يا مهجةً جثم الحمام عليها
وجنى لها ثمر الردى بيديها
رويت من دمها الثرى ولطالما
روى الهوى شفتي من شفتيها
حكمت سيفي في مجال خناقها
ومدامعي تجري على خديها
فوحق نعليها وما وطئ الحصى
شيء أعز علي من نعليها
ما كان قتليها لأني لم أكن
أخشى إذا سقط الغبار عليها
وفي حين كان يصعب، في «الاستشراق» و«تغطية الإسلام»، أن نميّز موقف سعيد من موقف الفكر القومي الصريح، حيث سرديات الإثم الأوربي والبراءة غير الأوربية، فإن ذلك قد تغيّر بصورة دراماتيكية بدءًا من العام 1984 تقريبًا، ليغدو رفضًا متزايد الحدة للقومية، والحدود القومية، والأمم ذاتها، على نحو يبلغ حد التطرف في بعض الأحيان ويدعو إلى الاحتراس شأن الموقف المتطرف السابق. ومن مبالغات سعيد في هذا الشأن جزمه الذي كاد أن يكون مطلقًا بأن العمل الموثوق الوحيد الذي يمكن إنجازه في أيامنا هو عمل يجب أن يكون من أصل عالم ثالثي متضافر مع موقع في المتروبول الغربي. وهذا واحد من أسباب تلك الأهمية التي يحظى بها المنفيون والمهاجرون لدى سعيد، ربما في إساءة بعض الشيء للمثقفين الذين يعيشون ويعملون في بلدانهم.
يرى أبو زيد أن الخطاب التنويري ظل يدور مع نقيضه السلفي داخل دائرة السجال الأيدلوجي، ولم يتجاوز ذلك إلى تأسيس أفق معرفي جديد، لذلك لم يكن غريبًا أن تكثر حالات الارتداد، فيتحول البعض إلى السلفية مع تقدم السن وميلاد تيارات أكثر جذرية. وبسبب الطبيعة السجالية الأيدلوجية للعلاقة بين التنويريين والسلفيين لم يستطع التنويريون أن ينقطعوا عن السلفيين بإنتاج وعي علمي تاريخي بالنصوص الدينية ذاتها، وظلت الرؤية اللاتاريخية للنصوص الدينية هي الرؤية المسيطرة عند كلا الفريقين على السواء. فإذا كان الفكر الديني يجعل الله قائل النصوص هو محور اهتمامه ونقطة انطلاقه فإننا نجعل المتلقي الإنسان بكل ما يحيط به من واقع اجتماعي تاريخي هو نقطة البدء والمعاد.
أما في التاريخ الحديث والمعاصر, فقد تم ربط علم العمارة بالتطور الفكري والاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته بعض مناطق العالم, خاصة أوربا منذ القرن التاسع عشر, فالعمارة الأوربية الحديثة هي وليدة عصر النهضة, الذي كان بدوره وليد إحياء العقل الإغريقي بصورة عقلانية وإبداعية. وجاءت ولادة العمارة العصرية كمنطلق لإحياء العقلانية الإغريقية, ونبذ كل أشكال اللاعقلانية. في حين لم يتمكن الفكر العربي في عصر النهضة من تجاوز جماليات القرون الوسطى التقليدية, تجاوزًا يؤهله لمواجهة متطلبات المعاصرة, بقدر ما تمكنت منه أوربا تدريجيًا, وخلال القرون الخمسة الماضية.
3 - الجرح الفلسطيني الذي نزف - ولايزال ينزف - والذي خلق مرارة في الذاكرة الجمعية، كان زمنها المعيش يمعن في استنفارها وينكأ جراحها، فتختلط الأزمنة التاريخية في الوعي، وتندمج صورة الصليبية مع صورة الاستعمار، وتزدهر عقلية «المؤامرة» في جو من العجز والإحباط الذي لم يعد يتقبّل فكرة الحريات السياسية والمدنية، ولا أفكار الانفتاح، وضرورة الاقتباس التي سادت في أجواء «المرحلة الدستورية» في عشرينيات القرن العشرين.
ولم تغب حدّة الهجوم على عبدالناصر، سواء من سعد زغلول ومصطفى النحاس، الحضور الفاعل للكاتب المخرج الذي يغير زوايا المرايا، وينطلق من وراء الأقنعة. وبالرغم من المخادعة التي تبدأ بإعراب رمسيس الثاني عن عظيم حبه وإعجابه النابع من شعور العظمة الذي يشع من الحاكم القوي - على الوطن كله. فإن هذه المخادعة سرعان ما تنتهي على لسان مينا الذي يبدو كما لو كان يمهد الطريق - مع تحتمس وأمنحتب - لكي ينطلق النقد الجذري لكل من سعد زغلول ومصطفى النحاس.
