نسرد هذه الوقائع التي تبيّن جوانب من المكارثية الدينية العربية في زمن الشغف بالقراءة، وربما الادعاء المعرفي، لنصل إلى أمر مفاده، أنه لم يعد في مقدور الرقابة خلال السنوات القليلة الماضية، فعل شيء في مواجهة نشر المقالات والدراسات والكتب الجريئة التي تهتم بالنص الديني الإسلامي. لقد هدم الانترنت جدران الرقابة ومافياتها الدينية والسلطوية والأمنية.
العائلة الصحراوية
وتعرضت الدراسة إلى البناء العائلي (التقليدي) في شمال سيناء الذي يقوم على الزواج الداخلي التعددي، وكلا العنصرين هما وظيفة من وظائف مبدأ (العصبية) الذي يرتكز عليه أيضًا البناء السياسي القبلي، فالأهالي يفضلون الزواج الداخلي ويرحبون بذلك لعدة أسباب اقتصادية (تتعلق بالرغبة في المحافظة على الثروة بمختلف أشكالها) وسياسية (تتعلق بالتماسك الاجتماعي والسياسي إزاء الجماعات القرابية والقبلية الأخرى). ويفضل الزواج من أبناء العمومة من الدرجة الأولى، ولا يعني ذلك إجبار الفتاة على شخص معين بالذات؛ إذ للفتاة الحق في الاختيار بين أبناء عمومتها إذا كان هناك أكثر من ابن عم واحد.
والسؤال هنا: لو أن المشكلة اقتصرت على هذه الصورة، لما كانت هناك مشكلة على الإطلاق. فكيف يمكن إقناعنا بأن "سيدة" تعيش في كنف زوج ناجح يتيح لها حياة طالما تمنتها، ولا يكشف لنا الفنان عيباً أو نقصاً واحداً يمكن أن نأخذه على الزوج، ويمكن بدوره أن يمهد لهذه العلاقة مع الرجل الآخر. ثم لا نكتشف في الرجل الآخر ما يميزه عن سائر الرجال، اللهم كونه نجماً لامعاً؟ على أن هذا لا يمنطق الأحداث إذا علمنا أن ما ينقص المرأة ليس هو الشهوة. ورغم هذا كله فإن توفيق الحكيم في "الرباط المقدس" شيء ممكن الحدوث، فلو تجاوز "خارج الظاهرة" إلى "داخلها"، أي لو أنه تعمق في الأزمة من باطنها، لتكشفت له المسببات الحقيقية لها، ولاستطعنا أن نقتنع بها وجدانياً، دون الحاجة إلى عرض قطاع مسطح لإحدى زواياها كما فعل الحكيم.
وزاد على ذلك، بأن حدد أبوزيد المسئوليات الملقاة على الباحث، وهي مسئولية تمتد إلى إعداده العلمي منذ البداية، مرورا بتمسكه بالقواعد المنهجية، وإفادته من التدرب على مهارات التحقيق والاستقصاء والحوار مع المبحوث، مؤكدا ضرورة الإنصات له، والتخلي عن التعالي الزائف، والإحجام عن التأويل المتعجل، والحرص على الإحاطة الشاملة بجوانب السياق الاجتماعي العام، وأخذه في الاعتبار طيلة الوقت أثناء جمعه للمعلومات الإثنوغرافية الجزئية والتفصيلية، بالإضافة إلى ضرورة احترامه لثقافة وقيم المجتمع محل الدراسة، وإقامة علاقات طيبة مع أعضاء هذا المجتمع، والالتزام بسرية معلومات خاصة بالمبحوث ليست للنشر.
هذا البرنامج على بساطته يزود الباحث في البلاغة والأسلوبية والنقد النصي بمؤشرات هامة، لأن الظاهرة الأدبية لن تكون أشدّ تعقيداً ولا خصوبة ولا خصوصية من العالم الداخلي للنفس الإنسانية التي تبدعها وتتلقاها. ومراعاة هذه المبادئ كفيل بتنظيم العمل البحثي وتأسيسه على هيكل متنام ومتطور، يعترف بالانطباع ويقوم بتحييده، ويعتمد على سلامة الفروض النظرية وصحة الإجراءات التجريبية، ويحاول ترجمة الخواص الكيفية لأرقام كمية باستخدام الإحصاءات والاختبارات الميدانية، ومراعاة الاقتصاد في الجهد بإبعاد التفسيرات الأيديولوجية المتعسفة، ثم الاعتراف المتواضع في نهاية الأمر بالطابع الموقوت للنتائج التي يصل إليها البحث، والبناء المتراكم على عمل الآخرين.
