حل يوم السبت من عام 1984 . كنت ألعب مع شقيقي الصغير شينيشوكوو في موسم تفتح الأزهار، قرب خزان الماء في المجمع السكني الواسع في نسوكا : مدينة جامعية مغبرة و هادئة تقع في شرق نيجيريا حيث كنت أعيش. وقفت الوالدة قرب الباب الخلفي و قالت : " Bianu kene mmadu" . هيا تعالا و ألقيا التحية على الزائر. كان خادم البيت الصغير قد وصل. و كان يجلس على الكنبة في غرفة المعيشة ، وكانت ساقاه تحضنان حقيبة من البلاستيك الأسود التي وضع فيها أشياءه الشخصية.
قال شينيشوكوو : " مساء الخير " ، و قلت :" Nno " ، أهلا.
لاحقا ، و بعد أن قادت الوالدة فيدي إلى حجرته ، في إيوان الصبيان القائم خلف البيت ، أخبرتنا تقول : " جاء فيدي من القرية و هو لم يشاهد في حياته الهاتف و لا فرن الطهي بالغاز. لنتكاتف جميعا و نساعدهعلى الاستقرار باطمئنان ".
شاعر وكاتب قصصي وناقد نمساوي يكتب أعماله باللغتين الألمانية والسلوفينية و ينتمي إلى الأقلية السلوفينية التي تسكن المناطق الجنوبية من النمسا، في مقاطعة كيرتن ( Kärnten ). إلى جانب عمله هذا يمارس فابيان هافنر الترجمة، أيضا، حيث قام بترجمة الكثير من النصوص الأدبية من اللغة السلوفينية إلى الألمانية والعكس، التي نشرت في المجلة الأدبية ( الفصلية ) Manuskripte ولا زال يكتب فيها. هذه المجلة التي أخذت على عاتقها، ومنذ فترة ليس بالقصيرة، بنشر الأدب السلوفيني على أكثر صفحاتها سواء كان ما ترجم أو ما يكتب باللغة الألمانية وكانت واحدة من الأعمال المترجمة التي قدمها فابيان إلى هذه المجلة هو ديوان " حقيبة يوركشاير " للشاعرة السلوفينية ماروشا كريسا .
ولد فابيان هافنر ( Fabjan Hafner ) عام 1966. درس اللغة
محنية الهامة
محياها خفي بغرة شعرها
وعند مرور هذا المساء الأعزل
ستمنحني نهديها
بكامل فتنتها.
لا وقت للشعر
يقول الرجل
وبينما يزيح شعوري
شارل بودلير
لأني تنفست شذى نهدك الساخن
أغمض جفوني ليلة الخريف الساخن
فأرى شطأن فتون خجولة
تشع في الشمس بلا شفقة
جزيرة فيها الطبيعة تكثر
ثماراً عسلية على أشجار غريبة
كانت هناك حديقة عامة في سفح الهضبة. الآن بما أن أوراق الأشجار على الأرض ، كان بمقدور مارتي أن ترى من نافذة المطبخ مركز اللياقة البدنية و جزءا من ملعب التنس ، و ذلك من خلال شبكة الأغصان السوداء. أخذت كعكة أخرى من العلبة الموجودة فوق الطاولة و التهمتها ببطء ، و هي تراقب الناس الذين كانوا في مركز اللياقة البدنية : رجلان و امرأة. كنت المرأة تتدرب على رشاقة الساقين. و الرجلان كانا يقفان بالجوار و حسب. و مع أن طقس اليوم بارد كان واحد من الرجلين قد تخلى عن قميصه ، و حتى من هذه المسافة شعرت مارتي بالصدمة من لون جلده الداكن الأسمر القاتم. نادرا أنت ترى بشرة مسمرة بهذا الشكل بين أفراد المجتمع ها هنا ، و لا حتى في الصيف. لا شك أنه قادم من بقعة أخرى من العالم.ذهبت إلى غرفة النوم و ارتدت بذة دافئة و زوج أحذية أديداس قديم. كانت الأطراف بالية أما حذاؤها الآخر الجديد فقد كان أبيض و يترك لديك انطباعا بضخامة قدميها.
زوجتي سعيدة. غالباً ما استخدم خيالي في السرير. نمارس الحبّ والنور مضاء. أحدّق فيها، وهي تحدّق فيّ كذلك. في الصباح، تشرق عيناها. يمكنني أن أراهما متلألئتين من وراء نظارتها.
نعيش في مدينة بلا نهر، هنا
الحدود فقط من الريح
أو زخّات المطر. هذا ما
يخيف أخواتي ليلا،لكن
لا يمكن البكاء في بيتنا، ربّما
لكان يساعدهنّ، ربّما لكان
يوديبعقولهنّ. إنه الجليد
بعد مراسم الدفن، جمعت المرأة أبناءها الخمسة حولها، كما لو أنها تحاول و إياهم عمل المستحيل لإعادة استحضار زوجها جواوو فلورو الذي أغتيل أول أمس.
بيد أن هذه المواساة الحزينة لم تقو سوى يقينها بأنها أصبحت و بمعية أبنائها الخمسة بلا أب.
و أجهشت باكية.
و من الخارج أتى نداء:
ـ هل من أحد هنا؟..
ردت باكية:
قاد باص الفجر ، في يوم الثلاثاء الماضي من هذا الشهر و كانت مصابيحه الأمامية لا تزال مضيئة ، الآنسة ريحانة إلى أبواب القنصلية البريطانية . و وصل مع زوبعة من الغبار الذي حجب جمالها عن عيون الغرباء ، إلى أن هبطت. كان الباص مزينا بأرابيسك من ألوان زاهية متعددة ، و كان مكتوبا على مقدمته عبارة ( تقدم أيها العزيز ) بحروف خضراء و ذهبية ؛ ثم على المؤخرة وردت عبارة ( تاتا – باتا ) و ( حسنا أيتها الحياة الطيبة ).
أخبرت الآنسة ريحانة السائق أن الباص بحالة حسنة ، لذلك قفز إلى الأرض و فتح الباب لها بيده ، مع انحناءة مسرحية حينما شرعت بالهبوط.
كانت عينا الآنسة ريحانة كبيرتين و سوداوين و براقتين بما فيه الكفاية لتستغني عن مساعدة