أما السادات فإن أهم ما يلفت الانتباه في الحساب الذي يقدمه عن ربحه وخسارته، هو انحراف المعارضة، وهبوب التيار الديني الذي أصاب البلاد بالعنف، الأمر الذي اضطره إلى الحزم الذي أدى إلى تحالف الجميع ضده، واغتياله بواسطة فتيان من التيار الديني.
من الواضح هنا ان أدونيس يخلط بين الأدب واللغة، وهذه هي المغالطة الأساسية التي وقع فيها. فقد اعتبر أدونيس أن (الكلام) هو مجموع القصائد الشعرية العربية الكلاسيكية وأن (اللسان) هو اللغة العربية، حتى يستطيع أن يصل إلى نتيجة باطلة هي أن كل ما يكتب باللغة العربية هو بالضرورة تراثي حتى حين يكون (ضديا) ـ على حد تعبيره ـ بل يؤكد ضرورة كونه (ضديا) ووجوب انقطاعه عن التراث. والحق أن القياس ليس ما ذكره أدونيس. فإذا كان (الكلام) ـ شعريا ـ هو مجموع ما أبدع من قصائد، فإن (اللسان) هو الشعر من حيث هو نظام تستنتج مبادئه من التجليات الشعرية الموجودة ويتخطاها بتحويل هذه المبادئ إلى اطار يضم الشعر، فتصبح هذه المبادىء للشعر كما هو علم النحو للغة من حيث هو موجه وقياس.
كما أن شعر درويش لم يستثمر رمز عوليس ولم يشر له إلا على نحو عابر، لأن درويش يومها كان يعيش في وطنه ولا يحتاج إلى أن يكون مثل تليماك، فاستثمر ما يعرف بموتيف الجزيرة أو الصراع بين المرغوب فيه والملعون، حيث يتولّد في حياة قاطني الجزيرة (وقد كان الفلسطينيون يومها يعيشون في دولة تعزلهم عن عالمهم وعن أنفسهم) صراع بين الداخل والخارج، ففي حين تبدو الحياة على الجزيرة راكدة ويصاب الزمن فيها بالضمور، تبدو الحياة خارجها متحركة ومنسابة. أما نظرة قاطني الجزيرة إلى جزيرتهم فتتباين وفقًا لحالتهم النفسية، فقد تبدو الجزيرة جنة الله على الأرض، وقد تبدو سجنًا عليهم الفرار منه. وقد تشكلت صورة القمر في شعر درويش في ضوء هذه المعطيات وكانت تختلف باختلاف موقفه من البقاء أو الرحيل. يتوقف درويش في «يوميات الحزن العادي» عند القمر في إطار لحظة الخروج التي تنفي الطفولة عبر تدمير المكان الذي شهد تجلياتها الأولى:
وهذا يفسر السبب في أن ابن خلدون لم يكن شكاكًا فحسب، بل كان باحثًا مدققًا، وناقدًا محققًا، ولكنه بدلاً من أن يستخدم شكه المنطقي في علم الفقه وعلم الكلام - كما فعل الأصوليون قبله - استعان به في إثبات موضوع علمه الاجتماعي الجديد، وهو علم الاجتماع الإنساني والعمراني البشري، وبيان مسائله، وما يعرض فيه من العوارض الذاتية، أي الظواهر الاجتماعية، وتبدّل الأحوال في الأمم والأجيال، وما لذلك كله من العلل والأسباب، وكذلك نجده، بدلاً من استخدامه شكه النقدي في تمحيص الحديث، استعان به في تمحيص الروايات والأخبار، التي تكون مادة علم التاريخ،
وفي خلاصة، قد يكون اكتشاف الجينوم - أو هو فعلا نظراً إلى ما توالى بعده من كشوفات علمية نوعية - كشفاً جديداً أو تحريراً جديداً للمساحة المشتركة بين حقول معرفية تطبيقية، وأخرى نظرية تحتل الفلسفة موقع الصدارة منها، لأن الأسئلة التي يطرحها هذا الإنجاز تعيد إلى جو أو حال من النشاط الفلسفي، كما تثيرنا من ناحية ثانية لتعيدنا إلى طريق الحوار والسجال واستثمار الاختلاف التعدد في النظر العلمي.