في الريح تندفع الوقائع إلى محطات الاصطدام
مجندة في خدمة إله لا يبالي بالعبادة، نسورها المشلولة
تطفر صارخة في الظلام، طافية بين أقدامنا و نحن نحلم في
السرير.
الخارطة صابرة كوجه عابد لا يتوقع منا وافرا من السماء
اللحظة تأتي مواربة كالباب الذي تفتحه
لنا في آخر الرواق، امرأة لقيناها ذات مرة
في حلم سابق لم نستيقظ منه إلى الآن.
إنه المساء الآن. القاتل يخرج صامتا من الحانة
ليتبع حبل كوابيسه السري إلى مخبأ
الضحية، وفي ذاكرة الليل
ترن النقود المتساقطة
قلت لنفسي: هذا ما تكسبينه من الجري هنا و هناك بالخف الرياضي. لقد نسي جسمي ببساطة أن يكون رشيقا، و كيف يعرض نفسه للأنظار بالمخمل الأسود و الكعب العالي. بحثت في حقيبة يدي عن سجائر أنا متيقنة أنها موجودة. لم أدخن منذ آخر مرة حملت بها هذه الحقيبة. إنها حقيبة مواعيدي الغرامية، و فيها أحتفظ بكل الضروريات التي أحتاجها في أول لقاء تعارف. موبايل، عطر، أحمر شفاه، نعناع لتنظيف الأنفاس، مفكرة لتسجيل موعد و مكان اللقاء التالي، سجائر لمقاومة الضغط النفسي، محارم ورقية لمسح الدموع و بخاخ فليفلة حارة لو أن الظروف أسفرت عن الوجه الدميم. و هذا بالعادة ما يحصل. في إحدى اللحظات تحولت حياتي إلى حلقة كبيرة مغلقة من الجري وراء الموعد الأول و كنت واهمة لأبعد الحدود،
من ناحيتي لن أبدّل زوجي، هو ليس له حاجات، ولا طلبات. إن لم أقل له أنّني جميلة، لا يعرف. أقول له أحياناً: شكراً لك غمرتني بحبك يبتسم، وتلمع عيناه كشخص مصاب بمرض بلاهة ما. لا يجيد قول كلمة حبّ، تعودّت عليه، ولا أرغب بتغييره، تعوّدت على وجوده مثل كل الأشياء في منزلي. لا أرغب بتغيير أي شيء، فقط أرغب بتحسين الأشياء، استطعت أن ابني غرفة جديدة من عملي، وبنيت قربها حمّاماً فيه مياه جارية، أشعر بالرّفاه عندما أفتح حنفيّة الماء، وأغسل يديّ دون أن أضطرّ للسّفر حتى أصل إلى الماء.
جلس سهيل بلا حراك. جامدا مثل الأقواس الصخرية التي فوق رأسه. و دماغه في حالة خدر. ثم بدأت أفكاره تتخمر. كنت أعلم هذا سيحصل، لاحقا أم عاجلا. كان يجب أن أعيش معك من شهور... بعد عيد ميلادي الثاني عشر. و طبعا، أعلم أنني مدين لوالدتي. و لكنك كنت كريما، و سمحت لها أن تحتفظ بي لفترة أطول... و لكن أنت تحب الحرية، أليس كذلك؟. و لم تستعجل لإنجاب ولد يكون بين يديك. حسنا، مليون شكرا. و مع ذلك أنا متأكد لن تحتمل وقتا أطول.
قال والد سهيل:" ستحب هدى. فهي امرأة عاطفية. جميلة. انظر، هذه صورتها". و سحب مغلفا من جيب ثوب الاستحمام و أخرج صورة. نظر سهيل إليها. ثم نقل نظراته إلى يديه المضمومتين بعصبية واضحة.
قال والده و هو يضع الصورة على الكنبة قرب سهيل:" احتفظ بها. فهي لك. ألا تعتقد أنها جميلة".
تذكر قناع وجه والده في الضوء الملون في الحمام، و الابتسامة الجذابة لوجه هدى الجميلة، و بدأ يتساءل حول هذه الوجوه التي تحيط به. بنية، محمرة، شاحبة، بعضها ناعم و جميل مثل المشمش، و بعضها متجعد مثل التمر الجاف... مختلفة فيما بينها. و لكنها ربما جميعا تخفي قصصا وراءها أيضا.
