اللغة رداء الفكر، بها يعبّرالإنسان عما يحتاج إليه، وبما يجول بعقله وقلبه ، وهي وسيلة تفاهم بين الأفراد والمجتمعات والشعوب والدول، واللغة ضرورة اجتماعية إنسانية حضارية، تقتضيها الحاجة الملحة إليها، وتنفرد اللغة العربية بميزة لاتتوفرفي كثيرمن لغات الأمم الأخرى، هي أنها لغة الوحي والقرآن والوعاء الذي يحفظ ثقافة العرب وإبداعهم وقيمهم من جيل إلى جيل، فهي جسرالتواصل بين الأجداد والأبناء والأحفاد بين ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، وهي أيضاً سجل تأريخهم، تعبّرعـن شخصية العرب،وتعد اليوم أهم رابط يجتمع عليه شتاتهم. ولايمكن عـزل اللغة عن واقع أبنائها لأنها مرآة تعكس حياتهم ومستوى تقدمهم أوتخلفهم ، إذا ارتقت الأمة ارتقت لغتها، وإذاانحدرت، انحدرت لغتها، وقد مرّت اللغة العربية كأمتها بأطوارثلاثة عـبرتأريخها الطويل: طورالنهوض والازدهار وطورالرقود والانحدار
من الفراغ يبدأ المرء أو من الحطام الذي يتركه الإنسان أثناء أفوله، يبدأ فيه فعل ما يتأمل معنى هذا الأفول ويستثمر الفسحة التي يتركها له الفراغ لكي يستأنف مجددا حركته نحو ذاته ونحو المجال الذي انبثق منه. لكنه لا يعلم بالضبط من الذي يبدأ فيه فعل التأمل لاسيما وأنه يشعر في داخله بالفزع ويحس بالفراغ بعد طول النظر ومراكمة العمل، فكيف لأنا لا يمتلك إنيته أن يتأمل الفراغ سواء كان في داخله أو في المحيط الخارجي المحيط به؟ كيف له أن يزعم امتلاكه لذاته أثناء تأمله وركضه نحو ذاته؟ و كيف وهذا الفعل الذي ينفلت منه يند عنه ليس فقط قبل أن يبدأ الكتابة وإنما حتى أثناء فعل الكتابة نفسه؟لا يعلم هذا الآدمي الوجهة التي عليه أن يقصدها ولا الموضوع الذي ينبغي أن يتأمله طالما أنه يسبح في
عاد جنون التكفير ليحاول التعويض عن الأزمات العميقة التي ينتجها نظام الاستبداد في الخرطوم , عندما تعود الأمور من جديد لتحاول من تسمي نفسها الرابطة الشرعية للعلماء السودانيين تنصيب نفسها حاكما أعلى على ضمير السودانيين و تحاول أن تؤكد على حقها الحصري في رسم خطوط التفكير المسموح و غير المسموح , يطرح من جديد السؤال : من يحق له تكفير أي نزعة نحو الحرية و العدالة الإنسانيتين ؟ و إذا كان التكفير فعل فقهي بحت فمن هو الذي يجرؤ , و بأي درجة من الوقاحة , على محاولة استئصال حق الإنسان في التفكير و النقد الحر , و حلم البشر بعالم أفضل , بالانعتاق من القمع و القهر و الاستغلال .من المؤكد تاريخيا بالفعل أن التكفير بدأ ( كما هو الحال اليوم ) سياسيا , و ارتبط أساسا بتأسيس السلطة المطلقة في الدولة الإسلامية الناشئة , أولا ضد القبائل التي رفضت أداء الزكاة لأول خليفة معلنة
كان المعري عقلانيا لا شك في ذلك , لكنه كان عقلانيا وجوديا إن صح الكلام , كان العقل عنده مقدم بلا شك على النقل أو النص المقدس فيما يتعلق بفهم الوجود الإنساني , لكن ليس للدرجة التي تغري المعري بالتفاؤل , فالعقل ليس أكثر من الوسيلة الوحيدة القادرة على اكتشاف حقيقة الواقع العبثية و لا جدوى الوجود الإنساني , إنه يقي من الوقوع في فخ الأديان التي إنما اخترعت لتجلب الدنيا للرؤساء , لكنه عاجز في ذاته عن تجاوز حقيقة الوجود الإنساني العبثية , فالحياة , المصير الإنساني , عبارة عن طريق مسدود , و في أحسن الأحوال خاضعة للامعقول الحظ العشوائي أو القدر الأعمى و دائما للألم و المرارة و في النهاية لعبثية الموت و العدم , و من الجنون السماح لها بانتزاعنا من موقف المتفرج , من موقف غير العابئ , و المستهتر بكل عظيم فيها , حيث
عندما أخذت الحركة المسيحية الناشئة تنتشر بين صفوف اليهود، سواء داخل فلسطين أم في المغتربات اليهودية بآسيا الصغرى ومصر واليونان وإيطاليا، لم يعمد الفكر اليهوديّ إلى مواجهتها بالجدل اللاهوتيّ والفلسفيّ، وإنّما بإطلاق الشائعات التي تتّهم السيّدة مريم بالزّنى وتصف ابنها بأنّه ساحر مشعوذ. فمنذ القرن الثاني الميلادي عرض لنا الكائن سيلسوس الخصم اللدود للمسيحية في كتابه " الكلمة الصادقة " وجهة النظر اليهودية عن يسوع وأمّه مريم، والتي تلخّصها هذه الفقرة من الكتاب، أوردها الكاتب المسيحيّ أوريجين في مؤلّفه ضدّ سيلسوس :" كان يسوع ابناً لامرأة غزَّالة فقيرة تدعى مريم، وهي زوجة لرجل يعمل في مهنة النجارة. ولكنها لم تنجب بكرها يسوع منه وإنما من جنديّ رومانيّ فارّ من الخدمة يدعى بانتر.