وقد أحدث كتاب إدوارد سعيد عن «الاستشراق» هزة هائلة فور صدوره سنة 1978، كما سبق أن قلت، وظلت هذه الهزة متواصلة في اتساع أصداء الكتاب وتراكم آثاره التي أسهمت - مع أشباهها - بشكل مباشر وغير مباشر، في تحويل مجرى دراسات الشرق، وذلك ابتداء من وضع الوعي الذي انطوت عليه أجيال الدارسين الغربيين الأحدث موضع المساءلة، وفي مواجهة التقاليد الاستشراقية التي ورثوها وظلوا - بمعنى من المعاني - متأثرين بها، ماضين في خطاها، على الأقل على مستوى اللاوعي، فرأت عقول هذه الأجيال سلبيات الصورة التي ورثتها،
عموما توجد في حياة وليد إخلاصي الفنية مرحلتان يغلب عليهما التداخل. و هما المرحلة الواقعية. و فيها الأمكنة طبيعية و مخصصة للسكنى، و لكنها تحمل علامات العذاب و القهر الفردي و كل خصائص البؤس المعنوي التي تميز سكان العالم الثالث، و بالأخص إذا كان الموضوع وطنيا. في هذه الحالة دائما أنت تتوقع صورة الدماء المهدورة في سبيل الاستقلال، أو التذمر والقلق من القيود، و الرقابة التي يفرضها الاستعمار التقليدي، حتى الجبال الشامخة ( و أشير هنا لرواية السيرة الحلبية ) تبدو مجللة بالخزي و العار.
إن دراسة تطور الحضارات بدقة هي التي نبصر بها وحدها ثبات مزاج العروق النفسي، والذي يظهر أول وهلةٍ هو أن القاعدة العامة في التغير لا في الثبات، والحقّ أن تاريخ الأمم يحفز إلى افتراض أن روح هذه الأمم تخضع أحياناً لتحولات سريعة جداً وعميقة إلى الغاية، أفلا يلوح في ذلك التاريخ فرقٌ عظيم بين أخلاق الإنكليزي أيام كرومويل وأخلاقه في الوقت الحاضر؟ ألا يبدو الإيطالي المعاصر الحذر الفطن مختلفاً أشدّ الاختلاف عن الإيطالي المندفع المفترس الذي يدلنا عليه بنفنوتوسليني في مذكراته؟ وإذا لم نذهب بعيداً واقتصرنا على فرنسا جاز لنا القول: ما أكثر ما اعتور الأخلاق فيها من تغيرات ظاهرة في بعض القرون، بل في سنين، وأيّ المؤرخين لم يُسجّل ما في أخلاقها القومية من فروق بين القرن السابع عشر والثامن عشر؟ ألا يُخيّل إلى الناظر وجود عالم بين أخلاق رجال العهد الغلاظ وأخلاق عبيد نابليون الودعاء؟ هؤلاء هم أولئك، وقد بدا تغيّرهم تغيراً تاماً في بضع سنين.
ومهما كانت درجة الثقة أو عدم الثقة التي تحصل عليها المرأة ، فانها تنعكس على عائلتها الأبوية . وهذه المسؤولية المستمرة ، تكون مؤثرة اذا أصبحت المرأة مذنبة بأرتكابها حماقة جنسية ، أو عندما يثير سلوكها الشك الكافي بأنها تتعرض للإغواء من قبل الآخرين للقيام بعمل ممنوع وفقاً للعرف والتقاليد . وان الرادع القوي المبتكر وفقاً للأخلاق والثقافة العربية تجاه الجنس المحظور (والذي يعني ممارسة العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة غير المتزوجين) ، يتمثل في شرف العائلة المتعلق بالسلوك الجنسي لبناتها المتزوجات وغير المتزوجات . وعندما تصبح البنت مذنبة بارتكابها أقل نوع من الطيش الجنسي (والذي يعرف بتعابير مختلفة في أماكن مختلفة) ، يتعرض شرف والدها وأخواتها الى الانتقاص والإهانة أيضاً . ولا يمكن استعادة شرف العائلة بمعاقبة المرأة المذنبة ، وفي الدوائر المحافظة ، فأن هذا العقاب يعني قتلها .
فهذا الناسك الفقير كان يرتزق من عون رجل تاجر يمدُّه بما يسُدُّ حاجته ويفرج ضيقه وعوزه.
ثمّ يتحوّل هذا الناسك إلى غنيّ مالك للخيرات وسيد كريم له العبيد والرياش والمتاع وغيرها من الخيرات، لكن هذا التحوّل من الفقر إلى الغنى ما هو سوى حال ظرفي محقّق في المخيال الفردي، أي مجرّد حلم يقيم أفعالا وينسج أمنيات كبيرة تقع في الخيال .
التاجر: الشخصية الثالثة التي تسهم في البناء القصصي باعتبارها عنصرا لا يقلّ أهمية عن العناصر الأخرى ، فمساعدته للناسك وتزويده بما يرفع عنه العوز الحاجة تجعل اللعبة السردية تنطلق منه باسناد الفعل يجري أي يأتي( يجري عليه من بيت رجل من التجار، رزقٌ من السمن والعسل والسَّويق ) ، وهو بهذا الفعل يعدُّ شخصية كريمة معطاءة تعين المحتاج وترفع عنه الفاقة .