ذلك الرجل البدين بعينين نصف مغلقتين و خدين ممتلئين - هل يأكل أيضا كثيرا بنهم، أم أن الطعام هو الشيء الوحيد الذي يستمتع به في الحياة؟. و تلك المرأة الشابة، التي لها عينان تختلسان النظر دائما من جانب لآخر... ماذا تخاف من رؤيته؟. ربما كل هذه الوجوه تخفي الحقيقة، أشياء لا تريد من الناس الآخرين أن يعرفوا بها. أراهن أن كل وجه لديه شيء من ذلك. وجهي كذلك.
و حينما اجتاز صفوف الباعة و أصبح وراءهم، بحثا عن تفاح جيد، لاحظ امرأتين تغطيهما الثياب السود من قمة الرأس لأخمص القدم. و توقف ليأخذ نظرة. و كان قد رأى امرأة من هذا النوع قبل الآن، و لكن توجد عدة نساء غير متعصبات هكذا. و فكر من الغباء أن ترى قطعة من القماش الأسود مكان الوجه. و في النهاية، الله هو الذي خلق الوجوه، و كل شيء خلقه الله يتمتع بالكمال و الخير. فلماذا نغطي الوجه كأنه عار؟. هذه تبدو طريقة غريبة نشكر بها الله على منته. أم أن هذا النوع من النسوة لديهن ما يخفينه؟
-أشعر أنّ النّهاية اقتربت، في كلّ ليلة يأتي رسول إلي يطلب منّي أن أجهّز نفسي للرّحيل. خبأت بعض المال لأوقات الشّدة وضعته هنا في الحديقة، لا أحد يعرف به سوى أنا وأنت، أخرجيه. خبئيه عندك، لا تتصرفي به، ربما أصبت بمرض. انفقي عليّ منه، وإن رحلت هو لك.
- بعد عمر طويل يا سليم. لا أرغب بذلك. أخشى أن لا أستطيع مقاومة رنين المال.
- افعلي ما أقول. أخشى أن يفوتني الزّمن.
خبأت هنا الكثير من الأشياء.
كنت أحفظه في كلّ مرّة لا أستعمله مهما اضطررت.
مرارا وتكرارا، الفيلم الحُبيبي القديم
يكشف الحرج – الأيام الزاخة
من الطفولة والمراهقة، متلصقة بالأحلام
ووجوه الآباء على سيقان طويلة، تناوب الصرامة والإدماع،
حديقة من ورد العربات يجعله يبكي
جبهته وعرة ككيس من الصخور
الذكريات تتدافع في الغرفة المواجهة مثل نجوم سينما باليين.
سرقت منها عشر ليرات ذهبية ، غضبت يومها ، كنت متعاطفاً معها. أقسمت لها أنّني سأجد السّارق قدّمت بلاغاً للشّرطة، وسجل ضدّ مجهول.كانت غير مقتنعة بالبلاغ، تقول أنّ الحرامي هو حرامي البيت، ونظراتها تشير إليّ. انتقمت منّي، هي تتابعني بغريزتها، وتجيد اصطياد ما أفكّر به.
الكنز موجود، في البيت أو الحديقة، عرفت بعض مخابئها السّرية، وعندما كنت أعرف أنّ والدتها أعطتها مالاً من أجل فستان، أسرقه بالتّدريج، والدتها سرقت والدها، أمضت حياتها وهي تبذّر المال، وهذا لم يمنع زوجها من الزّواج. تزوج من شابة في العشرين، كان يأخذها في رحلاته إلى المحافظات، حيث يوزّع " الصّابون" على الدّكاكين. بنى مجده على ذلك، وعندما مات أتت زوجته الشّابة تطالب بحصّتها بالوراثة،
ينما باشرا بالطعام، أخبر سهيل والدته عن درس الحمص و كعك الزبيب في بيت رئيف ثم عن التسوق. سمعت له و وجهت له بعض الأسئلة. ثم تذوقت شيئا من كل شيء.
قالت:" السلطة جيدة جدا. ممتازة. و السباغيتي طيبة، و لكنك تركتها على النار أكثر مما يجب".
وبعد قليل نفد الكلام. و فهم سهيل أن والدته أحبت الطعام، و لكن لم يكن بوسعه أن يؤكد. راقب وجهها عن مقربة، و لاحظ تبدلا في التعابير- و من غير ابتسامة.
وبعد أن شبعت وقفت و قالت:" كان هذا لذيذا يا سهيل. شكرا يا حبيبي، شكرا جزيلا. و الآن من الأفضل أن أعود للمطبخ".