لساعات مثل الأزهار، واحدة إثر الأخرى تتفتح
بين الاقتران الأبدي للّيل والنهار
يجب أن نقطفها كما نقطف الورود
وألاّ نمنحها سوى الحب
هكذا كلمحة برق، لا شيء يبقى من ساعة
غير العَدَم الهدّام يُقدّمه الزمن
ففي طيرانه السريع قَبّل أفضلهن
دائما تلك التي سترنّ
قم بإدراجها جيداً وفقاً لرغبتك
كما لو أنها اللحظة التي تحلم بها روحك
كما لو أن سعادة أطول حياة
تكمن في هذه الساعة التي سرعان ما ستمضي
لازلت أحتاج إلى الغزل. أحدّث نفسي عن نفسي:
تبدين جميلة أيّتها السّيدة، ولا أحد يلمّح لك بذلك، حتى زوجك مروان لم يقلّها مرّة واحدة على الأقلّ. أعتني بمظهري كثيراً ، نكون أنّا وزينب، ولا أحد يرفعني من مكاني. الأنظار تتّجه لزينب، وكلمات الإطراء تطالها، مع أنّها لم تبرز جمالها بل تلفلفت بالثّياب كأنّها غجريّة، هي تلبس لباس القرية الطويل. تقول لي هذا النوع من اللباس نعمة. يستر الفقر، لكنّني لا أستطيع أن ألبس مثلها. فأنا أعيش في المدينة. ألبس سروالاً ضيّقاً، وفوقه سترة، أرتدي حجاباً من طاقين. الداخلي سماوي، والخارجي أبيض. أنظر إلى المرآة، وأعجبني.
شرف بعلي يُحتضَر بين فخذيّ.
أتحول يوميا أكثر عهراً مما كنت اليوم الذي سبق.
كل ّ يوم تموت فيّ أنوثة ما.
يتم طعن امرأة من ذريّتي بخنجر الشرف.
فاقتلوني بدلاً عن نساء العالم!
اقتلوني!
لقد ضاجعت ُ كل ما هو موجود في هذه الدنيا.
منذ سنين أضاجع هموم الخبز.
أضاجع الغربة،
بندقيتَك، خندقَك، تشردَك،
اضاجع جراحك،
أوساخَ ثيابك،
والمطبخَ.
أضاجع القلم،
-لا يحتاج الكلام إلى تفسير . أشعر أنّ عليّ أن أعيد التّفكير في القيم التي أحملها. لقد حملت أفكاراً جامدة تحتاج إلى تجديد، مفهوم القيم عندي مغلوط، ومفهوم الحياة لم أتعلّمه.
كنت مع عبير في مكتبها، جرى حديث ودّي بيننا. قلت لها كيف أنظر لها أجابت بهدوء شديد:
-كان هذا في الماضي يا عزيزتي، محوت الماضي، وهؤلاء الذين دفعوا لي ثمن لحظات أعطيتهم إياها حذفتهم من حياتي. إنّني اليوم عبير صاحبة النّفوذ والجّاه، يسعون إليّ ليس من أجل تلك الأمور ، بل من أجل شراء المصلحة.
-هل تعتبرين ذلك جيداً يا عبير؟ لا أستطيع أن أكون مثلك. حاولت أن أتغيّر ولم أستطع.
عند أول فندق انتظرت في السيارة بينما هو يتكلم مع العمال. في المذياع كان الأخوة ميلز يغنون عن سادي غرين، توي توي تواه تواه، ثم سقطت في غفوة قصيرة، و استيقظت فجأة لدى عودته من أجلها و من أجل حقائبه.
و تبعته من تحت شرفة مدخل الفندق و سارت على يساره، و شعرها ينسدل للأسفل و يغطي واحدا من طرفي وجهها.
و شربت بلا توقف في الفترة الأولى. كانت الكؤوس تتراكم في الغرفة و في الأسفل يرسو الليمون الذي له شكل هلال.
بسبب الحرارة الشديدة كان الزجاج على وشك أن ينفجر من النوافذ في السيارة و هما يطيران في الشوارع.
في بيت ريفي على الطرف الآخر من الأطلسي، عثر عليهما دانييل. وأجيرت شهقته أليسون للاندفاع نحوه قبل أن يتمكن من إيقافها.
لقد شهقت وقفزت إلى الخلف.
" آه يا إلهي! هذا أكثر المشاهد التي رأيتها إزعاجا".
