ويوضح أن أصحاب هذا الفكر لا يعترفون بالحدود بين الدول الإسلامية، إذ يعتبرون أن العالم كله دولة واحدة تقام في ظل أممية إسلامية بحسب زعمهم تعيد مجد الأمة وريادتها وتساعد المسلمين في الذود عن دينهم ونشره، وهو الأمر المخالف للواقع الآن، لذا يستبيح المتشددون حدود الدول وأراضيها في مسعى منهم لإقامة إمارات إسلامية بحسب تصورهم.
ثم حاول مصباح أن يتحدث عن موجة ثالثة تحت مسمى الموجة التنويرية العربية الثالثة ما بعد الكولونيالية زمنياً ووريثة الحقبة الكولونيالية واقعاً، وهي ذات مسحة خلاسية بينة، بعضها ليبرالي جديد تخلى عن كل ما سبق من شعارات ورفع راية الديموقراطية وبلغة الراهن «الإصلاح السياسي»، مستعيداً عناصر عديدة من كتابات الليبراليين التقليديين، أمثال الطهطاوي وخير الدين التونسي والكواكبي، متصلةً بذلك مع التنوير المعتدل الليبرالي الأوروبي،
تحت الحصار الخانق لم يعد لوئام من إطلالة إلا صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي، "فايسبوك"، حين كانت تستطيع الولوج إليها بشكل متقطع لتكتب يومياتها، "يوميات حمص المحتلة" كما كانت تسمّيها، قبل أن تسمّيها "الذبيحة" في شباط 2012، ثم "المحاصرة" بدءاً من منتصف تموز 2012. إذ كانت وئام حريصة على تأريخ كل ما تنشره على صفحتها، ليس باليوم فقط، وإنما بالساعة والدقيقة أيضاً.
ثمة من يعتقد ان الرسالة من لبنان الذي كان دوما الساحة المفضلة لدى النظام من اجل توجيه الرسائل عبره الى الغرب قد ادت هدفها لجهة الاقتراع له بكثافة ظاهرية مدروسة ومبرمجة بدليل تعطيل الحركة في العاصمة اللبنانية، على نحو يجب ان يختصر الانتخابات في مناطق سيطرته. وهذه الرسالة هي الاهم باعتبار ان النظام السوري يستفيد من وجود وسائل الاعلام ومن التواصل الذي لن يسمح بحصوله في مناطق سيطرته بل سيكون تحت اشرافه المتشدد
الى الآن، فإن جدارة العائلة المالكة بالحكم تهبط بشكل مريع، بسبب الفشل في الإدارة والفساد والإثرة. فإذا ما أُضيف لذلك الصراع على السلطة، فإن النظام نفسه سيكون مهدداً بالتمزّق والنهاية. حينها لن تكون هناك: مملكة سعودية، بل ستعود الحدود الى ما كانت عليه عشية القرن العشرين الميلادي، إمارات مستقلة ترفض الهيمنة النجدية، والحكم الملكي، والأيديولوجيا الوهابية العنفية المتطرّفة.
وما هو طريف أن صحائف الأدب الروسي المبكرة تكشف عن معلومة رائعة تقول؛ بأن الشاعر ألكسندر بوشكين، المنفتح على آداب وثقافة الشعوب،اقتبس موالاً عربياً من (مجموعة أشعار شرقية وفرنسية)جمعها، باللغة الفرنسية الكاتب المصري يوسف العجوب***(1795-1832)، مُعاصر بوشكين، وطُبعتْ في باريس عام (1835)، وضمّنه قصيدته (تقليد أغنية عربية) التي نُظمت كاملة من مبنى ومعنى هذا الموال العربي القُح:
كرر بوتين، رئيس روسيا الحالي مرات كثيرة أنه يبني موقفه من الصراع الدائر في سوريا على عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، وعدم جواز تقرير مصيرها بأيد أجنبية. وبرر بوتين استخدام بلاده حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن، الخاصة بالقضية السورية، بذريعة رأت فيها مقدمات للتدخل الدولي في سوريا، التي يجب أن تسوي مشكلتها بالحوار بين مواطنيها، دون أي ضغوط خارجية من أي نوع كانت.
سيقول كثيرون إن النظام هو الذي أسقط حمص. لا شك في أن النظام استقتل كي يسقطها، لكنها ظلت عصية على السقوط حتى أصابه اليأس منها وأيقن أنها هي التي ستسقطه، فلا عجب أن اعتبرها مصدر الخطر الرئيس - ولفترة من الزمن - الوحيد عليه، وأن يحاصرها قبل غيرها، ويخصها بالقسم الأكبر من عنفه ووحشيته، وأن يلقي عليها عشرات آلاف الأطنان من أشد ذخائره فتكا، ويفرغها من سكانها ويدمر مقومات وجودها، ويمحوها عن وجه الأرض.
أمّا الإيحاء الضمنيّ هنا، فإنّ طرفاً ما غامضاً كان يمنع حصول انتخاباتٍ طوال حقبة مديدة. بيد أنّ الأسد قرّر أخيراً أن يتمرّد على هذا الطرف الغامض الذي ربّما كان الشعب نفسه وربّما كانته الإمبرياليّة أو الصهيونيّة. لكنّ الذاكرة غير المعروفة بقوّتها تقول إنّ حزب البعث حكم سوريّة منذ 1963، وإنّ حافظ الأسد هو الذي حكمها شخصيّاً منذ 1970 ليورّث الحكم بعد ثلاثين عاماً لنجله الرئيس الحاليّ.
لا يعرف إلا القليل من الناس عن الخوف السوري هذا. كان كثير من السوريين يخافون فكرة الموت، التي هي في الأصل خوفٌ من السلطة. لا أحد يعلم حقيقة هذا الواقع. أبشع خوف هو الذي تحسه في وطنك، الخوف من الموظف، الخوف من أستاذ المدرسة، الخوف من الأستاذ الجامعي، كله محصلة خوف منهجي تأسس بذكاء وتعقيدات لا تنتهي، لتتوج الشخصية المرعوبة وتنهيها سلفا فتصبح معدة لتغيير كلمة السر، ويكون الاختراق أبديا.