أكثر الدماء التي أراقها نصل الذكورة سالت تحت فتنة النساء والأسوار على اعتبارهما مُظهران لهذه الذكورة، وداعمان للعرين في تصاعد الفحل ارتقاءً للوصول إلى الإله الرعوي الأوحد الذي لا يستقيم مجده إلا بإركاع من عداه. ولعل (هوميروس) هو أول من زاوج بين النساء والأسوار في ملحمته الشهيرة (الإلياذة) حيث امتزجت أسوار طروادة بوجه (هيلين) التي اختبأت مع حبيبها (باريس) خلفها، مما أدى إلى حروب طاحنة أريق فيها الكثير من الدماء.
وللأسوار طبيعة مخاتلة تتراوح بين الاختباء والتحصّن وبين الزهو والمفاخرة، وتكون مادية أو معنوية، وهي عميقة بمدلولاتها وغائرة في أوهام البشر، لذا من الطبيعي أن يحمل أكثر من عمل روائي اسمها، ولأن الأعمال كثيرة سأكتفي فقط بعملين،
يعتبر مفهوم "الحداثة" عند الأستاذ عبد الله العروي من ألغز الأسئلة، فهو من جهة سؤال يستوعب كُلَّ كُتُب سلسلة المفاهيم بحيث يقول العروي:"إن ما كتب إلى الآن يمثل فصولا من مؤلف واحد حول مفهوم الحداثة " [1] ويضيف "إن كل ما كتبه يندرج تحت مفهوم مهيمن على الكل هو بالطبع مفهوم الحداثة" [2] وهو ما يبين أن مفهوم "الحداثة" يستغرق كل مؤلفات العروي بأكملها، بل إنه يصرح أن "منطق الحداثة" هو الذي دفعه إلى الشروع في كتابة سلسلة المفاهيم [3] إلا أن "الحداثة"- في نظر عبد الله العروي- واقع تاريخي ومبادئ تتشكل فيما بينها لتنتج مفهوم الحداثة.
أما من حيث هي واقع تاريخي، فيلخصها العروي- مع المؤرخين- في عدة مياسم يذكرها كالتالي:
منذ البواكير الأولى لإنبجاس القول الفلسفي مع الإغريق أو الهنود أو الحكماء العرب بدت فكرة السببية متعلقة بالطموح الكبير الذي تبديه همة الفكر نحو جعل المسائل الكلية: الأصل والتكوين وصيرورة الكائن أمورا معقولة ومدركة من طرف الإنسان. وظهر البحث العقلي عن الأسباب الأصلية والتطلع المعرفي نحو العلل النهائية أمرا متأصلا في الطبيعة البشرية ومنغرسا في الروح التائقة نحو المطلق.
بيد أن الإنسان لم يدرك مباشرة عن طريق الحواس والذهن سوى جزء بسيط من الواقع، وبالتالي كان البحث بواسطة الأسباب منذ البدء وسيلة محبذة لتجاوز هذه المحدودية وبلورة إستراتيجية معرفية وتقنية تقدر على سبر الكون في مجموعه. هذا التوجه لم يكن عن طريق إبداع الأساطير الكونية والحكايات الكبرى التي تظهر القدرات الخارقة للبشر ونماذج
لم يعد اليسار , أو الشيوعية , تثير رعب السادة كما كان الأمر منذ عقود . مضت الأيام التي كان إعلام الطغاة يصورون فيه اليسار على أنه وحش كاسر , لسبب ما تم تدجين هذا اليسار لدرجة أنه أصبح أشبه بحيوان عاجز , مجرد خيال مآتة لما كان عليه منذ عقود , بل و ربما مجرد كائن مصاب بمرض شديد , لا يشكل اليسار اليوم حاملا لهموم الناس العاديين , الذين عادوا من جديد إلى بخور و تمائم رجال الدين بحثا عن عزاء و معنى مزيف لمأساتهم , اليسار اليوم مجرد تجمع نخبوي يجتر و يردد ما تعده المطابخ الفكرية للطبقات السائدة , المحلية تارة و العالمية تارة أخرى , في دعوة مباشرة و فجة للحفاظ على الوضع القائم , اليوم يوجد قادة هذا اليسار إلى جانب , غالبا في الصف الثاني , أعتى الطغاة في شرقنا و في العالم , و عندما يتحدثون عن الديمقراطية يحولونها إلى
توطئة: السياسي والثقافي هما توأمان يسيران جنبا إلى جنب ولا يمكن تصور أحدهما بمعزل عن الآخر، فالسياسة الصالحة هي التي تنتج ثقافة مبدعة والثقافة المتفتحة هي التي تساهم في إسناد وترشيد سياسة ديمقراطية. والآن يعاد تشكيل السياسة على الصعيد الكوكبي أخذا بعين الاعتبار الموروثات الثقافية بحيث تندمج الدول التي لها ثقافات متشابهة في كيان واحد على غرار الاتحاد الأوروبي وتتصادم الدول التي لها ثقافات مختلفة وغريبة عن بعضها البعض على غرار الشرق والغرب. وهكذا أعادت العولمة تقسيم المعمورة بعد زوال الحرب الباردة ونهاية الاستقطاب الثنائي إلى شرق اشتراكي وغرب رأسمالي، وأعادت كذلك رسم الحدود السياسية لكي تتوافق مع التنوع الثقافي وتحترم