" هذا اعتراف". حاول أن يبعد عينيه لكنه فشل. كانت أليسون تتحرك مثل المكوك إلى الأمام والخلف فوق البساط الشرقي.
"يا صاحبي. كنت أعلم ذلك. أنها أعلم مزمعة على شيء".
" نعم، نفس الشيء هنا. ولكن يجب أن تعترفي. لقد أقرت بكل شيء أمامنا عيانا جهارا".
" ليس هكذا. لم تفعل".
" صحيح. ولكن علينا أن نتوقعه. من الواضح أنها ليست سعيدة على الإطلاق".
"لماذا هذا؟ أعتقد أنك مخطئ. هما أضداد. ألم تتساءل لماذا يستمران معا؟".
أصرت أليسون بقولها:" إنهما يحبان بعضهما بعضا".
في تلك الرّحلة مُسِحت ذاكرتي، لا أسماء فيها ولا أماكن. يقبع في زاويتها كتلة متجلّدة من المشاعر. أين كلّ تلك الأفكار التي كانت تدفعني للاستمرار؟
الشّعور بالاستسلام، وعدم جدوى الحديث عن أيّ شيء.
التّصحر، الرغبة في شيء واحد هو الطّعام.
يشيخ الشّباب، وهم في العشرين. عالقون في هذا المكان.
أنظر في اتجاه الخندق المحفور بتأنّ. يقال أنّ خلف الخندق تقع الجنان.
سؤال واحد أرغب أن أبوح به: هل كان الأمر يستحق؟
تمسك بيدي غول أنثى تقودني إلى السّجن.
تشبه في سحنتها امرأة رأيتها يوماً، أو ربما تخيلتها تأكل طفلاً.
رائحة بول تنطلق من قريب، وشاب يقرع الباب بقوة ليفتحوا له، والرائحة نشّمها معاً ، الذّل الذي كدسته على مدى عمر يحضرني، يتخشّب جسدي.
نحو مكان حيث تنبسط الروح
حيث لا قيود على العقل
نعم، مكان حيث العقل مُتجاوز
حيث الألوان ليست مجرد ألوان
حيث تنعتق الكلمات،
تنعتق من كل أنواع القيود
حيث الأجساد تطفو
تطفو كما الريشة مع نسيم الربيع
يا لها من رؤية حزينة !
حزينة، حينما تُدرِك
حزينة، حينما تستيقظ.
حزينة، فقط حزينة، على كل الأيام العادية التي عِشتَها
على كل اللحظات المميّزة التي ضيّعتَها
كل الأمزجة العكرة التي استشعرتَها
كل الكراهية التي أحسستَها
كل الألم الذي صرختَ به
أفتقدك يا شمسة!
أرغب أن تحدّثيني عن الوطن كي أصفك بالغبيّة. إنه وطن الضّبع، وأنا وطني بعيد لم يولد بعد.
هل نقدم حياتنا فداء لضبع؟
يبدو أنّ بعضهم يحبّ تجميل الحكايات، يحرّض النّاس على الموت تحت شعارات جميلة.
لا أحبّ الفقر،و المعاناة، ولا التّضحية؟
يسمون أعمالهم العادية تضحية، فمن يقدّم لأبنائه الطّعام والشّراب، والعلم يقوم بوظيفته، ولا يضحي.
ما أضيق اليابسة!
لو استطعنا العيش في عمق البحر!
لو تمكّنا من الطّيران!
لو دفنا رأسنا في الزّمل!
السّاعة الرّابعة بعد منتصف الليل، أخشى أن أغفو.
لتضعي في الفخ أحلامك
ازحفي عليها كما تفعل السرطانات؛
ألقي القبض على مشاهد
بنظرات جانبية؛
و مشطي أطراف اليقظة السائبة
من حطام يتململ
أو اسبري الأعماق الداكنة التي لها لون النبيذ
لتجدي الضفائر الشفافة
البقايا الضائعة من تصورات المجانين.
اسحبي بقدر ما تستطيعين و ادفنيه في الرمال
بينما الأصوات و الصور تندحر
مع المد المتراجع
ثم تحشد نفسها
لمظاهرة أخرى
في ليلة تالية
ولتضعفي المخاطر مجددا
في غفوة، المثقفين غير المشابه بهم.
كل ما يمكننا إستثماره من المياه الرقيقة محار محطمة و جوفاء