البريطانية". و كان كلما تقدم أورويل بالعمر في إيتون في هذا الجو المتميز و الذي تتوفر له الحماية، كانت تنتابه الشكوك حول إنسانية دور والده في النشاطات الإمبريالية الواسعة. و مع ذلك، و مهما كانت الأفكار التي تشكلت في ذهنه، لم يعدم الطموح و هو يغادر إيتون أن يأمل بالانضمام لهذه الوظيفة. و بلا شك إن والديه، اللذين ينظران للوظيفة المدنية في المستعمرات على أنها ذات مردود و جاه لا يمكن إنكارهما، قد ساعدا على تثبيت و فرض الفكرة الرومنسية عن طبيعة أورويل الشاب.
كيف؟
أنت الساحةُ الآن ، ولا تدري بما يَـحدُثُ في الساحةِ ؟
ما أسهلَ أنْ تغمضَ عينيكَ …
ولكنّ الرصاصَ انطلقَ ؛
الدبابةُ " ابراهيمُ " في المفترَقِ الأولِ
والرشّــاشُ لا يهدأُ …
ما كنتَ بعيداً ، حين كانت " ساحة التحرير " تلتَـمُّ على أشلائها :
الدبابةُ " ابراهيم " في المفترق الأولِ
والسمْـتيّـةُ السوداءُ ، آباشي ، على رأسكَ
وَحِيـنَ يَأْتِـي الْحُلْـمُ
لِيَنْشُرَنِـي وَيَحْمِلَنِـي
إِلَـى صَمْتِـي
تُوجَـدُ رِيـحٌ كَثِيـرَةٌ بَيْضَـاء
هِـيَّ لا تـَـدْري بالأكِـيـدِ أيّ مَـجْـنـُون ضَـوْء ضَـيَّـعَـتْ
ـ وضَاعَـتْ ـ وأضَاعَـتْ ...
( هِـيَّ لا تـَـدْري مَا أوْدَعَـتْ وَمَا دَعَـتْ وَمَا وَدَّعَـتْ ...
وَإلـَى أيِّ جُـرْح بَـحْـر ... تـَـضَاءلـَتْ ... وتـَـدَاعَـتْ ... )
هِـيَّ لا تـَـدْري ...
وأنـَا لـَـسْـتُ أدْري لِـمَ زَادَتْ فـَخـَـنـْـدقـَـتْ نـَعْـشَ وحْـدَتِـي
بـلـَوْن سُـمُـوِّ كـَآبَـتِـهَا وأقـْـبَـرَتْ بـخـُـلـُـوِّ تـَـنـَـكـُّـبـهَا مَـفـَاصِـلَ شَـجَـنِـي ...
ولـَمْ تـَـكـْـتـَـفِـي بـمَـوْتِ حَـنـَـفِـيَّـة الهَـوَاء فِـي كـَـبـدِ الصُّـنـُوج
وتنأى القصيدة عن كلاي فليس فيه شيءٍ من هذا، وهو في رياضته لا ينفي أدباً أو شعراً وليس له من السلطة على أحد، ولكن الشبيه يستدعي الشبيه، فقد قام مجد هذا الملاكم على قوته، على عضلات يديه التي يسحق بها خصمه فينال المال الوفير، وينال اعجاب الناس وتصفيقهم، وليس الناس بإعجابهم على حق من الرأي، ولقد قام «مجد» الطاغية على قوة هوجاء حمقاء لا تتجه إلاّ إلى الدمار: محاربة الفكر، إماتة الشعر، إشاعة الرعب، تجفيف منابع الحياة، والملاكم في حلبة الملاكمة يستدعي الطاغية وهو يمارس طغيانه، وكان على الرسالة أن تصل وأن يزداد وعي الناس بها.
وجسدانا ، متماثلان ، لكنهما مختلفان
والماضي الذي يئزّ في عروقنا
محمّلٌ بلغةٍ مختلفةٍ ، بمعانٍ مختلفةٍ –
مع أن أيّ سجلٍّ للعالَم الذي نقتسمه
سيُكتَب بمعنىً جديدٍ
نحن كنا عاشقينِ من جنسٍ واحدٍ
كنا امرأتَينِ من جيلٍ واحدٍ .
اليومَ
كان الكونُ مبتلاًّ
ولكنك لا تبصرُ أمواهَ السماءِ ؛
المطرُ الناعمُ في ساحتنا أنعمُ من أن تجتليهِ العينُ .
والزائرُ ؟
حقّـاً ، ترك الزائرُ لي أن أرقبَ العشبَ الذي يضحكُ للماء السماويّ
وأن أستنشقَ الأشجارَ من أغصانها العليا التي تبتلُّ ،
أن أستافَ ضوعاً طالعاً من جنّـةِ الأعماقِ حيثُ الجذرُ …
والبغتةُ :
هذا قُـزَحٌ قد علّـقَ القوسَ على باب السماء !
قـَالـَـتْ ... وأنـْـبَـرَتْ تـَـتـَّــقِــدُ ...
أ َلِـي مَـجَـالٌ عِـنـْـدَكَ ...
إنـِّـي بـي ... أ ُريـدُنِـي أتـَّـحِـدُ ...
وَصَـفـَـتْ لِـي الـرَّبـيـعَ والأيـَّـامَ بـسُـنـْـدُسِـهَـا ...
أ َأقـُـولُ بَـعْـدَهَـا أنا أصَـابَـنِـي بـي هَـيْـطـَـعٌ ... كـَـمَـدُ ...
ذلِـكَ أنـِّـي وَقـَـعْــتُ مِـنْ قـَـلـْـبـي عَـلـَى طـَاولـَـةٍ ...
وصَـيَّــفـْـتُ فِـي غَـبَـن فـَـوْضَـى خـَارجَ جَـسَـدِي ...
أ ُضْــرمُ قـَـلـْـبـي بـي ... وأنـْـصَـهـِـرُ ...
... كـَـمَـا عُــرُوق الأسَـى ... بـلا أحَـدِ ...
لا بد أنك متعب. ذلك العجوز مجنون. كيف خطر له أنه بمقدوركما النكاح هنا؟. انزلقت يدها على مؤخرة الصبي. قال همسا: إنه ليس خطأه. أضافت لورا: لقد نسي الولد المسكين ما هو السرير. و ما هي الثياب الداخلية النظيفة. من الأفضل له أن لا يرتدي شيئا. قلت: نعم. هذا مريح له أكثر. قال الصبي: أقل غرابة، و لكن أليس من المناسب أن ترتدي السراويل الداخلية البيضاء النظيفة؟. الضيقة و لكن ليس الضيقة جدا. ضحكت أنا و لورا. وبخنا الصبي بهدوء قائلا: لا تضحكا، هذا شيء جدي. كان يبدو أن عينيه ممحيتان، عينان رماديتان مثل الإسمنت تحت المطر. قبضت لورا على قضيبه بكلتا يديها و جذبته. سمعت نفسي أقول: هل أطفئ البخار؟. و لكن الصوت كان خافتا و بعيدا. قالت لورا: أين بحق اللعنة ينام مديرك؟. هز الصبي منكبيه. و قال همسا: أنت على وشك أن تضريني. بيد واحدة، أ